خلاف العلماء في حكم النية في الوضوء
يحيى بن إبراهيم الشيخي
ذهب الفقهاء في حكم النية في الوضوء إلى قولين:
القول الأول: قيل: النية سُنَّة في طهارة الوضوء والغسل، شرط في طهارة التيمُّم؛ وهو مذهب الحنفية[1].
القول الثاني: شرط لطهارة الحدث مطلقًا: الأصغر والأكبر، بالماء أو التيمم؛ وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو الراجح[2].
دليل القول الأول:
الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه وأصحابه دليلهم العقل؛ قالوا: إن الوضوء أو الغسل كليهما عبادة معقولة المعنى، وهو وسيلة وليس بغاية، والوسائل لا تُشترط لها النية، ولذلك قالوا: يصح الوضوء بدون نية.
أما دليل القول الثاني: الجمهور:
أولًا: الكتاب: فقوله تعالى: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 2]، وجه الدلالة: أن الوضوء عبادة وديانة، فلا يصح إلا بإخلاصه ونيته.
وكذلك قوله سبحانه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]، قالوا: الوضوء عبادة، والدليل على كونه عبادة: أنه غسل لأعضاء على صفة مخصوصة؛ ولذلك أمر بغسل بعض الأعضاء ومسح بعضها، ولو كان عبادة معقولة المعنى لَما تأتَّى فيه ذلك، فقالوا: إنه عبادة لا يُعقل معناها، فلا تصح بدون نية.
وأما دليل السُّنة: فحديث عمر في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))، ووجه الدلالة: أن الوضوء عمل، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صحة الأعمال موقوفة على النية، والوضوء عمل، فلا يصح إلا بنية.
وأما دليلهم من النظر الصحيح: قالوا: تجب النية في الوضوء كما تجب في التيمم، وتجب النية في الغسل كما تجب في التيمم، لجامعِ كون كلٍّ منهما طهارة من حدث.
والصحيح: مذهب الجمهور، أن الوضوء لا يصح إلا بالنية، وكذلك الغسل من الجنابة؛ لِما ذكرنا من دليل النقل والعقل[3].
[1] بدائع الصنائع: ج1، ص19، البناية في شرح الهداية، بدر الدين العيني: 1/234، كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الزيلعي، ج1، ص5، كتاب فتح القدير للكمال بن الهمام، ج1، ص32.
[2] كتاب الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي، ج1، ص95.
[3] كتاب شرح زاد المستقنع، الشنقيطي: ج12، ص3.