
25-09-2025, 04:17 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,490
الدولة :
|
|
رد: خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية
خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)
يحيى سليمان العقيلي
معاشر المؤمنين:
تحدثنا في الخطبة الماضية عن فتنة المسيح الدجال، واستعرضنا أحاديثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم التي وصفه فيها وصفًا دقيقًا، وأبان صورَ الفتن التي يأتي بها، ومدة مُكثه في الأرض، وكيف ستنتهي فتنته بنزول المسيح عليه السلام، وربما تساءل البعض عما يُستفاد من هذا الموضوع في واقعنا اليوم.
نقول، وبالله التوفيق: إن أول الدروس المستفادة - عباد الله - هو أهمية ترسيخ الإيمان بالله تعالى، وتقويته في قلب المؤمن، فهو قاعدة النجاة من الفتن؛ الإيمان الصادق واليقين الجازم؛ كما وصف ربنا عباده فقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15].
ثم تتجلى أهمية اتباع الهديِ النبوي تجاه الفتن بأن يتجنَّبها المرء، فلا يلِج أبوابها، ولا يخوض في مواطنها، ركونًا إلى إيمانه وعلمه؛ فالمؤمن لا يأمن الفتنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتنٌ، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من يشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأً أو معاذًا، فلْيَعُذْ به))؛ [متفق عليه].
هذا هو الهديُ النبوي - عباد الله - تجاه الفتن عامة؛ اجتنابها وعدم التعرض لأبوابها ومداخلها، لا سيما ما نراه اليوم لدى كثير من الناس، من غلبة الفضول والتتبع للغرائب والأسرار والفضائح، ومواطن الفتنة، وغيرها مما يحسُن تجنبه.
ومن الدروس المستفادة - عباد الله - عدم الاغترار بالمظاهر الزائفة، والأشكال المبهرة، وزخارف القول غرورًا، وكما نلحظ في واقعنا اليوم، كثر الزيف وانبهار الناس بالمظاهر، فسادَتِ الإشاعات، وكثُر الكذب والتدليس، والتبس الحقُّ بالباطل، لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ [الأنعام: 112].
كما تواجه أمتنا اليوم أصنافًا من الدَّجل؛ دجل قيميٍّ، ودجل ثقافي، ودجل إعلامي، ودجل سياسي، وأي دجل أسوأ من الدجل الغربي تجاه الإسلام والمسلمين والعرب، كما كشفته غزة الفاضحة والكاشفة، من نفاق غربي تجاه الصهاينة وممالأة وتبرير لعدوانهم؟
فالمسلم - عباد الله - لا ينقاد إلا لكتاب الله وهديِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الحق الذي هو أحقُّ أن يُتبع، ومنه يستمد تصوراته ومواقفه تجاه الأحداث.
معاشر المؤمنين:
إن ما يحدث من اضطهاد الشعوب المسلمة اليوم لَهُوَ خير شاهد على الدجل العالمي تجاه قضايا الأمة، فلا مصداقية ولا عدالة، ولا حقوق إنسان، أو حقوق شعوب تُحترم، بل أفعال تخالف الأقوال، لا سيما في قضية غزة وفلسطين ومقدسات المسلمين، فقد كشفت غزة النفاقَ الغربيَّ، والعجز الأممي، والتخاذل الدولي.
كما أن في فتنة الدجال - عباد الله - درسًا بليغًا؛ وهو أن عداوة اليهود لهذه الأمة مستمرة إلى آخر الزمان، وذلك ليعلم دعاة التطبيع زيفَ ما يدعون إليه؛ أمام قول الحق جل وعلا: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82]، وأن العلاقة التي كتبها الله تعالى لنا معهم، وبيَّنها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الجهاد والمواجهة، جهاد سيحرر الأقصى، وجهاد سيهلك الدجال وأتباعه بموعود الصادق المصدوق، فمن دعا أو قبِل أو رضيَ بغير ذلك، فهو مكذِّب بكتاب الله تعالى، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن الدروس - عباد الله - أن العلم خير وقاية من الفتن، به يُهدى المرء للحق والرشد، ويأمن الزَّلل والخلل؛ قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].
وقانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية معاشر المؤمنين:
لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم ببيان أوجه فتنة الدجال ومدة مكثه في الأرض، بل أرشدنا لسُبل الوقاية من فتنته، والأمن من شره؛ وأولها التمسك بالإسلام، والتسلُّح بسلاح الإيمان، ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، فيعلم المؤمن المُوقن سليم العقيدة أن الدجال بشَر، فيه أحطُّ صفات البشر، والله تعالى منزَّه عن ذلك كله، وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وللوقاية من هذه الفتنة العظيمة كان خير الورى صلى الله عليه وسلم يستعيذ منها، وأمر بالمواظبة على هذا الدعاء بعد التشهد في الصلاة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا تشهد أحدكم، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال))؛ [رواه مسلم].
ومن سبل الوقاية من فتنة الدجال حفظ عشر الآيات الأولى من سورة الكهف؛ روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حفِظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصم من الدجال))؛ قال الإمام النووي: "سبب ذلك ما في أولها من العجائب والآيات، فمن تدبرها لم يُفتن بالدجال".
ومنها المبادرة للعمل الصالح والاشتغال بالطاعة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غِنًى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفنِّدًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ))؛ [رواه مسلم].
ذلك ما أوصانا به نبينا صلى الله عليه وسلم عباد الله، للوقاية من فتنة المسيح الدجال؛ حرصًا منه وشفقة على أمته؛ وصدق الله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|