عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 11-11-2005, 03:53 PM
الصورة الرمزية عاشق الجنان
عاشق الجنان عاشق الجنان غير متصل
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
مكان الإقامة: أرض الرباط
الجنس :
المشاركات: 560
افتراضي

تعاقب الهجرات إلى فلسطين

حتى يتسنى لنا صحة أو خطأ أقوال الحركة الصهيونية، نحاول الاطلاع على تاريخ تعاقب الهجرات إلى فلسطين. وحيث أن المجال هنا ضيق للاستفاضة في الشرح التاريخي فإننا نحاول أن نوجز مركزين على محطات رئيسة علما أن المعلومات التاريخية ليست عصية على التفنيد والتأكيد.

عمرت فلسطين في الأزمنة الغابرة كالعصر الحجري والعصر النحاسي شعوب تمركزت في مناطق مختلفة من البلاد كما تدل الحفريات. إلا أن مسيرة الشعوب التاريخية، الشعوب التي أمكن الإمساك ولو بصورة هشة بتاريخ تواجدها وسيرتها في فلسطين، بدأت مع الهجرات السامية التي تدفقت من الجزيرة العربية إلى الشمال بلاد الشام (سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن) وبلاد ما بين النهرين(العراق). فالجزيرة العربية قاحلة وكان قحطها يدفع بسكانها إلى الهجرة إلى بلاد أكثر وفرة في الماء ومصادر الطعام.

يقول المؤرخون أن أول هجرة سامية (أي من القبائل التي تنتمي إلى الجنس السامي الذي ينتمي إليه العرب والعبرانيون والكلدانيون والأشوريون والسومريون) إلى بلاد الشام كانت في الفترة الواقعة بين 3000 و 2500 سنة قبل الميلاد. فقد قدمت حينئذ قبيلة كبيرة وهي الأمورية واستقرت في الجزء الشمالي من سوريا الكبرى أو الإقليم السوري الذي نعرفه اليوم. وتلتها بفترة وجيزة هجرة قبيلة أخرى عرفت باسم الكنعانيين واستقرت في المنطقة السهلية الساحلية من سوريا. وهي الأرض التي أصبحت تعرف باسم كنعان أو الأرض التي تدر لبنا وعسلا وهي المعروفة باسم فلسطين الآن.

حل الكنعانيون في البلاد واندمجوا مع من كان فيها من سكان العصور الغابرة وصبغوا البلاد بصبغتهم أي بعاداتهم وتقاليدهم ونمط حياتهم. بالطبع لم تكن البلاد خالية من الحضارة حينئذ. فقد عرف أن أريحا أقدم مدينة في التاريخ وسبق إنشاؤها وجود الكنعانيين. أقام اليبوسيون، أحد بطون الكنعانيين، مدينة يبوس التي أصبحت تعرف فيما بعد بأورساليم (أو مدينة السلام) والتي تم تحريفها عبرانيا إلى أورشليم. وأقام الكنعانيون مدنا مثل عاي ولاجاش (تل الدوير) ومجدو وشكيم وعزة ويافو وبيت شان وبيروتس. وأقاموا عددا كبيرا من التجمعات السكانية التي أخذت أسماء كنعانية. وما زالت التسميات التي أطلقها الكنعانيون على مختلف المناطق متداولة حتى الآن إلى حد كبير ولو ببعض التحريف بسبب التغير اللغوي الذي يطرأ مع الزمن.

أما بالنسبة لهجرة الساميين العبرانيين فيعتقد مؤرخون أنها بدأت مع قدوم سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى البلاد. هذا على اعتبار أن سيدنا إبراهيم جد القبائل العبرانية. قدم إبراهيم البلاد حوالي سنة 1950 قبل الميلاد، ويظن أنه وقبيلته اكتسبا اسم العبور أو العابرين من عبورهم نهر الأردن من الشرق، أي من شرق الأردن، إلى الغرب. وقد تطور هذا الاسم مع الزمن ليصبح العبرانيين. تنقل إبراهيم وقبيلته في البلاد واستقر في منطقة الخليل. وقد كانت إقامته بسلام وهدوء إلى جوار السكان الذين كانوا يعمرون البلاد.

رزق إبراهيم بولدين: إسماعيل من زوجته هاجر، واسحق من زوجته سارة. تعتبر التوراة أن إسماعيل ابن الجارية وأن اسحق ابن السيدة. ولهذا فإنها تعتبر اسحق صاحب شأن عظيم على عكس إسماعيل. وهي تعكس القصة الإسلامية حول افتداء إسماعيل بالكبش العظيم وتجعل اسحق محور القصة. ومن اسحق ينحدر نسل العبرانيين وهذا النسل هو الذي يصنع التاريخ.

لم يقم إبراهيم دولة في فلسطين. بل أن أحفاده هجروا البلاد واستقر بهم المطاف في مصر. وهنا تختلف الروايات التاريخية. فمنها ما يقول أن أحفاد إبراهيم هم أجداد العبرانيين الذين اضطهدهم الفراعنة في مصر مما دفعهم للهروب بقيادة موسى. ومنها ما يقول أن القبائل التي قادها موسى هي قبائل مستقلة ومختلفة عن نسل إبراهيم. على كل حال، تعتقد التوراة أن موسى وقومه من نسل إبراهيم.

لم تعد البلاد خالية من السكان بعد هجرة أحفاد إبراهيم إلى مصر. بل بقيت البلاد معمورة ويسير فيها نشاط الحياة باعتياد. فالكنعانيون لم يغادروها وأصبحوا جزءا لا يتجزأ منها. وفد في هذه الأثناء الآراميون الذين انتشروا في الديار السورية وكذلك اليبوسيون الذين أقاموا حصن يبوس المنيع على أحد تلال أورساليم. تحولت أورساليم بعد ذلك لتدعى يبوس. وقد حفر اليبوسيون نفقا التقى مع نفق طبيعي انقل المياه من عين قدرون إلى الحصن، وهو ذات النفق الذي يدعيه اليهود ويقولون أنه نفق الحسمونائيين (العبرانيون الذين اشتهروا في أرض كنعان إبان القرن الثاني ق.م.) هذا هو نفق اليبوسيين. ومما يذكر أن العبرانيين أخذوا الاسم الكنعاني للمدينة المقدسرة وحولوه إلى أورشاليم.

هرب موسى وهو سيدنا موسى المذكور في القرآن إلى سيناء حيث تلقى الشرائع السماوية، وحيث تاه بنو إسرائيل بسبب فجورهم. وقد حاول موسى وأخوه هارون لمّ شعث بني إسرائيل ومن ثم الهجرة إلى شرقي الأردن. وقد كانت النية تتجه نحو دخول فلسطين الأرض التي وعد الله بني إسرائيل بها، وكما أوضحنا من مقولات التوراة. لكنه لم يكتب لموسى دخول فلسطين. بل دخلها ملك يدعى يشوع في حوالي نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد أو بداية القرن الثاني عشر.

دخل العبرانيون أرض كنعان واحتلوا أريحا وعاثوا فيها فسادا وقتالا. فقد قتلوا كل شيء حي فيها بما في ذلك الحيوانات والنباتات وأخذوا بعدها يتغلغلون عن طريق القتال حينا وعن طريق الزحف التدريجي حينا آخر. وقد استمرت محاولاتهم للاستيلاء على بعض أجزاء فلسطين خاصة الجبلية منها حوالي مائة عام. استطاعوا التواجد كقبائل متفرقة ومتناحرة بصورة أساسية في المناطق المعروفة اليوم بنابلس والقدس والخليل. استمر تناحر قادة قبائلهم أو أسباطهم كما يسمونها حتى ظهور الملك داود المعروف لدى المسلمين. استطاع داود أن يوحد القبائل العبرانية وأن يقيم مملكة موحدة حكمها حوالي أربعين عاما 1004-963 ق.م.

وسع داود حدود مملكته شرقا وغربا ولكنه عجز عن هزيمة الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون منطقة غزة والصيدانيين الذين كانوا سكنوا منطقة صيدا. استطاع الفلسطينيون الذين يرجح المؤرخون أنهم من أصل هندي-أوروبي قدموا من جزيرة كريت أن يتمسكوا بموطئ قدمهم. وقد أخذت البلاد اسمها فيما بعد منهم، فأصبحت أرض كنعان الكنعانية والتي تعني السهل تحمل اسم قبائل أتت إليها مؤقتا، وأخذت تُعرف باسم فلسطين. توضح الخريطة رقم (3) مملكة داود والمناطق التي كانت تحت نفوذه.

اتخذ داود من يبوس (أورساليم) عاصمة له وبنى فيها قصرا. خلف سليمان والده داود وحكم البلاد حتى عام 923 ق.م. وكان الهيكل (هيكل سليمان) حسبما تورد التوراة وبعض المؤرخين أهم منجزاته. لم تلبث المملكة العبرانية أن اهتزت بعد موت سليمان وعادت القبائل إلى الاقتتال فانقسمت إلى مملكتين. مملكة يهودا وعاصمتها أورشاليم وتضم قبيلتين، ومملكة إسرائيل وعاصمتها سبسطية وتضم عشرة قبائل. تعرضت إسرائيل لهجوم أشوري عام 722 ق.م. بقيادة سرجون الثاني. حطم سرجون الثاني المملكة وسبى (أخذ ملكا له وعبيدا) عددا من أهلها وهذا ما عرف بالسبي الصغير. أما مملكة يهودا فتحطمت على يد نبوخذ نصر البابلي عام 587 ق.م. وسبي عدد كبير من العبرانيين وهذا ما عرف بالسبي الكبير. وهناك في بلاد ما بين النهرين يعتقد المؤرخون أن الحركة الثقافية قد نشطت بين العبرانيين.

عاد العبرانيون المسبيين إلى أرض كنعان أو فلسطين مع هزيمة بابل أمام الجيش الفارسي بقيادة قورش عام 538 ق.م. انتقلت البلاد إلى حكم اليونانيين عام 323 ق.م. ثم إلى البطالسة فالسلوقيين. تعرض الوجود العبراني خلال هذه التعاقبات إلى المد والجزر، وانتهت بهم الحال إلى الثورة عام 168 ق.م. مما أدى إلى ظهور الدولة المكابية شبه المستقلة. ثم جاء حكم الرومان الذي لم يتقبل فكرة التمرد العبراني. حارب الرومان العبرانيين الذين اتهموا بقتل المسيح في الكثير من المواقع وانتهت بهم الحال عام 70 م عندما اقتحم القائد الروماني تيطس آخر معاقل العبرانيين واحتل المدينة المقدسة وحطم هيكلها وطرد العبرانيين منها. لكن الوجود اليهودي في أرض كنعان لم ينته إلا عام 135 م على يد القائد الروماني هادريان الذي طرد اليهود ومنعهم من البقاء والعودة.

انتقلت البلاد إلى حكم بيزنطة، واستمرت كذلك ما عدا فترة وجيزة من حكم الفرس حتى الفتح الإسلامي. فتح المسلمون مدينة إيلياء (القدس) على يد الخليفة عمر بن الخطاب عام 636 م وفتحوا كل الديار السورية إثر معركة اليرموك. أصدر عمر بن الخطاب أثناء وجوده في القدس وثيقة عرفت باسم العهدة العمرية تنظم العلاقات مع المسيحيين وتحرّم المدينة المقسة على اليهود. وفيما يلي نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها، ولا من حيزها ولا من صلبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا كما يعطي أهل المدائن وعليهم أن يخرجوا منها الروم اللصوت فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.

شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، وذلك سنة 15 للهجرة.

أولى الخلفاء الأمويون والعباسيون اهتماما بالأرض المقدسة فبنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة عام 72 (691 م) للهجرة بينما بنى الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 90 للهجرة (708 م). أدخل العباسيون تحسينات على الأماكن المقدسة وصرفوا الأموال للمحافظة عليها. وكذلك فعل الطولونيون والإخشيديون والفاطميون.

غزا الصليبيون فلسطين واحتلوا القدس عام 1099 م وأقاموا فيها مذبحة قُدر عدد ضحاياها بسبعين ألفا. ثم نهبوا كنوز مسجدي الصخرة والأقصى وحولوا الأقصى إلى حظيرة لخيولهم. لكنهم أُخرجوا منها على يد صلاح الدين الأيوبي بعد انتصار المسلمين عليهم في معركة حطين عام 1187 م. عاد الصليبيون إلى القدس عام 1229 بعد أن سلمها الملك الكامل بن أيوب سلما وبقيت في أيديهم إلى أن حررها الملك الناصر عام 1239. لكن الناصر عاد وسلمها للصليبيين عام 1243، ولم تتحرر نهائيا إلا عام 1244 على يد الملك نجم الدين أيوب. شهدت المدينة عصرا ذهبيا في عهد الماليك الذين اعتنوا بمقدساتها وأقاموا فيها العديد من دور العلم. انتقلت المدينة إلى أيدي العثمانيين عام 1517على إثر معركة مرج دابق. انتشرت التكايا والزوايا والصوفية إبان الحكم العثماني لكن المستوى العلمي اضمحل وفقدت دور العلم التي بناها المماليك جزءا كبيرا من أهميتها نتيجة توقف تمويلها.

سقطت البلاد بيد الانكليز عام 1917 ومهدوا بذلك لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين. ومنذئذ لم تتوقف الحرب ولا سفك الدماء
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.97 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]