خواطر الكلمة الطيبة .. أثر الأخلاق في الدعوة إلى الله
- الخلق الحسن من العوامل المهمة في جذب الناس إلى الداعية وتأثرهم به وقبولهم لدعوته فضلا عن أجره في الآخرة
- من الصفات المهمة للداعية الثبات على الأخلاق الحسنة في كل حال فينبغي ألا يحيد عنها أو يميل إلى غيرها لأنها حق والثبات على الحق دين
- الداعية إلى الله أحوج ما يكون إلى التخلق والاتصاف بالأمور المحببة إلى قلوب الناس فضلا عن أنها من واجبات المسلم
قال زيدُ بنُ سُعنةَ ما من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُها في وجهِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَينِ لم أُخبَرْهما منه: يَسْبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُه شدةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا؛ فكنتُ ألطف له إلى أن أخالطَه فأعرفَ حلمَه مِنْ جهلِهِ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فخرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومًا مِنَ الحُجُراتِ ومعه علي بنُ أبي طالبٍ، فأتاه رجلٌ على راحلتِهِ كالبدويِّ، فقال يا رسولَ اللهِ، إنَّ بقربي قريةَ بني فلانٍ قد أسلموا أو دخلوا في الإسلامِ، وكنتُ حدَّثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزقُ رغدًا وقد أصابتْهم سَنةٌ وشدَّةٌ وقحوطٌ مِنَ الغيثِ؛ فأنا أخشى يا رسولَ اللهِ، أن يخرجوا مِنَ الإسلامِ طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا! فإن رأيتَ أن ترسلَ إليهم بشيءٍ تعينُهم به فعلتَ.
فنظر إلى رجلٍ إلى جانِبِه أراه عليًّا، فقال يا رسولَ اللهِ، ما بقِيَ منه شيءٌ، قال زيدُ بنُ سُعنةَ فدنوتُ إليه فقلتُ يا محمد هل لك أن تبيعَني تمرًا معلومًا في حائطِ بني فلانٍ إلى أجلِ كذا وكذا؟ فقال لا يا يهوديُّ، ولكن أبيعُك تمرًا معلومًا إلى أجلِ كذا وكذا ولا تسمِّي حائطَ بني فلانٍ، قلتُ نعم، فبايعني؛ فأطلقتُ هِمْياني فأعطيتُه ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا، فأعطاه الرجلَ وقال اعدِلْ عليهم وأعِنهُم بها، قال زيدُ بنُ سُعنةَ: فلما كان قبلَ محلِّ الأجلِ بيومين أو ثلاثةٍ خرج رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ في نفرٍ مِنْ أصحابِه فلما صلَّى على الجنازةِ وَدَنا مِنْ جِدَارٍ ليجلِسَ أتيتُه فأخذتُ بمجامعِ قميصِه وردائِه، ونظرتُ إليه بوجهٍ غليظٍ فقلتُ له ألا تقضيني يا محمدُ حقِّي؟ فواللهِ ما علمتُكم بني عبدالمطلبِ لمُطلٌ ولقد كان لي بمخالطتِكم علمٌ. ونظرتُ إلى عمرَ وإذا عيناه تدورانِ في وجهِهِ كالفَلَكِ المستديرِ ثم رماني ببصرِه فقال يا عدوَّ اللهِ، أتقولُ لرسولِ اللهِ ما أسمعُ وتصنعُ به ما أرى! فوالذي بعثه بالحقِّ لولا ما أحاذرُ فوتَه لضربتُ بسيفي رأسَكَ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ينظرُ إلى عمرَ في سكونٍ وتُؤَدَةٍ وتبسُّمٍ، ثم قال يا عمرُ، أنا وهو كنا أحوج إلى غيرِ هذا أن تأمرَني بحسنِ الأداءِ وتأمرَه بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ، اذهبْ به يا عمرُ فأعطِه حقَّه وزِدهُ عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما رُعتَه. قال زيدٌ فذهب بي عمرُ فأعطاني حقِّي وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ؛ فقلتُ ما هذه الزيادةُ يا عمرُ؟ قال أمرني رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن أزيدَك مكانَ ما رعتُكَ! قال: وتعرفُني يا عمرُ؟ قال لا؛ فما دعاك أن فعلتَ برسولِ اللهِ ما فعلتَ وقلتَ له ما قلتَ؟ قلتُ: يا عمرُ لم يكن من علاماتِ النبوةِ شيءٌ إلا وقد عرفتُه في وجهِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتَين لم أُخبَرْهما منه: يسبِقُ حلمُه جهلَه، ولا يزيدُهُ شدَّةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا، فقد اختبرتُهما فأُشهدُكَ يا عمرُ أني قد رضيتُ بالله ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدُكَ أنَّ شطرَ مالي فإني أكثُرها مالًا صدقةٌ على أمةِ محمدٍ، قال عمرُ: أو على بعضِهم؛ فإنكَ لا تسعُهم، قلتُ: أو على بعضِهم؛ فرجع عمرُ وزيدٌ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال زيدٌ أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وآمن به وصدَّقه وتابعه وشهِد معه مشاهد َكثيرةً، ثم تُوُفيَ في غزوةِ تبوكَ مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ رحم اللهُ زيدًا. أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -
فالشاهد من هذه القصة: أن زيد بن سعنة دخل في الإسلام؛ بسبب أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -، من هنا فإن قضية الأخلاق قضية عظيمة يجب الاهتمام بها، سواء على الجانب النظري من خلال القراءة في كتب الأدب والأخلاق، ككتاب الأدب في صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغيرها ككتاب رياض الصالحين وغيرها الكثير، ثم على الجانب العملي أن تتمثل هذه الأخلاق سواء بينك وبين الله -تعالى-، أو بينك وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بينك وبين المسلمين وغير المسلمين. اتصل بي أحد المشايخ في حاجة معينة، فسألته كيف التزمت على السلفية؟ فقال: كنت رجلا عاميا، وكان أعز أصحابي أحد الإخوة الأفاضل، وكان عندنا حب للدين، لكن ما كنا نعرف الطريق، فذهبنا في يوم لدرس في أحد المخيمات، فكان الشيخ يذكر الأحاديث كلها في صحيح البخاري ويقول: من أراد أن يحفظ أحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعليه بالبخاري الذي أجمعت الأمة على صحته، ثم دعاني الإخوة عندهم في درس للمسجد ورأيت من أخلاقهم وحسن سمتهم ما شرح صدري، ثم حضرنا للشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- فرأيت من أخلاقه أيضًا ما كان سببًا في التزامي. أهمية الأخلاق في حياة الداعية
مما سبق يتبين لنا أن الخلق الحسن من أجمل ما يتحلى به الداعية، وهو أقصر طريق لقلوب الناس، وقد وصف الله -تعالى- به نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وأما الخلق العظيم الذي وصف الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقا، وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله -تعالى-، بطيب نفس وانشراح صدر». جذب الناس
الخلق الحسن من العوامل المهمة في جذب الناس إلى الداعية وتأثرهم به وقبولهم لدعوته، إضافة إلى أجره في الآخرة؛ فالناس مفطورون على محبة الفضائل والانجذاب إليها، والنفور من القبائح والابتعاد عنها، والدعية إلى الله أحوج ما يكون إلى التخلق والاتصاف بالأمور المحببة إلى قلوب الناس، فضلا عن أنها من واجبات المسلم، قال أبو حاتم البستي -رحمه الله-: «الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق؛ لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل». أضرار سوء الخلق
والناس إذا لاحظوا من الداعية سوءا في أخلاقه تبرموا منه، ونفروا من دعوته، خوفا من تضررهم بأخلاقه السيئة، وقد يميلون إلى تفضيل أهل الفسق والضلال ومجالستهم، إذا آنسوا منهم حسنا في الخلق ورفقا في المعاملة، وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض -رحمه الله-: «إذا خالطت فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيء الخلق، إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه، وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه». الثبات على الأخلاق
ومن الصفات المهمة للداعية، الثبات على الأخلاق الإسلامية في كل حال، فلا يحيد عنها أو يميل إلى غيرها، لأنها حق، والثبات على الحق دين، إضافة إلى أن تنازل الداعية عن أي خلق من الأخلاق الكريمة، تحت ضغط الظروف أو تبعا للحالة النفسية له، خسارة لذاته، حين يفقد تقديره واحترامه بين الناس، وخسارة للدعوة التي يمثلها وينصب من نفسه وخلقه نموذجا لها، وخسارة له في الآخرة حين يضع نفسه في الموضع المخالف لأمر الله. أهمية الخلق الحسن
ومما يزيد من أهمية الخلق الحسن عند الداعية، أنه قد لا يتمكن من الإحسان إلى الناس بنفسه أو بماله، لكثرة في الناس أو قلة في المال،-فهذا غير داخل في مقدور البشر- فإذا كان ذا خلق حسن ولين جانب، وطلاقة وجه، ونحو ذلك فإن ذلك مما يجلب التحاب بين الناس، ولن يعدم حينئذ الوسيلة التي ينفذ بها إلى قلوب المدعوين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق».
اعداد: د. خالد سلطان السلطان