عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28-09-2025, 04:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,298
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الاول
صـــ 171 الى صـــ 180
(18)



وما لا يصلح للصلاة فمباشرته مفسدة للصلاة، ألا ترى أن الأكل والشرب مبطل للصلاة ناسيا أو عامدا لهذا، والخروج في الاعتكاف كذلك، والجماع في الإحرام كذلك، ولهذا لو طال الكلام كان مفسدا، ولو كان النسيان فيه عذرا لاستوى فيه أن يطول أو يقصر كالأكل في الصوم. والقياس في السلام أنه مفسد، وإن كان ناسيا ولكن استحسنا ما فيه لمعنى لا يوجد ذلك في الكلام، وهو أن السلام من جنس أركان الصلاة، فإن المتشهد يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى عباد الله الصالحين وهو اسم من أسماء الله تعالى، وإنما أخذ حكم الكلام لكاف الخطاب، وإنما يتحقق معنى الخطاب فيه عند القصد، وإذا كان ناسيا شبهناه بالأذكار، وإذا كان عالما شبهناه بالكلام، فأما الكلام فهو ليس من أذكار الصلاة فكان منافيا للصلاة على كل حال، والخطأ والنسيان عذر في رفع الإصر وعليه تحمل الآية والخبر، فأما حديث ذي اليدين فقد كان في وقت كان الكلام فيه مباحا في الصلاة ثم انتسخ الكلام في الصلاة، ألا ترى أن ذا اليدين كان عامدا بالكلام، وكذلك أبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنه - ولم يأمرهم بالاستقبال (فإن قيل كيف يستقيم هذا وإسلام أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بعد فتح خيبر وقد قال: صلى بنا، وحرمة الكلام في الصلاة كانت ثابتة حين جاء من الحبشة، وذلك في أول الهجرة (قلنا معنى قوله: بنا بأصحابنا ولا وجه للحديث إلا هذا؛ لأن ذا اليدين قتل ببدر واسمه مشهور في شهداء بدر وذلك قبل خيبر بزمان طويل.
قال: (وإن قهقه في صلاة استقبل الصلاة والوضوء عندنا ناسيا كان أو عامدا) ؛ لأن القهقهة أفحش من الكلام عند المناجاة، ولهذا جعلت ناقضة للوضوء ثم سوى بين النسيان والعمد وفي القهقهة أولى والبناء لأجل البلوى وذلك لا يتحقق في القهقهة، وإن قهقه بعد ما قعد قدر التشهد قبل أن يسلم لم تفسد صلاته كما لو تكلم في هذه الحالة؛ لأنه لم يبق عليه شيء من أركان الصلاة، ولكن
يلزمه الوضوء لصلاة أخرى عندنا ولا يلزمه عند زفر - رحمه الله تعالى - قال: القهقهة عرفناها حدثا بالنص بخلاف القياس والنص ورد بإعادة الصلاة والوضوء بالقهقهة، فكل قهقهة توجب إعادة الصلاة توجب الوضوء وما لا يوجب مراعاة الصلاة لا يوجب الوضوء؛ لأنه ليس في معنى المنصوص من كل وجه.
(ولنا) أن الضحك صادف حرمة الصلاة لبقائها ما لم يسلم حتى لو نوى المسافر الإقامة في هذه الحالة لزمه الإتمام، وبالنص صار الضحك حدثا لمصادفته حرمة الصلاة، فإن الجناية تفحش بالقهقهة في حالة المناجاة، وذلك باق ببقاء التحريمة فألزمناه الوضوء لهذا، فأما إعادة الصلاة فلبقاء البناء عليه وعجزه عنه بالقهقهة لفساد ذلك الجزء، ولم يبق عليه البناء هنا فلم تلزمه الإعادة لهذا
وكذلك لو قهقه في سجدتي السهو؛ لأن العود إليهما يرفع السلام دون القعدة، فكأنه قهقه بعد القعدة قبل السلام إلا في رواية شاذة عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن العود إلى سجود السهو يرفع القعدة كالعود إلى سجدة التلاوة، فعلى تلك الرواية تلزمه إعادة الصلاة.
قال: (وإن قهقه الإمام والقوم جميعا، فإن كان الإمام سبق بها فعليه إعادة الوضوء وليس ذلك على القوم) ؛ لأنهم صاروا خارجين من الصلاة بخروج الإمام منها فضحكهم لم يصادف حرمة الصلاة
(وإن قهقه القوم أولا ثم الإمام فعلى الكل إعادة الوضوء)؛ لأن قهقهة القوم صادفت حرمة الصلاة وكذلك قهقهة الإمام؛ لأنه لا يصير خارجا منها بخروج القوم، وإن ضحكوا معا فكذلك؛ لأن ضحك القوم لما اقترن بضحك الإمام كان مصادفا حرمة الصلاة في حقهم، فإن خروجهم من حكم خروج الإمام فيعقبه ولا يقترن به.
قال: (إمام أحدث فقدم رجلا قد فاتته ركعة فعليه أن يصلي بهم بقية صلاة الإمام) والأولى للإمام أن يقدم مدركا لا مسبوقا؛ لأن المدرك أقدر على إتمام صلاته من المسبوق، وقال - صلى الله عليه وسلم: «من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين» ولكن مع هذا المسبوق شريكه في التحريمة وصحة الاستخلاف بوجود المشاركة في التحريمة والحاجة إلى إصلاح صلاته، فجاز تقديمه وقام مقام الأول فيتم ما بقي على الأول، فإذا انتهى إلى موضع السلام تأخر وقدم رجلا من المدركين ليسلم بهم؛ لأنه عاجز عن السلام لبقاء ركعة عليه فيستعين بمن يقدر عليه، فإن إتمامه بعد سلام الإمام، فلهذا قدم مدركا ليسلم بهم ثم يقوم فيقضي ما بقي عليه من صلاته.
قال: (فإن توضأ الأول وصلى في بيته ما بقي من صلاته
فإن كان صلى بعد فراغ الإمام الثاني من بقية صلاته فصلاته تامة)؛ لأن الإمامة تحولت إلى الثاني، وصار الأول كواحد من المقتدين به، وقد بينا أن المقتدي إذا أتم بقية صلاته في بيته بعد فراغ الإمام جاز، ولو صلى قبل أن يفرغ الإمام الثاني فصلاته فاسدة كغيره من المقتدين إذا سبقه الحدث.
قال: (فإن قعد الإمام الثاني في الرابعة قدر التشهد ثم قهقه فعليه إعادة الوضوء والصلاة) ؛ لأنه قد بقي عليه ركعة فضحكه حصل في خلال الصلاة في حقه، وصلاة القوم تامة لأنه لم يبق عليهم البناء، وروي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه قال: صلاة القوم فاسدة لفساد ما مضى، ولو ضحكوا بأنفسهم في هذه الحالة كانت صلاتهم تامة، فضحك الإمام في حقهم لا يكون أكثر تأثيرا من ضحكهم، فأما الإمام الأول، فإن كان قد فرغ من صلاته خلف الإمام الثاني مع القوم فصلاته تامة كغيره من المدركين، وإن كان في بيته لم يدخل مع الإمام الثاني في الصلاة فصلاته فاسدة، وفي رواية أبي حفص - رحمه الله تعالى - قال: صلاته تامة. وجه هذه الرواية أنه مدرك لأول صلاته فيكون كالفارغ بقعدة الإمام قدر التشهد والرواية الأولى أصح وأشبه بالصواب؛ لأنه قد بقي عليه البناء وضحك الإمام في حقه في المنع من البناء كضحكه، ولو ضحك هو في هذه الحالة فسدت صلاته، فكذلك ضحك الإمام في حقه، ورواية أبي حفص - رحمه الله تعالى - كأنه غلط وقع من الكاتب؛ لأنه اشتغل بتقسيم ثم أجاب في الفصلين بأن صلاته تامة وظاهر هذا التقسيم يستدعي المخالفة في الجواب.
قال: (رجل سلم في الركعتين من الظهر ناسيا ثم ذكر فظن أن ذلك يقطع الصلاة فاستقبل التكبير ينوي به الدخول في الظهر ثانية وهو إمام قوم وكبروا معه ينوون معه ذلك فهم على صلاتهم الأولى يصلون ما بقي منها ويسجدون للسهو) لما بينا أن سلام الإمام لا يقطع التحريمة، فهم في التحريمة في صلاتهم بعد قد نووا إيجاد الموجود وذلك لغو. بقي مجرد التكبير وهو لا يقطع الصلاة، بخلاف من كان في الظهر فنوى العصر وكبر؛ لأنه نوى إيجاد ما ليس بموجود فصار خارجا من الأولى داخلا في الثانية، فإن صلوا العصر أربع ركعات هكذا، فإن قعدوا في الثانية جازت صلاتهم، وما زادوا من الركعتين نافلة لهم، فإن لم يقعدوا في الثانية فسدت صلاتهم لاشتغالهم بالنفل قبل إكمال الفرض، حتى لو سلم ساهيا بعد ثلاث ركعات فجدد التكبير وصلى أربع ركعات لا تجزئه صلاته؛ لأنه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد لفرضه
قال: (رجل صلى ركعة ثم جاء قوم فاقتدوا به
فلما فرغ من صلاته وقعد قدر التشهد قهقه أو أحدث متعمدا فصلاته تامة)؛ لأنه لم يقعد بعد الركعة الرابعة حتى صلى ركعة أخرى وذلك مفسد للصلاة؛ لأنه لم يبق عليه البناء، وصلاة القوم فاسدة في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: لا تفسد؛ لأنه لا سبب لإفساد صلاتهم، فإن الضحك والحدث لم يوجدا منهم، فلو فسدت صلاتهم إنما تفسد بفساد صلاة الإمام، ولم تفسد صلاة الإمام هنا، فهو قياس ضحكه بعد السلام، ولأن الإمام لما قعد قدر التشهد فقد صار المسبوق في حكم المنفرد يقوم لإتمام صلاته، ألا ترى أن سلام الإمام وكلامه لا يؤثر في حقه ولا يمنعه من البناء، فكذلك ضحك الإمام وحدثه وأبو حنيفة - رحمه الله - قال: ما لم يسلم الإمام فالمسبوق مقتد به، ألا ترى أنه لو نوى الإمامة أثر ذلك في حق المسبوق، وأنه ممنوع من القيام حتى يسلم الإمام، والضحك والحدث إذا لاقى جزءا من الصلاة كان مفسدا لذلك الجزء، وبفساد ذلك الجزء من صلاة الإمام يفسد مثله من صلاة المقتدي، إلا أن الإمام لم يبق عليه البناء بفساد ذلك الجزء ولا يضره، والمسبوق قد بقي عليه البناء ففساد ذلك الجزء يمنعه من بناء ما بقي عليه فيلزمه الاستقبال، ألا ترى أنه لو ضحك بنفسه أو أحدث في هذه الحالة لزمه الاستقبال، فكذلك فعل الإمام في حقه بخلاف السلام والكلام، فالسلام منه للصلاة والكلام قاطع لا مفسد؛ لأنه لا يفوت به شرط الصلاة، وهو الطهارة فلم يؤثر ذلك في حق المسبوق، فأما الضحك والحدث مفسد لا قاطع؛ لأنه يفوت به شرط الصلاة وهو الطهارة، ولهذا قيل: لو تكلم الإمام بعد ما قعد قدر التشهد فعلى القوم أن يسلموا، ولو أحدث الإمام متعمدا أو قهقه لم يسلم القوم، وخروج الإمام من المسجد في كونه قاطعا لكلامه فلا يفسد صلاة المسبوقين
قال: (وإذا افتتح الرجل صلاة المكتوبة في المسجد وحده ثم أقيم له فيها ففي ذوات الأربع كالظهر والعصر والعشاء، إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وقعد وسلم ثم دخل مع الإمام) ؛ لأنه لو قطعها كذلك كان مبطلا عمله، فإن الركعة الواحدة لا تكون صلاة فيضيف إليها ركعة أخرى ليصير شفعا ثم يسلم فيدخل مع الإمام لإحراز فضيلة الجماعة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الرجل في الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» (فإن قيل كيف يقطع فرضه بعد الشروع فيها.؟ (قلنا لا يقطعها رافضا لها، وإنما يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه وذلك جائز كما يقطع الظهر إذا أقيمت الجمعة، وكذلك إن قام إلى الثالثة ولم يقيدها بالسجدة عاد فقعد وسلم لكي لا
تفوته فضيلة الجماعة ولا يسلم كما هو قائما؛ لأن ما أتى به من القعدة كان سنة، وقعدة الختم فرض فعليه أن يعود إلى القعدة ثم يسلم ليكون متنفلا بركعتين، فإن قيد الثالثة بالسجدة مضى في صلاته؛ لأنه أتى بأكثرها وللأكثر حكم الكمال، فإذا فرغ منها دخل مع الإمام في الظهر والعشاء بنية النفل؛ لأن التنفل بعدهما جائز، ولو خرج من المسجد ربما توهم أنه ممن لا يرى الجماعة، فلهذا دخل معه، فأما في العصر لا يدخل؛ لأن التنفل بعده مكروه كما بينا.
وعند الشافعي - رضي الله تعالى عنه - يدخل بناء على أصله في الصلاة التي لها سبب، فإذا لم يدخل معه خرج من المسجد؛ لأن في المكث تطول مخالفته للإمام، وفي الخروج إنما يظهر مخالفته في لحظة فهو أولى، ولم يذكر في الكتاب أنه إذا كان في الركعة الأولى ولم يقيدها بالسجدة كيف يصنع، والصحيح أنه يقطعها ليدخل مع الإمام فيحرز به ثواب تكبيرة الافتتاح؛ لأن ما دون الركعة ليس لها حكم الصلاة حتى إن من حلف أن لا يصلي لا يحنث على ما دون الركعة ألا ترى أنه من الركعة الثالثة يعود إذا لم يقيدها بالسجدة فكذلك في الركعة الأولى يقطعها ليدخل مع الإمام، (فأما في الفجر، فإن كان صلى ركعة قطعها) ؛ لأنه لو أدى ركعة أخرى تم فرضه وفاتته الجماعة، فالأولى أن يقطعها ليعيدها على أكمل الوجوه، (وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتمها) ؛ لأنه أدى أكثرها ثم إنه لا يدخل مع الإمام؛ لأنه يكون متنفلا بعد الفجر وذلك مكروه، والذي روي من حال الرجلين حين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجد الخيف صلاة الفجر كما روينا، فقد ذكر أبو يوسف - رحمه الله تعالى - في الإملاء أن تلك الحادثة كانت في صلاة الظهر، ولئن كانت في صلاة الفجر فقد كان في وقت لم ينههم عن صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، ثم انتسخ بالنهي، (وأما المغرب، فإن صلى ركعة قطعها) ؛ لأنه لو أضاف إليها ركعة أخرى كان مؤديا أكثر الصلاة فلا يمكنه القطع بعد ذلك، ولو قطع كان متنفلا بركعتين قبل المغرب وذلك منهي عنه، فلهذا قطع صلاته ليعيدها على أكمل الوجوه، وإن كان قيد الركعة الثانية بسجدة أتم صلاته؛ لأنه قد أدى أكثرها ثم لا يدخل مع الإمام، وذلك مروي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، وإنما لا يدخل لا لأن التنفل بعد المغرب منهي عنه، ولكن لأنه لو دخل معه فإما أن يسلم معه فيكون متنفلا بثلاث ركعات وهو غير مشروع، أو يضيف إليها ركعة أخرى فيكون
مخالفا لإمامه، فلهذا لا يدخل معه، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه يدخل معه، فإذا فرغ الإمام فصلى ركعة أخرى ليصير شفعا له ولا يبعد أن يقوم لإتمامه بعد فراغ الإمام كالمسبوق وهو بالشروع قد التزم ثلاث ركعات فكأنه التزمها بالنذر فيلزمه أربع، وعندنا إن دخل فعل كما قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى -، وقال بشر المريسي يسلم مع الإمام؛ لأن هذا التغير كان بحكم الاقتداء وذلك جائز كالمسبوق يدرك الإمام في القعدة يقعد معه وابتداء الصلاة لا يكون بالقعدة، وجاز ذلك بحكم الاقتداء فهذا مثله.
قال: (وإذا صلى الظهر في بيته يوم الجمعة ثم صلى الجمعة مع الإمام فالجمعة فرضه ويصير الظهر تطوعا له) ؛ لأن بأداء الظهر ما سقط عنه الخطاب بالسعي إلى الجمعة، فكان في أدائها مفترضا ولا يجتمع فرضان في وقت واحد، فمن ضرورة كون الجمعة فرضا له أن ينقلب ما قبله تطوعا، وهذا بخلاف ما إذا صلى الظهر في بيته يوم الخميس ثم أدركها بالجماعة فصلاها، فالأولى فرض والثانية تطوع، بعد أداء الفرض هو غير مخاطب بشهود الجماعة في تلك الصلاة، فإن شهدها كان متنفلا. يوضح الفرق أن الجمعة أقوى من الظهر؛ لأنها تستدعي من الشرائط ما لا يستدعيه الظهر، والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي، وإذا ظهر القوي بأدائه لإسقاط فرض الوقت به سقط اعتبار الضعيف وكان تطوعا، فأما الظهر المؤدى في الجماعة في حكم القوة كالمؤدى في بيته، فإن أحدهما يستدعي شرطا لا يستدعيه الآخر، فإذا استويا ترجح السابق منهما لإسقاط فرض الوقت به فكانت الثانية نفلا.
قال: (وإذا أحدث الإمام فلم يقدم أحدا حتى خرج من المسجد، فإن صلاة القوم فاسدة) ؛ لأنهم مقتدون فيها ولم يبق لهم إمام في مكانه وهو في المسجد، ولم يبين في الكتاب حال الإمام، وذكر الطحاوي - رحمه الله تعالى - أن صلاته تفسد أيضا؛ لأن بعد سبق الحدث كان الاستخلاف ليصير هو في حكم المقتدى به كغيره فبترك الاستخلاف لما فسدت صلاة القوم فلأن تفسد صلاته كان أولى، وذكر أبو عصمة - رحمه الله تعالى - أن صلاته لا تفسد؛ لأنه في حق نفسه كالمنفرد، فلا تفسد صلاته بالخروج من المسجد بعد سبق الحدث، فعلى ما ذكره الطحاوي - رحمه الله تعالى - فساد صلاة القوم بطريق القياس على فساد صلاة إمامهم، وعلى ما ذكره أبو عصمة وهو الأصح فساد صلاة القوم استحسان فكان ينبغي في القياس أن لا تفسد، فإن بعد حدث الإمام بقوا مقتدين به حتى لو وجد الماء في المسجد
فتوضأ وعاد إلى مكانه وأتم بهم الصلاة أجزأهم، فكذلك بعد خروجه ولكنه استحسن، وأراه قبيحا أن يكون القوم في الصلاة في مسجد وإمامهم في أهله، فأما ما دام في المسجد فكأنه في المحراب؛ لأن المسجد في كونه مكان الصلاة كبقعة واحدة فليس بينه وبينهم ما ينافي الاقتداء، فأما بعد خروجه فقد صار بينه وبينهم ما ينافي الاقتداء فلهذا فسدت صلاتهم.
قال: (فإن قدموا رجلا قبل خروج الإمام من المسجد فصلاته وصلاتهم تامة) ؛ لأن تقديم القوم إياه كاستخلاف الإمام الأول، ألا ترى أن في الإمامة العظمى لا فرق بين اجتماع الناس على رجل وبين استخلاف الإمام الأعظم. وهذا؛ لأن الإمام في الاستخلاف ينظر لهم في إصلاح صلاتهم فيكون لهم أن ينظروا إلى أنفسهم أيضا، فإن قدم كل فريق من القوم رجلا فسدت صلاتهم؛ لأنها افتتحت بإمام واحد فلا يجوز إتمامها بإمامين، ولو جاز ذلك لجاز بأكثر من اثنين فينوي كل واحد أن يؤم نفسه، وهذا إذا استوى الفريقان في العدد؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، فأما إذا اقتدى جماعة من القوم بأحد الإمامين إلا رجلا أو رجلين اقتديا بالثاني فصلاة من اقتدى به الجماعة صحيحة، وصلاة الآخرين فاسدة لقوله - صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة فمن شذ شذ في النار»، وقال عمر - رحمه الله تعالى - في الشورى إن اتفقوا على شيء وخالفهم واحد فاقتلوه، فأما إذا اقتدى بكل إمام جماعة وأحد الفريقين أكثر عددا من الآخر، فقد قال بعض مشايخنا: صلاة الأكثرين جائزة ويتعين الفساد في الآخرين كما في الواحد والمثنى، والأصح أن تفسد صلاة الفريقين؛ لأن كل واحد منهما جمع تام يتم به نصاب الجمعة فيكون الأقل مساويا للأكثر حكما، كالمدعيين يقيم أحدهما شاهدين والآخر عشرة من الشهود، وكذلك إن كان الإمام هو الذي قدم رجلين فهذا وتقديم القوم إياهما سواء، وإن وصل أحدهما إلى موضع الإمامة قبل الآخر تعين للإمامة وجاز صلاته وصلاة من اقتدى به؛ لأن الاستخلاف كان للضرورة وقد ارتفعت بوصوله إلى موضع الإمامة، فاستخلاف الآخر وجوده كعدمه.
قال: (وإن أحدث الإمام ولم يكن خلفه إلا رجل واحد صار هو إماما قدمه الإمام أو لم يقدمه نوى هو الإمامة أو لم ينو) ؛ لأنه تعين للاستخلاف، فإن صلاحيته للاستخلاف بكونه شريك الإمام في الصلاة ولا مزاحم له والحاجة في هذا إلى الاستخلاف أو النية للتمييز، وذلك عند المزاحمة لا عند التعين، فإذا توضأ الإمام رجع ودخل مع هذا في صلاته؛ لأن الإمامة تحولت إليه، وإن لم
يرجع الإمام حتى أحدث هذا فخرج من المسجد فسدت صلاة الإمام الأول؛ لأنه في حكم المقتدي به ولم يبق له إمام في المسجد، وإن لم يخرج حتى رجع الأول ثم خرج الثاني فقد صار الإمام هو الأول؛ لأنه متعين لإصلاح الصلاة، وإن جاء ثالث واقتدى بالثاني ثم سبقه الحدث فخرج من المسجد تحولت الإمامة إلى الثالث لكونه متعينا، فإن أحدث فخرج من المسجد قبل رجوع أحد الأولين فسدت صلاتهما؛ لأنه لم يبق لهما إمام في المسجد، وإن كان قد رجع أحد الأولين قبل خروج الثالث تحولت الإمامة إليه بخروج الثالث، فإن كانا رجعا جميعا، فإن استخلف الثالث أحدهما صار هو الإمام، وإن لم يستخلف حتى خرج فسدت صلاتهما؛ لأنه ليس أحدهما بأولى بالإمامة من الآخر، وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - إذا أحدث وليس معه إلا رجل واحد فوجد الماء في المسجد فتوضأ، قال: يتم صلاته مقتديا بالثاني؛ لأنه متعين للإمامة فبنفس انصرافه تتحول الإمامة إليه، وإن كان معه جماعة فتوضأ في المسجد عاد إلى مكان الإمامة وصلى بهم؛ لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره في هذه الحالة إلا بالاستخلاف ولم يوجد.
قال: (إمام أحدث فانفتل وقدم رجلا جاء ساعتئذ، فإن كان كبر قبل الحدث من الإمام صح استخلافه) ؛ لأنه شريك الإمام في الصلاة، وإن لم يكن كبر فلما استخلفه كبر ينوي الاقتداء به صح الاستخلاف أيضا إلا على قول بشر، فإنه يقول لا يصح اقتداؤه بالإمام؛ لأن حدث الإمام في حق المقتدي كحدثه بنفسه، وكونه محدثا يمنع الشروع في الصلاة ابتداء فيمنع من الاقتداء به أيضا، فإن بقاء الاقتداء بعد الحدث عرفناه بالسنة، والابتداء ليس في معنى البقاء ولكنا نقول: التحريمة في حق الإمام باقية حتى إذا عاد بنى على صلاته، وكذلك صفة الإمامة له ما لم يخرج من المسجد حتى لو توضأ في المسجد وعاد إلى مكان الإمامة جاز، فاقتداء الغير به صحيح في هذه الحالة، وإذا صح الاقتداء جاز استخلافه، وإن كان حين كبر نوى أن يصلي بهم صلاة مستقبلة ولم ينو الاقتداء بالأول فصلاته تامة؛ لأنه افتتحها منفردا بها وقد أداها وصلاة القوم فاسدة؛ لأنهم كانوا مقتدين بالأول فلا يمكنهم إتمامها مقتدين بالثاني، فإن الصلاة الواحدة لا تؤدى بإمامين، بخلاف خليفة الأول، فإنه قائم مقامه فكأنه هو بعينه، فكان الإمام واحدا معنى، وإن كان مثنى في الصورة، وهنا الثاني ليس بخليفة الأول، فإنه لم يقيد به قط فتحقق أداء الصلاة الواحدة خلف إمامين صورة ومعنى، فلهذا لا يجزئهم.
قال: (إمام أحدث وهو مسافر وخلفه مقيمون ومسافرون
فقدم مقيما صح ذلك)؛ لأن المقيم شريكه في الصلاة ولا يتغير به فرض المسافرين، بخلاف ما لو نوى الأول الإقامة؛ لأنهم لما قصدوا الاقتداء بالأول فقد ألزموا أنفسهم حكم الاقتداء، وما قصدوا الاقتداء بالثاني إنما لزمهم الاقتداء لضرورة الحاجة إلى إصلاح صلاتهم، والثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة، وعلى هذا قلنا: لو قدم مسافرا فنوى الثاني الإقامة لا يتغير فرض المسافرين ثم على الثاني أن يتم بهم صلاة المسافرين؛ لأنه خليفة الأول فيأتي بما كان على الأول، فإذا قعد قدر التشهد قدم مسافرا ليسلم بهم؛ لأنه عاجز عن التسليم بنفسه لبقاء البناء عليه، ثم يقوم هو مع المقيمين فيتمون صلاتهم وحدانا، هكذا «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلى بعرفات: أتموا يا أهل مكة صلاتكم، فإنا قوم سفر» فإن اقتدوا فيما يقضون فسدت صلاتهم؛ لأن الاقتداء في موضع يحق فيه الانفراد كالانفراد في موضع يحق فيه الاقتداء لما بينهما من المخالفة في الحكم، وإن مضى الإمام الثاني في صلاته حتى أتمها صلاة الإقامة والقوم معه، فإن قعد في الثانية قدر التشهد فصلاته وصلاة المسافرين تامة؛ لأنه في حق نفسه منفرد لا تتعلق صلاته بصلاة غيره، والمسافرون إنما اشتغلوا بالنفل بعد إكمال الفرض فلا يضرهم، فأما صلاة المقيمين فاسدة؛ لأن عليهم الانفراد في الأخريين، فإذا اقتدوا به فسدت صلاتهم، فإن لم يقعد الثاني في الركعتين فسدت صلاته وصلاة القوم كلهم؛ لأنه خليفة الأول فيفترض عليه ما على الأول، والأول لو ترك القعدة الأولى فسدت صلاته وصلاة القوم، فكذلك الثاني إذا تركها فتفسد به صلاة الإمام الأول أيضا؛ لأنه كغيره من المقتدين به.
قال: (إمام افتتح الصلاة فركع قبل أن يقرأ ثم رفع رأسه فقرأ وركع وسجد وأدرك معه رجل هذا الركوع الثاني فهو مدرك للركعة) ؛ لأن الركوع الأول انتقض بالثاني، فإن الأول سبق أوانه؛ لأن أوان الركوع بعد القراءة فما سبقه كان منتقضا، والركوع الثاني حصل في أوانه فهو المعتد به، وقد أدركه الرجل، وإن كان قرأ قبل الركوع الأول فالركوع هو الأول، ومن أدرك الركوع الثاني لا يصير به مدركا للركعة؛ لأن الأول حصل في أوانه فهو المعتد به، والثاني وقع مكررا ولا تكرار في الركوع في ركعة واحدة، فالمنتقض ما وقع مكررا، وذكر في باب السهو في نوادر أبي سليمان أن المعتبر هو الركوع الثاني ومدركه مدرك للركعة، ووجهه أن اعتبار الركوع باتصال السجود به، وإنما اتصل السجود بالركوع الثاني دون الأول، فكان المنتقض هو الأول، والأصح ما ذكر في كتاب الصلاة أن الفرض بالركوع الأول صار
مؤدى، فيقف ينتظر السجود فيجعل السجود متصلا به حكما، وكذلك إن كان الإمام أحدث حين فرغ من الركوع واستخلف رجلا، فإن الخليفة يعتد بذلك الركوع إن كان الإمام قرأ قبله، وإن لم يكن قرأ قبله لم يعتد به؛ لأنه قائم مقام الأول، فحاله في هذا كحال الأول.
قال: (إمام أحدث فقدم رجلا على غير وضوء فصلاته وصلاة القوم فاسدة) ؛ لأن المحدث لا يصلح للاستخلاف فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض منه عن صلاته فتفسد صلاته وصلاة القوم وهذا عندنا، فإن حدث الإمام إذا تبين للقوم بعد الفراغ فصلاتهم فاسدة، فكذلك في حالة الاستخلاف، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - إذا اقتدوا به مع العلم بأنه محدث لا يصح الاقتداء به، وإذا لم يعلموا به فصلاتهم تامة في حالة الاستخلاف، واستدل بحديث روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه أم في صلاة أصحابه ثم ظهر أنه كان جنبا فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة. (ولنا) ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أم قوما ثم ظهر أنه كان محدثا أو جنبا أعاد صلاته وأعادوا» وقد روي نحو هذا عن عمر وعلي حتى ذكر أبو يوسف في الأمالي أن عليا - رضي الله تعالى عنه - صلى بأصحابه يوما ثم علم أنه كان جنبا، فأمر مؤذنه ابن التياح أن ينادي، ألا إن أمير المؤمنين كان جنبا فأعيدوا صلاتكم، وتأويل حديث عمر ما ذكره في بعض الروايات أنه رأى أثر الاحتلام في ثوبه بعد الفراغ، ولم يعلم متى أصابه فأعاد صلاته احتياطا، وعندنا في هذا الموضع لا يجب على القوم إعادة الصلاة.
وكذلك لو قدم الإمام المحدث صبيا فسدت صلاتهم وصلاته؛ لأن صلاة الصبي تخلق واعتياد أو نافلة فلا يصلح هو خليفة للإمام في الفرض، كما لا يصلح للإمامة في هذه الصلاة أصلا بنفسه، وهذا بناء على أصلنا أيضا، فأما الشافعي - رضي الله تعالى عنه -، فإنه يجوز الاقتداء بالصبي في المكتوبة، وهو بناء على اقتداء المفترض بالمتنفل وقد مر.
وأما الاقتداء بالصبي في التطوع فقد جوزه محمد بن مقاتل الرازي للحاجة إليه والأصح عندنا أنه لا يجوز؛ لأن نفل الصبي دون نفل البالغ حتى لا يلزمه القضاء بالإفساد، وبناء القوي على الضعيف لا يجوز، كيف وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والصبي لا يصلح ضامنا لفلس» فكيف يصح منه الضمان لصلاة المقتدي.
وكذلك إن قدم الإمام المحدث امرأة فصلاته وصلاتها وصلاة القوم كلهم فاسدة؛ لأن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال قال - عليه الصلاة والسلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» فاشتغاله باستخلاف من لا يصلح خليفة له إعراض
منه عن الصلاة، فتفسد صلاته وبفساد صلاته تفسد صلاة القوم؛ لأن الإمامة لم تتحول منه إلى غيره، وعند زفر - رحمه الله تعالى - صلاة النساء صحيحة إنما تفسد صلاة الرجال؛ لأن المرأة تصلح لإمامة النساء إنما لا تصلح لإمامة الرجال، وفيما ذكرنا الجواب عن كلامه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]