
25-09-2025, 03:29 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,616
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
الحديث 35: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا...»
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبةالأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه» [1].
عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وعظيم النفع، حثَّ على الأخوة الإيمانية وحذر من كل ما يناقضها؛ كالحسد والخداع والتباغض والتدابر والاحتقار وغيرها، وحرم دم المسلم وماله وعرضه.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- الحث على الأخوة الإيمانية:لقوله صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم». وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]. فالرباط الذي يجمع المؤمنين رغم اختلاف أوطانهم ولغاتهم وألوانهم وأعراقهم وأجناسهم وقبائلهم، هو رباط العقيدة والإيمان، وهي أقوى الروابط كلها وتقدم عليها عند التعارض. كما تبرَّأ إبراهيم عليه السلام من أبيه لما كفر، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: 114]. وعجيب أن نرى في واقعنا غياب اللحمة والتعاون والتآزر والتآخي بين المسلمين؛ بل أصبحت العصبية لروابط أخرى؛ كاللون واللغة والقبلية والوطن، وتهميش الرابطة الدينية. وما ذاك إلا لعدم الأخذ بأسباب تقوية هذه الرابطة والقيام بحقوقها، وهو موضوع الفائدة الثانية.
2- حقوق الأخوة الإيمانية والأخذ بأسباب تنميتها:ومما ذكر في الحديث من الحقوق والأسباب ما يلي:
تجنب الحسد:لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا». فحينما تتمنَّى زوال النعمة التي أنعم الله بها على أخيك، حسدًا من عند نفسك، وتكون هذه النعمة إليك أو إلى غيرك، فأنت بهذا تعترض على قسمة الله، وتقضي على الرابطة الإيمانية بينك وبينه.
وتأملوا- إخواني- حسد إخوة يوسف عليه السلام له وما آل إليه أمرهم، كما قصَّ الله علينا في سورة يوسف. وتأملوا الحسد الذي أدى إلى قتل قابيل لهابيل ابني آدم عليه السلام، قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾ [المائدة: 27]. فاجتهدوا في أن تحبوا لإخوانكم مثل ما تحبون لأنفسكم تجلبوا المودة والمحبة بينكم.
تجنب النجش: لقولهصلى الله عليه وسلم: «ولا تناجشوا». والنجش هو الذي يمكر ويحتال ويخادع أخاه عمومًا وفي البيع خصوصًا. وعند الفقهاء هو الذي يزيد في السعر رغم أنه لا نية له في شراء السلعة، فيتضرر المشتري بذلك؛ لأنه اشترى بغير الثمن الحقيقي. فعلينا التزام الصفاء والوضوح في معاملاتنا، وألا نغش إخواننا أو نأكل أموالهم بالباطل.
تجنب التباغض: لقولهصلى الله عليه وسلم: «ولا تباغضوا». فكل ما ينشر التباغض بين المسلمين وجب تركه، فالغيبة والنميمة والظلم والغش والخداع والتجسس وغيرها تنشر الحقد بين المسلمين. وبالمقابل، كل ما ينشر المحبة والأُلْفة بينهم؛ كالإصلاح بين المتخاصمين والهدية وإفشاء السلام وجب القيام به. والأدلة على ما ذكرنا معلومة.
تجنب التدابر: لقولهصلى الله عليه وسلم: «ولا تدابروا». فإذا تحدثت مع شخص وأهملتما الثالث وهو معكما، فإن هذا نوع من التدابر، والذي يهجر أخاه ولا يكلمه نوع من التدابر، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا، ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» [2].
تجنب البيع على بيع أخيك المؤمن: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يبِعْ بعضُكم على بيع بعض». فإذا عرفت أن أخيك المسلم مثلًا باع شيئًا بثمن محدد للمشتري، ثم تقول للبائع: أنا أزيدك فافسخ البيع معه؛ فهذا نوع من الإيذاء لأخيك المشتري. أو تقول للمشتري: ثمن ما اشتريت مرتفع فافسخ العقد وأنا أبيعك بثمن أقل. وهذا كله من صور الضرر التي لا تجوز.
تجنب ظلم أخيك المسلم: لقولهصلى الله عليه وسلم: «لا يظلمه». فالظلم يجعل المظلوم يحس بالاحتقار؛ مما يفتح الباب للحقد على الظالم والدعاء عليه، ودعاء المظلوم مستجاب.
تجنب خذلان أخيك المسلم: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا يخذله». فإذا احتاج أخوك المسلم إلى نصرته فلا تخذله، فنكوص الأمة عن نصرة إخوانهم في فلسطين نوع من الخذلان، وأي خذلان! والذي ينتظر أن تؤدي الشهادة بصدق ثم تشهد الزور في حقه نوع من الخذلان، والعياذ بالله.
تجنب احتقار أخيك المسلم: فالاستهزاء وعيب أخيك المسلم في خلقته مثلًا أو احتقار نسبه أو قبيلته، فتح لباب العصبية والشر؛ ولذلك قالصلى الله عليه وسلم: «ولا يحقره، التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم».
فاللهم بصِّرنا بحقوق إخواننا، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى.
أما بعد:
من المستفادات كذلك من قولهصلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه» ما يلي:
تجنب الاعتداء على نفسه: فلا يحل قتل المسلم بغير وجه حق؛ لأن حفظ الأنفس من الكليات الشرعية التي أمرنا بالحفاظ عليها، ضمانًا لحقها في الحياة. كما يحرم الاعتداء عليه بالضرب أو التعذيب أو الترويع أو التخويف. وشرع الإسلام القصاص لضمان هذا الحق، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179].
تجنب الاعتداء على ماله: فلا يحل الاعتداء على أمواله بالسرقة والنهب، أو أكل أمواله بالباطل عن طريق الغش، أو الرشوة، أو الربا، وغيرها من الطرق المحرمة. وحفظ المال من الكليات الشرعية التي أمرنا بالحفاظ عليها، بعدم ضياعه وتبذيره فيما لا ينفع، وبذله في الوجوه المشروعة. ولأجل الحفاظ على المال شرع الإسلام حَدَّ السرقة، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: 38].
تجنب الاعتداء على عرضه: فلا يحل الاعتداء والطعن في شرف المسلم وسمعته وكرامته؛ كأن تقذف وتتهم المؤمنة بالزنا دون بيِّنة؛ ولذلك شرع الإسلام حَدَّ القذف لصيانة الأعراض، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4]. والغيبة والنميمة وسوء الظن نوع من الاعتداء على عرض أخيك المسلم. فأحسنوا الظن بإخوانكم، ولتسلم ألسنتكم من لحومهم.
عباد الله،إن اجتناب ما سبق ذكره في هذه الخطبة من حسد ونجش وتباغض وتدابر وبيع على بيع أخيك، وتجنب ظلمه وخذلانه واحتقاره، وتجنب الاعتداء على دمه وماله وعرضه، كما أخبر الصادقصلى الله عليه وسلم، لهو كفيل ببناء الأخوة الإيمانية وبناء مجتمع متراحم متعاون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
فاللهم اجعلنا إخوةً متحابِّين، وجنِّبْنا أسباب الشقاق والنفور. آمين. (تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، رقم: 2564.
[2] رواه البخاري، رقم: 6237.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|