الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن(137)
- «لا تلاعنوا بلعنة الله»
فعلى المسلم الحذر من إطلاق لسانه باللعن، ولاسيما النساء، فقد خصهن النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير فقال: «يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار»
يريد الله -تعالى- من عباده المؤمنين أن يتحلوا بالأخلاق الحميدة، ويتصفوا بالآداب الرفيعة، فينتقوا أحسن الألفاظ، ويتكلموا بأحسن الكلمات، التي ترسخ المودة، وتبعد أسباب الفرقة كما قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}(الإسراء: 53)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}(الأحزاب: 70).
ونهى الله -سبحانه- عن كثير من الأقوال القبيحة، والألفاظ الذميمة، ليكون المسلم عفّ اللسان، جميل المنطق؛ فمما نهى الله تعالى عنه(اللعن)، وقد جاء ذمّ اللعن في أحاديث كثيرة تدل على أنه لفظ مذموم، ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه منه.
واللعن إذا أضيف إلى الله -تعالى- كقوله تعالى: {لعنه الله} فمعناه الطرد والإبعاد من الخير، وإذا أضيف إلى الناس كقولهم: «اللهم العنه» فمعناه السب والدعاء بالشر.
وقد جاءت أحاديث كثيرة في النهي عن اللعن وذم من فعله، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم : «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا» أخرجه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة». أخرجه مسلم.
قال النووي: «فيه الزجر عن اللعن، وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة؛ لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد عن رحمة الله، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله بالرحمة، فهو من نهاية المقاطعة والتدابر، وهذا غاية ما يوده المسلم للكافر ويدعو عليه؛ ولهذا جاء في الحديث: «لعن المؤمن كقتله» أخرجه مسلم؛ لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة، وقيل: معنى «لعن المؤمن كقتله» أي: في الإثم وهذا أظهر».
وقوله: «لا يكون اللعانون شفعاء» فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار.
وقوله: «ولا شهداء» فيه أقوال: أصحها وأشهرها: لا يكونون شهداء على الأمم يوم القيامة بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات».
2- وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار» أخرجه أحمد.
3- وقال صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» أخرجه أحمد والترمذي.
4- وعن أنس قال: لم يكن رسول الله صلىالله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا وكان يقول عند المعتبة: «ماله تربت جبينه» أخرجه البخاري.
5- وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين قال: «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة» أخرجه مسلم.
6- عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان لذلك أهلا، وإلا رجعت إلى قائلها»أخرجه أبو داود وحسنه الألباني
فهذه جملة من الأحاديث في ذم اللعن وفاعله؛ مما يحمل المسلم على تطهير لسانه منه.
ويختلف حكم اللعن بحسب من يتوجه اللعن إليه:
- أولاً- لا خلاف بين الفقهاء في أن الدعاء باللعن على المسلم المصون حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، ولعنه كقتله»، وقد نقل الإجماع على ذلك النووي.
- ثانياً- ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز لعن المسلم الفاسق المعين، ودليلهم ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل شرب خمراً مرارا فقال بعض من حضره: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تلعنه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله» أخرجه البخاري، وفي لفظ: «لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم»، قال ابن العربي: «فجعل له حرمة الأخوة، وهذا يوجب الشفقة».
- ثالثا- أما لعن الكفار جملة ولعن المسلمين العصاة من غير تعيين لأحد منهم فيجوز؛ لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى، والواصلة والواشمة، وشارب الخمر، وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، والمصورين، ومن انتمى إلى غير أبيه، ومن غير منار الأرض وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.
- رابعا- أما لعن الكافر المعين:
فإن كان ميتا فيجوز لعنه بلا خلاف كلعن فرعون وأبي جهل وأبي لهب ونحوهم ممن مات على الكفر، وإن كان الكافر حياً، فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز لعن الكافر الحي المعين، ودليلهم: أن ما يموت عليه الكافر المعين مجهول، وقد اشترط الله -تعالى- لجواز إطلاق اللعن عليه أن يموت على الكفر فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}(البقرة: 161).
- خامسا- أما لعن غير البشر فلا يجوز، فعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تلعنها فإنها مأمورة، وأنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة إليه»أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني
وعن عمران بن الحصين قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك الرسول الله فقال: «خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة»، وفي لفظ: «لا تصاحبنا ناقة عليها اللعنة» قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
قال النووي: «إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن فعوقبت بإرسال الناقة، والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق، وأما بيعها وذبحها وركوبها في غير مصاحبته وغير ذلك من التصرفات التي كانت جائزة قبل هذا فهي باقية على الجواز؛ لأن الشرع إنما ورد بالنهي عن المصاحبة فبقي الباقي كما كان».
وعن جابر قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن بُواط - جبل من جبال جهينة -، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح - البعير الذي يُستقى عليه - يعتقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من الأنصار - العُقبة ركوب هذا مرة وهذا مرة - على ناضح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتلدن عليه بعض التلدن - أي تلكأ وتوقف -، فقال له: شَأْ لعنك الله - كلمة زجر للبعير -، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من هذا اللاعن بعيره؟» قال: أنا يا رسول الله، قال: «انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» أخرجه مسلم.
قال النووي: «وفي هذا الحديث النهي عن لعن الدواب».
فعلى المسلم الحذر من إطلاق لسانه باللعن، ولاسيما النساء، فقد خصهن النبي صلى الله عليه وسلم بالتحذير فقال: «يا معشر النساء! تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقالت امرأة منهن، جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير». أخرجه مسلم.
قال النووي: «وفيه أن اللعن أيضا من المعاصي الشديدة القبح، واتفق العلماء على تحريم اللعن».
اعداد: د.وليد خالد الربيع