عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 25-09-2025, 03:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,416
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية



سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ


عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


الحديث 29: «أخبرني بعمل يدخلني الجنة...»


عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.


الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].


﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بعدُ:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.


عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: "لقد سألتني عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على مَنْ يَسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل من جوف الليل قال، ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كُفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أُمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"[1].


عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، اشتمل على جواب لسؤال عظيم عن الأعمال التي تُدخِل الجنة وتُبْعِد عن النار.


فما هي هذه الأعمال والفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- أهمية السؤال في تعلُّم أمور الدين والحرص على الأعمال الصالحة: لسؤال معاذ رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أخبرني بعمل يُدخِلني الجنة ويُباعِدني عن النار". فالسؤال طريق للعلم؛قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43]، وكثيرًا ما تجدون في القرآن:﴿ يَسْأَلُونَكَ، ويرشد الله نبيَّهصلى الله عليه وسلم للجواب. وفي السُّنَّة كثيرًا ما نجد أسئلة الصحابة أو الأعراب للنبيصلى الله عليه وسلم، فيجيبهم بما ينفعهم في أمور دينهم. وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: كيف أصبت هذا العلم؟ قال: "بلسان سؤول، وقلب عقول"[2]. فعلينا إحياء هذه السُّنَّة بسؤال العلماء عن أمور ديننا وعدم الخجل؛ حتى نتفقه في ديننا، شريطة التزام الأدب في ذلك، وسؤال سؤال الجاهل الذي يريد أن يعرف، وعدم السؤال لأجل تتَبُّع الرُّخَص.


2- أهمية الجواب على أسئلة الناس وإضافة ما ينتفعون به من غير أن يسألوه والتدرُّج في تعليمهم: فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب معاذًا، بل أضاف أسئلةً أخرى لم يطلبها وأجاب عنها، حتى يفيده ويستفيد غيره، فقال: "ألا أدلُّك على أبواب الخير؟"، وقال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه"، وقال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟"، ثم تدرَّج معه في الجواب، فبدأ بالفرائض والأصول والقواعد، ثم النوافل؛ فعلى العلماء والدُّعاة إلى الله الاستفادة من المنهج النبوي في طرح أسئلة على المستمعين، بهدف التشويق وتحفيز ذاكرتهم، وإضافة ما لا يتضمنه السؤال، إذا كان فيه فائدة للسائل وغيره.


3- الأعمال الصالحة وأبواب الخير التي تدخل الجنة وتبعد من النار: منها: الحفاظ على أركان الإسلام الخمسة: وحدَّدها النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه قائلًا: "تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". وقد سبق الحديث عنها في الحديث الثالث من الأربعين (بُني الإسلام على خمس). وتم إعادة ذكر رأس الأمر وهو الإسلام، ويقصد به الشهادتين؛ لأنها بمنزلة الرأس من الجسد بالنسبة للدين، وكما أنه لا بقاء للجسد من دون رأس، فكذلك لا بقاء للدين من دون شهادتين. كما تم ذكر عمود الدين وهو الصلاة تشبيهًا لها بعمود الفسطاط (خيمة كبيرة)، فالدين لا يقوم بدون صلاة، وهذا التكرار لأجل التأكيد على منزلة الشهادتين، والصلاة ضمن أركان الإسلام.


ومنها: الحفاظ على النوافل والمستحبات: والمعبر عنها في الحديث بأبواب الخير، وحددها النبي صلى الله عليه وسلم في جوابه قائلًا: "الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ [السجدة: 16]، حتى بلغ ﴿ يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]". والصوم هناك صوم غير رمضان المفروض؛ كصيام الاثنين والخميس، وعاشوراء، وعرفة، وثلاثة أيام من كل شهر، وستة أيام من شوال وغيرها، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فائدته في كونه جُنَّة- أي: وقاية لصاحبه من المعاصي والنار وغيرها- كالفوائد الصحية للصيام.


والصدقة هناك صدقة غير الزكاة المفروضة؛ كالتصدُّق على المساكين، وسقي الماء، وغيرهما من أنواع الصدقات التطوعيَّة، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فائدتها في كونها تطفئ خطايانا كما يطفئ الماءُ النارَ.


وقيام الليل من النوافل التي أجْرُها عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل، فإنه دَأْبُ الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد"[3].


فاللهم اجعلنا من المحافظين على حدودك، القائمين بفرائضك، المتطوعين بنوافل الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله عليه وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
ومن الأعمال الصالحة وأبواب الخير التي تُدخِل الجنة وتُبعِد من النار؛ إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام: وشبه بسنام الجمل، وهو أعلى شيء فيه، فكذلك أعلى ما في الدين هو الجهاد؛ لأن به تعلو راية الدين على سائر الأديان، وبه يُعَزُّ الإسلام والمسلمون، ويُذَلُّ الشرك والمشركون؛ ولذلك حينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيله"[4]. وما لحق المسلمين اليوم من الذل والهوان واستباحة بيضتهم من الأعداء، ما هو إلا بسبب تركهم للجهاد، وترك الأخذ بأسباب الإعداد والقوة في شتى الميادين، فأصبحوا يشترون أسلحتهم من أعدائهم. فأيُّ عِزٍّ يُرجى لمن يعتمد على عدوِّه في سلاحه؟ وهل عدوُّك سيبيع لك ما يجعلك تتفوَّق عليه؟ وقد يشترط عليك أن يتوجه هذا السلاح لمقاتلة إخوانك في الدين حتى يضمن تفرُّق كلمة المسلمين وتناحرهم فيما بينهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.


ومنها: كف شر اللسان عن الناس: قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: كُفَّ عليك هذا، فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم". قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وقال:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور: 24]. فسلامةُ الناس من شرِّ لسانك دليلُ الإسلام؛ قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده"[5]، فالسلامة والنجاة في ضبط اللسان، فمن ضبط لسانه ملك زمام أمره، واللسان عضلة صغيرة كثيرة الكلام، به تزرع الخير أو الشر، والحصاد يكون في الدنيا والآخرة. وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بلسانه ويقول: "قل خيرًا تغنم أو اسكت عن شرٍّ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم"[6].


ورحمة الله على الشافعي إذ يقول:
إذا رمت أن تحيا سليمًا من الردى
ودينك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة امرئ
فكُلُّك عورات وللناس ألْسُنُ
وعيناك إن أبدت إليك معايبًا
فَدَعْها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
ودافع ولكن بالتي هي أحسن



فاللهم احفظ ألسنتنا من السوء، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه الترمذي، رقم: 2616. وقال: حديث حسن صحيح. وانظر: صحيح الجامع، رقم: 5136.

[2] فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، رقم: 1903.

[3] صحيح الجامع، رقم: 4079.

[4] رواه البخاري، رقم: 2518.

[5] رواه البخاري، رقم: 10.

[6] الصمت وآداب اللسان، ابن أبي الدنيا، رقم: 439. وحلية الأولياء، لأبي نعيم، رقم: 1 /327.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]