عرض مشاركة واحدة
  #63  
قديم 27-08-2025, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. المَرْأةُ تَحِيضُ قبلَ أنْ تُودِّع


  • طواف الإفاضة لابدّ منه ولا يسقط عن الحائض حيث قال صلى الله عليه وسلم : أحابستنا هي؟ فقيل: إنها أفاضت
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَذَكَرْتُ حِيضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟»، قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَلْتَنْفِر»، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ». الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/963-964) باب: وجُوب طواف الوداع وسُقوطه عن الحائض، ورواهما البخاري في الحج (3/586) بابك إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت.
تَروي أمُّ المؤمنِينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّه لَمَّا حَجُّوا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوداعِ، طافوا طوافَ الإفاضةِ يومَ النَّحرِ، وهو اليومُ العاشرُ مِن ذي الحجَّةِ، حاضتْ أُمُّ المؤمنينَ صَفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ -رضي الله عنها- بعدَ أداءِ طَوافِ الإفاضةِ، وذلك بعْدَ أنِ استَأذَنَتْ نِساؤُه في طَوافِ الإفاضةِ، وأذِنَ لهنَّ. قولها: «أنَّ صفيَّةَ بنتَ حُيَيٍّ زوجَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حاضتْ بعدما أفاضت» في حَجَّةِ الوَدَاع، أي: ليلة النَّفْر، قال ابن حجر -رحمه الله-: حاضت صفية، أي: في أيام مِنى، وسيأتي في أبواب الإدلاج من المحصَّب؛ أنَّ حيضها كان ليلة النَّفْر، زاد الحاكم: لمّا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ ينفر، إذا صفية على باب خبائها كئيبةً حزينة، فقال: عَقْرَى.. الحديث. وهذا يُشعر بأنَّ الوقت الذي أراد منها ما يريد الرجل من أهله؛ كان بالقُرْب من وقت النَّفْر منْ منى.
«أَحابِسَتُنَا هي؟»
قوله: «فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحابِسَتُنَا هي؟» أي: قال النّبي - صلى الله عليه وسلم - مُسْتفهماً مِنْ عائشة: «أحابستنا هي؟» أي: عن الرُّجوع إلى المدينة؛ لأنّه ظنَّ أنَّها لم تطُفْ طواف الإفاضة. «أحَابِسَتُنَا هي؟» الهمزة هنا ليست للاستفهام المَحض، ولكنها على معنى الإنكار والإشفاق مِنْ شيءٍ يُتوقَّع، ويدلّ عليه قوله في الحديث الآخر: «لعلها تَحْبِسُنَا؟» فهذا توقُّع بيِّن وإشفاق. وقلنا: إنَّه بمعنى الإنكار؛ لأنّه خَرَج مخرج التبرُّم والغضب، وتوضيحه: أنَّ بعضهم روى هذا الحديث فقال: «عَقْرَى حَلْقَى» أي: عقرهَا الله، وحلقها إذا أَصَابَهَا الوجع في حلقها، ما أراها إلا حابستنا...، وهذا من الدعاء الذي لا يُراد به وقوع المكروه؛ وإنَّما هو كلامٌ تستعمله العرب على معنيين: أحدهما: عند التبرُّم والضّجر، ومنه الحديث، وتقدم في قوله: «أفٍّ لك». والآخر: في معنى استعظام الشيء، والإفْراط في إحْسانه، كما يقال: أخْزَاه الله ما أشْعره! وقاتله الله ما أفصحه!
«هذا شيء كتَبَه الله على بنات آدم»
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- مُقارِنًا بين قول النبي لعائشة وصفية: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا شيء كتَبَه الله على بنات آدم» يعني: الحيض، وكتبه عليهن، أي: جَبَلَهُنَّ عليه، وثبَّته عليهن، وهو تأنيسٌ لها وتسلية، وهو دليلٌ على ميله لها، وحُنُوهِ عليها، وكم بين مَن يؤنَّس ويُستَرضَى وبين مَن يُقال له: عَقْرَى حَلْقَى»؟! والصواب: ليس فيه دليل على اتِّضَاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النُّسُك، فسلَّاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرَّجُل من أهله، فأبدت المانع، فناسب كلًّا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة. وقال ابن جماعة -رحمه الله-: استنبط (أي: البخاري) اعتبار قولها (أي: المرأة) في الحيض والحمل، بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَابِسَتُنَا هي؟» فرتَّب حبْس الحاج على مجرد قولها، فدلَّ على أنَّه مُعتبَر في العِدَّة والحَمل والحيض. وقال ابن حجر -رحمه الله-: في رواية الأعرج عن أبي سلمة عن عائشة التي مضت في باب الزيارة يوم النحر: «حَجَجْنَا فأَفَضْنَا يوم النَّحر، فحاضت صفية، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منها ما يريد الرَّجل من أهله، فقلتُ: يا رسول الله، إنها حائض...» الحديث. وهذا مشكلٌ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنْ كان عَلِمَ أنها طافت طواف الإفاضة، فكيف يقول: «أَحَابِسَتُنا هي؟» وإنْ كان ما عَلِمَ؛ فكيف يريد وقاعها قبل التحلل الثاني؟! ويُجاب عنه: بأنه - صلى الله عليه وسلم - ما أراد ذلك منها إلا بعد أنْ استأذنه نساؤه في طواف الإفاضة، فأَذِنَ لهنَّ، فكان بانيًا على أنها قد حلَّت، فلما قيل له: إنها حائض، جوَّز أنْ يكون وقع لها قبل ذلك حتى منعها منْ طواف الإفاضة، فاستفْهَم عن ذلك، فأَعْلَمَتْهُ عائشة أنها طافت معهن، فزال عنه ما خشيه من ذلك، والله أعلم. وقال الصنعاني -رحمه الله-: قوله: «أحَابِسَتُنَا هي؟» أي: أَمَانِعَتُنَا عن التوجُّه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ظنًا منه - صلى الله عليه وسلم - بأنها ما طافت طواف الإفاضة، وإنما قال ذلك؛ لأنه كان لا يتركها ويتوجَّه، ولا يأمرها بالتوجّه معه، وهي باقيةٌ على إحْرامها، فيحتاج إلى أنْ يُقيم حتى تطْهر وتطوف، وتحل الحِلَّ الثاني.
طواف الإفاضة يَحبس الحائض بمكة
وقال ابن بطال -رحمه الله-: في قوله: «أحَابِسَتُنَا هي؟» دليل أنَّ طواف الإفاضة يَحبس الحائض بمكة، لا تَبْرح حتّى تَطوف للإفاضة؛ لأنّه الطواف المُفْترض على كلّ مَنْ حج، وعلى هذا أئمة أهل العلم. وقال النووي -رحمه الله-: إذا حاضت المرأةُ قبل طواف الإفاضة، وأراد الحُجَّاج النَّفْر بعد قضاء مناسكهم، فالأَولى للمرأة أنْ تُقيم حتى تطهُر فتطوف، إلا أنْ يكون عليها ضرر ظاهر في هذا، فإن أرادت النَّفْر مع الناس قبل طواف الإفاضة جاز، وتبقى مُحْرِمَة حتى تعود إلى مكة، فتطوف متى ما كان، ولو طال سنين... وقال القاضي عياض -رحمه الله-: ويُستفاد من قوله: «أحَابِسَتُنَا هي؟» أنَّ الكَرِي (أي: المكاري) تُحبس عليها إذا لم تَطُف طواف الإفاضة، كما قال مالك، حتى تَطْهُر أو يمضي أيامها، أو أقصى ما يمسك النساء الدم والاسْتطهار، على اختلاف قوله في هذا الأصل.
قضاء الحائض للمناسك
وقال ابن تيمية -رحمه الله-: الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فإنها تجتهد ألا تطوف بالبيت إلا طاهرة، فإن عجزت عن ذلك ولم يمكنها التخلُّف عن الرَّكب حتّى تطهر وتطوف، فإنّها إذا طافت طواف الزيارة وهي حائض أجزأها في أحد قولي العلماء، ثم قال أبو حنيفة وغيره: يجزئها لو لم يكنْ لها عُذر، لكن أوجب عليها بَدَنة، وأما أحمد فأوجب على من ترك الطهارة ناسياً دماً، وهي شاة، وأما هذه العاجزة عن الطواف وهي طاهرة، فإن أخرجت دمًا فهو أحوط، وإلا فلا يتبين أن عليها شيئًا؛ فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: وهو قول قوي، ولا سيما لأهل أمريكا وأندونيسيا.
قوله: «فلتنفر»
قوله: «فلتنفر» أي: فلتُسْرع الخروج من مكة راجعة إلى المدينة؛ لتمام حجِّها، وعدم بقاء شيء عليها، وتخرج إلى المدينة من غير طواف الوداع، فإنه سقط لعذر الحيض، وقال ابن عبدالبر -رحمه الله-: إنْ كانت الحائض قد طافَت قبل أنْ تحيض، جاز لها بالسُّنة أن تخرج ولا تودِّع البيت، ورخص ذلك للحائض وحدها دون غيرها، وهذا كله أمر مجتمع عليه من فقهاء الأمصار، وجمهور العلماء عليه لا خلاف بينهم فيه، وقد كان ابن عمر -]- يفتي بأن الحائض لا تنفِر حتى تودِّع البيت، ثم رجع عنه. وقال الترمذي -رحمه الله-: والعمل على هذا عند أهل العلم: أنَّ المَرأة إذا طافت طَوافَ الزيارة، ثمّ حَاضت، فإنها تنفِر، وليس عليها شيءٌ، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. قال ابن المنذر: قال عامّة الفقهاء بالأمصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع، وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنّهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضًا لطواف الوداع، وكأنّهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة؛ إذْ لو حاضت قبله لم يسقط عنها. ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح: إلى نافع عن ابن عمر قال: «طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت، فأمَرَ عُمر بحبسها بمكة بعد أنْ ينفر الناس، حتى تطهر وتطوف بالبيت» قال: وقد ثَبتَ رُجُوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه؛ لثبوت حديث عائشة. يشير بذلك إلى ما تضمَّنته أحاديث هذا الباب.
أحكام الحديث وفوائده
  • أنَّ طوافَ الإفاضة لابدّ منه، ولا يسقط عن الحائض، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحابستنا هي؟ فقيل: إنها أفاضت».
  • وسقوط طواف الوداع عن الحائض.
  • أنَّ الحائض لا تدخل المسجد.
  • عدمُ وجُوب الدّم بتَرك طواف الوداع مِنَ الحَائض؛ حيثُ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمّا أُخبر بأنّها طافت للإفاضة، قال: «فانْفِري» مِنْ غير ذِكْر دمٍ ولا غيره.
  • وفيه: حُسن خُلقه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنّه كان سيمكث هناك لو لم تطف.
  • وفيه: فضيلة أمّ المؤمنين صفية -رضي الله عنها-.
  • وفيه: استفتاء بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعضهن، واطلاع بعضهن على أحوال بعض؛ وذلك من حسن المعاشرة.
  • قال المهلب: فيه شاهدٌ لتصديق النساء فيما يدَّعينه من الحَيض؛ لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أنْ يُؤخِّر السّفر، ويحبس من معه لأجل حيض صفية، ولمْ يَمتحنها في ذلك، ولا أكْذَبها.
  • وقال ابن المنير: لمّا رتَّب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على مُجرّد قول صفية: «إنّها حائض» تأخيره السفر، أخذ منه (البخاري) تعدّي الحُكم إلى الزوج، فتُصدَّق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج، وسُقوطها، وإلْحاق الحَمل به في العِدَّة، وكيف يراجع المرأة إذا طلقها واحدة أو ثنتين؟



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]