قناديل على الدرب – الجماعات الإسلامية- الصــوفيـة(4)
سلك غلاة التصوف طرائق عدة لإثبات صحة إفكهم وافتراءاتهم التي لا تنتهي، ومنه ما يسمى (بالعلم اللدني) نسبة إلى قوله تعالى عن الخضر -عليه السلام-: {ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ} (الكهف:65) أي انفتاح علم الغيب عليهم وسبيل ذلك الكشف والتجليات والاتصال مباشرة بالله ورسوله. وعلى الشاكلة نفسها (علم المكاشفة) كما قال فيه الغزالي: «أي يرتفع عنه الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور اتضاحًا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه». (إحياء علوم الدين)، وبالتالي فهذه العلوم لا تسطر في الكتب ولا يستطيع الوصول إليها إلا من أنعم الله عليه بالعلم اللدني أو علم المكاشفة.
لذلك تجد بعض الطرق الصوفية قد أصابها الفتور والكسل، وارتأت الخضوع للدعة والراحة في طلب العلم، فلمَ أتعب وأجتهد في طلب العلم طالما يعتمد على اختيار من الله وهبته لمن أراد؟ قال الشافعي: «أُسس التصوف على الكسل»، فكان مسلك هؤلاء الغلاة المتشددين من خلال أمور عدة منها:
- أولاً: التنفير من طلب العلم الشرعي: فقال سيد إحدى الطوائف (الجنيد): «أُحب للمبتدئ ألا يشغل قلبه بهذه الثلاث؛ وإلا تغير حاله: الكسب، وطلب العلم، والتزوج، وأحب للصوفي: ألا يقرأ ولا يكتب؛ لأنه أجمع لهمه» (قوت القلوب: 3/135).
- ثانيا: هدم إسناد الحديث، وتصحيح الأحاديث المنكرة والضعيفة والموضوعة بطريقة الكشف أو المكاشفة، وسبيلهم في ذلك أنهم يتصلون مع الله ورسوله عن طريق علم المكاشفة، فقال أبو يزيد البسطامي: «أخذتم علمكم ميتَا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. يقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي، وأنتم تقولون: حدثني فلان. وأين هو؟ قالوا: مات. عن فلان؟ وأين هو؟ قالوا: مات». (الكواكب الدرية صـ226).
- ثالثًا: جعلوا طلب العلم عورة، وسبيلاً للمعاصي والأخطاء: فقد نقل ابن الجوزي في (الميزان: 1/28) قائلاً: «إن شيخًا صوفيًا رأى مريدًا وبيده محبرة، فقال له: أخف سوأتك». بل إنهم يتوارثون بعض العبارات المنفرة خلفًا عن سلف مثل: «من كان شيخه الكتاب كان خطؤه أكثر من الصواب».
والرد على كل ذلك بأن من اعتقد أنه باستطاعته أن يكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما كان الخضر مع موسى –عليهما السلام – فهو كافر بإجماع علماء المسلمين؛ لأن موسى لم يكن مبعوثًا للخضر، ولم يكن الخضر مأمورًا باتباع موسى، فقد جعل الله لكل شرعةً ومنهاجًا، وقد تكرر هذا الأمر قبل البعثة النبوية لمعاصرة لوط لإبراهيم، ويحيى لعيسى– عليهم السلام– وأما ما يدعونه بما يسمى بالعلم اللدني أو حتى علم المكاشفة فهو من أباطيلهم، فقد أرسل الله -عز وجل- النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة، ولم يختص أحداً بعلمٍ من لدنه سبحانه وتعالى دون غيره، بل نحن مطالبون بالاجتهاد في طلب العلم أينما كان.
والله الموفق والمستعان.
اعداد: محمد الراشد