القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 45- قاعدة: الوكيل مؤتمن
نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية؛ ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.
الوكيل مؤتمن(1)، القاعدة موضع اتفاق بين العلماء بشرط ألا يكون الوكيل مفرطاً أو معتدياً(2)؛ لأن القيام بالحفظ من مستلزمات الوكالة، والوكيل يجب عليه حفظ ما وكل فيه.
فالوكالة في اللغة: يراد بها التفويض، ومعناها شرعاً: إقامة الشخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم. وكلمة تصرف تضبط بأنها كل تصرف جاز للشخص مباشرته بنفسه ولو من حيث المبدأ؛ فيجوز للوكيل التصرف فيه وذلك بالتفويض والتوكيل.
وقد شرعها الله – تعالى – لتحقق مصالح الناس وتخفيف الأعباء عليهم، فليس كل إنسان يستطيع أن يباشر جميع أموره بنفسه، فينيب آخرين في استيفاء ماله وما عليه.
ولطبيعة المعيشة الآن أضحت المؤسسات الخيرية حاجتها ماسة لكثير من الناس، فالمريض المقتدر أو الشيخ الكبير أو الرجل ذو وجاهة لا يستطيع في كثير من الأحيان أن يتولى الأمور الخيرية وتبرعاته بنفسه فيحتاج إلى توكيل غيره بتأديتها وإيصالها للمحتاجين.
ومن التطبيقات العلمية الخيرية والوقفية:
1- لا يجوز للمؤتمن على أموال الصدقات والزكوات أن يستعملها استعمالا خاصاً كأن يقترض لنفسه منها، أو ينتفع بالعين المتصدق بها، أو يعيرها لمن ينتفع بها.
2- ينبغي على من كلف بحفظ الأصول الوقفية من نظار ومتولين أن يعملوا بما يحقق مصلحة الوقف وديمومته للانتفاع منه لمدد طويلة.
3- على العاملين في المؤسسات الخيرية والذين وكلوا بحفظ الأموال وتوزيعها بالوجهة الشرعية الصحيحة، أن يعلموا بما يحفظ الأصول والتزام شرط المتصدق في الجهة التي يصرف فيها المال مع لزوم التقيد بما نص عليه الموكل في طريقة التوزيع.
4- ومن لم يثبت تفريطه أو اعتداؤه على المال الموكل به، لا يضمن ما تلف بيده منه، فالمؤتمن غير ضامن ما لم يفرط.
5- على الموكل بأموال الصدقات أن يكون ناصحاً أميناً لمن وكله، وبتصرفه بذلك المال، ويوجهه التوجيه الصحيح بما يضمن الأجر للمتصدق والنفع للمتصدق عليه.
6- يلزم العاملون في المؤسسات الخيرية، الذين وكلوا في توزيع الصدقات، أن يتقيدوا بالوجهة التي أرادها وحددها المتبرع لصرفها؛ لأن الوكيل مؤتمن على ما يقوم به، وهو نائب عن موكله، ويتصرف فيما أُذن له فيه فقط.
7- الوكيل المؤتمن مشارك في الأجر، لقوله صلى الله عليه وسلم : «إن الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ – وربما قال يعطي – ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين» (3).
8- والسفيه الذي لا يحسن التصرف بالمال لا يوكل في أموال الصدقات والتبرعات في المؤسسات الخيرية، فلا يوظف ولا يعمل في القطاع الخيري والوقفي إلا من حسنت ديانته وإدارته.
9- والوكالة بالتبرعات كما غيرها تخصص بتخصيص الموكل وتعمم بتعميمه وعند إطلاقها يقيدها العرف والعادة والقرينة.
10- وللوكيل أن يوكل غيره فيما يعجز هو عن القيام به أو إذا كان العمل غير لائق به.
الهوامش:
1- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، القاعدة الرابعة عشر، ص 256.
2- القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، د.محمد بكر إسماعيل، القاعدة الرابعة عشر، ص 257.
3- رواه مسلم من حديث أبي موسى – كتاب الزكاة – باب الخازن الأمين حديث رقم (2360) صحيح مسلم بشرح النووي 2/112. دار المعرفة بيروت ط1 (1414-1994م).
اعداد: عيسى القدومي