خواطر الكلمة الطيبة .. دعاء عظيم وأثرٌ مبارك
- هذا الدعاء شاهد على عمق إيمان الصحابة، وبصيرة يقينهم؛ فهو يجمع بين التسليم للقضاء والقدر، وبين اجتهاد العبد في دعاء ربه طلبًا لعفوه ورحمته
الدعاء سرّ العبودية ولبّها، به ينكسر العبد بين يدي مولاه، وبسبيله يتقرب من الرحمن فيمتثل لأمره وينال وعده: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر:60). هو همس الروح وسلاح المؤمن، وهو رابطة الوصال بين الأرض والسماء.
وقد علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أجمل صيغ الدعاء وأكملها، فجاءت ألفاظه جامعة مانعة، تحمل بين طياتها رجاء الخير، وطلب المغفرة، والتماس الثبات، فهو ميراث النبوة الذي يهتدي به المؤمن في مسالك الحياة. مناجاة الفاروق - رضي الله عنه -
وما أجمل ما حُفظ من مناجاة الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو يطوف بالكعبة متضرعًا: «اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليّ الذنب والشقوة فامحُني، وأثبتني في أهل السعادة؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب». الخوف والرجاء
إنها كلمات تفيض يقينًا وشعورًا عميقًا بقدر الله -تعالى-، وتكشف أثر الخوف والرجاء في قلب رجل ملأ الدنيا عدلًا وإيمانًا، لقد كان عمر - رضي الله عنه - على عظم شأنه، لا يأمن مكر الله، وإنما يلوذ بدعاء صادق يرجو به الثبات، ويستعيذ به من خاتمة السوء، مستمسكًا بقول الله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (آل عمران: 8). إقرار بقدرة الله -تعالى-
في دعائه - رضي الله عنه - إقرار بأن السعادة لا تنال إلا بتوفيق الله -تعالى-، وأن الهداية لا تكمل إلا بالثبات، وفيه رجاء صادق أن يُمحى ما كُتب من ذنب أو شقاء؛ إذ يعلم أن الله -تعالى- بفضله يبدّل ويغير، وأن أبواب رحمته -سبحانه- مشرعة للتائبين ما داموا أحياء، وكيف لا؟ وهو القائل -جل وعلا-: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (الرعد: 39). عمق إيمان الصحابة
هذا الدعاء شاهد على عمق إيمان الصحابة، وقوة يقينهم بالله؛ فهو يجمع بين التسليم بالقضاء والقدر، وبين اجتهاد العبد في دعاء ربه طلبًا لعفوه ورحمته، فالدعاء لا يرد القدر المحتوم، ولكنه يغيّر القدر المعلق كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرد القضاء إلا الدعاء» (رواه الترمذي). خلاصة القول
دعاء عمر - رضي الله عنه - صورة حيّة للتوحيد الخالص والافتقار إلى الله -تعالى-، يعلّمنا أن نجتهد في الطاعة ونكثر من الدعاء، نرجو رحمة الله ونخشى سوء الخاتمة. إنه يذكّر القلوب بأن السعادة الحقة لا تثبت إلا بفضل الله، وبأن أبواب الدعاء مفتوحة لكل خائف وطامع، حتى يحيا المؤمن بين جناحي الرجاء والخوف، مستمطرًا رحمة ربه الذي بيده المحو والإثبات.
اعداد: د. خالد سلطان السلطان