عرض مشاركة واحدة
  #109  
قديم 25-09-2025, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

رسالة إلى خطيب

الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:
فإنَّ الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال، وكيف لا تكون كذلك وهي رسالة الرسل والأنبياء، وطريق المصلحين والعلماء، لا يقوم الدين إلا بها، ولا ينتشر إلا عن طريقها.

الداعي إلى الله قائل بأحسن قول:
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].

ولقد بشر الله الدعاة إلى الله بالفلاح في الدنيا والآخرة:
فقال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:104].

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة لعباد الله المؤمنين:
قال سبحانه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 71].

وحسبك أخي الداعية أنَّ المخلوقات تدعو لك بظهر الغيب:
فقد روى الترمذي بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وملائكته، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على مُعَلِّمِ الناس الخير ).

أخي - خطيب الجمعة - إن خطبة الجمعة لها أهمية كبرى بين وسائل الدعوة المتاحة للدعاة، فقد يتكاسل الناس عن المحاضرة، وقد يتخلفون عن الدرس، لكنهم لا يتخلفون عن الجمعة إلا الذين لا يصلون أصلًا، لأن المسلمين مأمورون جميعًا بحضور الجمعة. قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9].

ولذا فقد تجد أمامك جمعًا غفيرًا من المسلمين، وربما تجد من بينهم من لا يدخل المسجد إلا يوم الجمعة، وستجد فيهم الصالح والطالح، والـمفرط والمحافظ، والمتواضع والمتكبر، والمتقبل والمعاند.

بل ستجد منهم المتعلم والأمي، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، وغير ذلك من فئات المجتمع، فكيف تخاطب هؤلاء جمعيًا بالأسلوب المناسب، وكيف تستغل هذا الموقف للأخذ بأيدي هؤلاء جمعيًا إلى طريق الله عز وجل.

فبات من الواجب عليك - أخي الخطيب - أن تتعلم فنَّ الدعوة؛ لتقدم تعاليم الإسلام في أبهى منظر، وأجمل حُلة.

أسباب نجاح الخطبة:
1- التكلم باللغة العربية الفصحى:
ينبغي على الخطيب أن يحرص على أن يلقي خطبته بالفصحى قدر جهده، لأنها لغة القرآن، وشعار الإسلام.

والحديث بالفصحى يضفي على خطبتك إشراقًا، وعلى كلماتك نورًا، وفي نفوس مستمعيك قبولًا.

2- التوسط في الإلقاء:
بحيث لا يكون كلامك سريعًا فلا يُفهم، ولا بطيئًا فيمله السامعون، ولتعط لكل موقف ما يلزمه، فإذا احتاج إلى انفعال أسرعت، وإن احتاج إلى إقناع أبطأت.

3- الاقتصاد في الخطبة:
فلا تكون طويلة مملة، ولا قصيرة مخلة، ولا تكون متشعبة الأفكار، كثيرة الشواهد، ركيكة المعاني، بل موجزة متقصده، وتلك هي السنة، فقد قال سيد الخطباء صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ قصر خطبة الرجل، وطول صلاته؛ مَئِنَّة من فقهه ) رواه مسلم؛ لأن القصر والإيجاز وإيصال المعنى من أقرب طريق؛ دليل على الفصاحة والعلم والفقه.

4- ربط الخطبة بالواقع:
عليك أن تتحسس مشاكل مدينتك وتعالجها من فوق أعواد منبرك، تعايش الناس وتترك المنبر يجيب على تساؤلاتهم، فحينما تكون خطبتك منتزعة من الواقع تكون أقرب إلى قلوبهم وأوقع في نفوسهم.

5- المخاطبة على قدر الفهم:
فلا تخاطب العوام بمنطق علمي مرتفع، ولا المتعلمين المثقفين بمنطق بدائي ممجوج، بل تخاطب الناس على قدر عقولهم وعلومهم.

6- الترفع عن الغلظة في القول والبذاءة في اللسان:
فلا تحقر مستمعيك، ولا تقلل من شأنهم، ولا ترميهم بالجهل وقلة الفهم، ولا تقذفهم بالفسق والفجور، أو غير ذلك مما لا يليق بمكانة الداعية - حتى لو كانوا كذلك - بل تتلطف بهم في الحديث، وترفق بهم في القول.

قال تعالى مبينًا سبب اجتماع الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران 159].

وقال تعالى مرشدًا للطريقة المثلى في الدعوة: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125].

7- استثارة همم المدعوين بما يفتح قلوبهم:
كأن تخاطبهم بـ ( يا أخوة الإسلام )، ( يا أيها المؤمنون )، ( يا من آمنتم بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا، وبالإسلام دينًا )، وما شابه ذلك مما يفتح قلوبهم، ويقرب نفوسهم، فإن المحبة مفتاح القلوب.

فهذا إبراهيم عليه السلام يذكِّر أباه برابطة الأبوة أثناء دعوته، فيقول: ﴿ يَاأَبَتِ …. ﴾ [مريم: 42]، ويكررها كثيرًا.

وهذا لقمان يذكَّر ابنه برابطة البنوة ليكون أدعى لقبول الموعظة، فيقول: ﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ….. ﴾ [لقمان: 13].

وهذا هود يذكَّر قومه برابطة القرابة فيقول: ﴿ يَاقَوْمِ …. ﴾ [هود: 50].

وربنا تبارك وتعالى يذكَّر المؤمنين يإيمانهم؛ ليردهم وازع الإيمان إلى الاستجابة والطاعة، فيقول سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البقرة: 153].

8- الابتعاد عن الحركات الكثيرة:
ينبغي أن تتسم بالاتزان أثناء الإلقاء، فلا تتحرك، أو تشير إلا في الموقف الذي يدعو إلى ذلك، وعليك بتجنب الحركات التي تسقط هيبتك من أعين الناس: مثل كثرة بلع الريق، وفتل الأصابع، والسعال المتكلف، وكثرة الالتفات، وما شابهها.

9- حسن المظهر:
ينبغي أن تصعد المنبر بالمظهر اللائق بالداعية، فلا تلبس ثيابًا رثة، أو ممزقة، ولا تلبس ثياب المترفين الرقيقة الشفافة.

فعليك أن تكون نظيف الثياب من غير تبرج، طيب الرائحة من غير إسراف، مهيب المنظر من غير تكلف.

10- التحضير الجيد للخطبة:
لا تصعد المنبر إلا وقد حددت موضوعك، ورتبت أفكارك وانتقيت ألفاظك، حتى لا ترتج عليك العبارات، وتستعجم عليك الكلمات، فلا تتمكن من تبليغ دعوة مولاك.

ولا بأس بأن تستمع إلى أشرطة الخطباء المشهورين، والوعاظ المبرزين لتتدرب على طرق الإلقاء، ووسائل التأثير، وأساليب الإقناع.

11- ألا تصعد المنبر وأنت ممتلئ المعدة:
لأنه إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وكسلت الأعضاء عن العبادة.

وقال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم، وصفا ورق، وإنَّ كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد.

وقال الشافعي: الشِّبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.

تلكم هي أسباب نجاح الخطبة، فاحرصوا عليها إخواني الخطباء، وكونوا منها على ذكر دائمًا، وأسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]