| 
 
28-09-2025, 06:24 PM
 | 
| 
|  | قلم ذهبي مميز |  | 
تاريخ التسجيل: Feb 2019 مكان الإقامة: مصر الجنس :   
المشاركات: 164,770
 
الدولة :        |  | 
| 
 رد: المبسوط فى الفقه الحنفى  محمد بن أحمد السرخسي 
  الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
 (ت ٤٨٣ هـ)
 عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
 المجلد الثانى
صـــ 2 الى صـــ 12
 (26)
 
 [باب الصلاة في السفينة]
 باب في الصلوات في السفينة (قال)  وإن استطاع الرجل الخروج من السفينة للصلاة فالأولى له أن يخرج ويصلي  قائما على الأرض ليكون أبعد عن الخلاف وإن صلى فيها قاعدا وهو يقدر على  القيام أو على الخروج أجزأه عند أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - استحسانا  ولا يجزئه عندهما وهو القياس ووجهه هو أن السفينة في حقه كالبيت حتى لا  يصلي فيه بالإيماء تطوعا مع القدرة على الركوع والسجود فكما إذا ترك القيام  في البيت مع قدرته عليه لا يجزئه في أداء المكتوبة فكذلك في السفينة لأن  سقوط القيام في المكتوبة للعجز أو للمشقة وقد زال ذلك بقدرته على القيام أو  على الخروج. وجه الاستحسان أن الغالب في حال راكب السفينة دوران رأسه إذا  قام والحكم ينبني على العام الغالب دون الشاذ النادر ألا ترى أن نوم  المضطجع جعل حدثا على الغالب ممن حاله أن يخرج منه لزوال الاستمساك وسكوت  البكر رضا لأجل الحياء بناء على الغالب من حال البكر والشاذ يلحق بالعام  الغالب فهذا مثله (وفي) حديث ابن سيرين - رضي  الله تعالى عنه - قال: صلينا مع أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - في  السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الحد وقال مجاهد - رحمه الله: صلينا مع  جنادة بن أبي أمية قعودا في السفينة ولو شئنا لقمنا فدل على الجواز
 (قال): ولا يجوز  للمسافر أن يتطوع في السفينة بالإيماء بخلاف راكب الدابة فإن الجواز له  بالإيماء هناك لورود النص به وهذا ليس في معناه لأن راكب الدابة ليس له  موضع قرار على الأرض وراكب السفينة له فيها موضع قرار على الأرض فالسفينة  في حقه كالبيت ألا ترى أنه لا يجريها بل هي تجري به قال الله تعالى {وهي تجري بهم في موج كالجبال} [هود: 42] وراكب الدابة يجريها حتى يملك إيقافها
 متى شاء ولهذا  جوزنا الصلاة على الدابة حيث كان وجهه وفي السفينة يلزمه التوجه إلى القبلة  عند افتتاح الصلاة وكذلك كلما دارت السفينة يتوجه إليها لأنها في حقه  كالبيت فيلزمه التوجه إلى القبلة لأداء الصلاة فيها ولا يصير مقيما بنية  الإقامة وصاحب السفينة وغيره في هذا سواء لأن نية الإقامة حصلت في غير  موضعها إلا أن تكون قريبة من قريته فحينئذ هو مقيم فيها في موضع إقامته  فأما إذا كان مسافرا فيها فلا يصير مقيما بنية الإقامة
 (قال): ولا يجوز  أن يأتم رجل من أهل السفينة بإمام في سفينة أخرى لأن بينهما طائفة من النهر  إلا أن يكونا مقرونين فحينئذ يصح الاقتداء لأنه ليس بينهما ما يمنع صحة  الاقتداء فكأنهما في سفينة واحدة لأن السفينتين المقرونتين في معنى ألواح  سفينة واحدة وكذلك إن اقتدى من على الحد بإمام في سفينة لم يجز اقتداؤه إذا  كان بينهما طريق أو طائفة من النهر وقد بينا هذا فيما سبق
 (قال): ومن وقف  على الأطلال يقتدي بالإمام في السفينة صح اقتداؤه إلا أن يكون أمام الإمام  لأن السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم  يكن أمام الإمام
 (قال): ومن خاف  فوت شيء من ماله وسعه أن يقطع صلاته ويستوثق من ماله وكذلك إذا انقلبت  سفينته أو رأى سارقا يسرق شيئا من متاعه لأن حرمة المال كحرمة النفس فكما  يسعه أن يقطع صلاته إذا خاف على نفسه من عدو أو سبع فكذلك إذا خاف على شيء  من ماله ولم يفصل في الكتاب بين القليل والكثير وأكثر مشايخنا - رحمهم الله  - قدروا ذلك بالدرهم فصاعدا وقالوا ما دون الدرهم حقير فلا يقطع الصلاة  لأجله. قال الحسن - رحمه الله تعالى: لعن الله الدانق ومن دنق الدانق.  وإنما يقطع صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير فأما إذا لم يحتج إلى شيء وعمل  كثير بنى على صلاته لحديث أبي برزة الأسلمي - رحمه الله تعالى - إنه كان  يصلي في بعض المغازي فانسل قياد الفرس من يده فمشى أمامه حتى أخذ قياد فرسه  ثم رجع القهقرى وأتم صلاته وتأويل هذا أنه لم يحتج إلى عمل كثير والله  سبحانه وتعالى أعلم
 [باب سجود التلاوة]
 باب السجدة (قال - رضي الله عنه -)  : ويكره للمرء ترك آية السجدة من سورة يقرؤها لأنه في صورة الفرار عن  السجدة وليس ذلك من أخلاق المؤمنين ولأنه في صورة هجر آية السجدة وليس شيء
 من القرآن مهجورا ولأن القارئ مأمور باتباع التأليف قال الله تعالى {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة: 18]  أي تأليفه وبغير التأليف يكون مكروها وإذا قرأ آية السجدة من بين آي  السورة فالأولى أن يقرأ معها آيات وإن اكتفى بقراءة آية السجدة لم يضره لأن  قراءة آية السجدة من بين الآي كقراءة سورة من بين السور وذلك لا بأس به  والمستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على المعنى والإعجاز ولأنه ربما  يعتقد هو أو بعض السامعين منه زيادة فضيلة في آية السجدة ومن حيث إن قراءة  الكل سواء فلهذا يستحب أن يقرأ معها آيات
 (قال): ومن قرأ  آية السجدة أو سمعها وجب عليه أن يسجدها عندنا وقال الشافعي - رضي الله  تعالى عنه: يستحب له ذلك ولا يجب عليه لحديث الأعرابي حين علمه رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - الشرائع وقال: هل علي غيرها؟ فقال: لا إلا أن تطوع  فلو كانت سجدة التلاوة واجبة لما ترك البيان بعد السؤال وعن عمر - رضي الله  تعالى عنه - أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم تلاها في الجمعة  الثانية فنشز الناس للسجود فقال: إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء.
 (ولنا) حديث أبي  هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا  تلا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول: أمر ابن آدم بالسجود  فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار» والأصل أن الحكيم متى  حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه بالنكير فذلك دليل على أنه صواب ففيه دليل على  أن ابن آدم مأمور بالسجود والأمر للوجوب وعن عثمان وعلي وابن عباس - رضي  الله تعالى عنهم - أنهم قالوا: السجدة على من تلاها السجدة على من سمعها  على من جلس لها اختلفت ألفاظهم بهذه وعلى كلمة إيجاب ولأن الله تعالى وبخ  تارك السجود بقوله {فما لهم لا يؤمنون} [الانشقاق: 20] {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} [الانشقاق: 21]  والتوبيخ لا يكون إلا بترك الواجب وتأويل حديث عمر لم يكتب علينا التعجيل  بها فأراد أن يبين للقوم التأخير عن حالة الوجوب وفي حديث الأعرابي بيان  الواجبات ابتداء دون ما يجب بسبب من العبد ألا ترى أنه لم يذكر المنذورة
 (قال) فإن قرأها  أو سمعها وهو جنب أو على غير وضوء لم يجزئه التيمم إذا كان يقدر على الماء  لأنه لا يفوته ولأنه باستعماله الماء يتوصل إلى أدائها بخلاف صلاة الجنازة  والعيد
 (قال): ومن سمعها  من صبي أو كافر أو جنب أو حائض فعليه أن يسجد لأن المتلو قرآن من هؤلاء  ولهذا منع الجنب والحائض من قراءته فتقرر السبب الموجب في حق السامع
 (قال)
 : وليس على  الحائض سجدة قرأت أو سمعت لأن السجدة ركن من الصلاة والحائض لا تلزمها  الصلاة مع تقرر السبب وهو شهود الوقت فلا يلزمها السجدة أيضا بخلاف الجنب  فإنه تلزمه الصلاة بسبب الوقت فتلزمه السجدة بالتلاوة أو السماع
 (قال) ويستوي في  حق التالي إذا تلاها بالفارسية أو بالعربية وفي حق السامع كذلك عند أبي  حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فهم أو لم يفهم بناء على أصله بالقراءة  الفارسية وعندهما إن كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه سجود السجدة  وإلا فلا وفي العربية عليه السجدة على كل حال ولكن يعذر بالتأخير ما لم  يعلم
 (قال): وإن قرأها  ومعه قوم فسمعوها سجد وسجدوا معه ولم يرفعوا رءوسهم قبله لأن التالي إمام  السامعين هكذا قال عمر - رضي الله تعالى عنه - للتالي كنت إمامنا لو سجدت  لسجدنا معك فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون رءوسهم قبله لهذا وإن  فعلوا أجزأهم لأنه لا مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ألا ترى أنه وإن تبين  فساد سجدته بسبب لم تفسد عليهم
 (قال) وليس عليه  في قراءة سجدة واحدة أو سماعها مرة بعد أخرى في مجلس واحد قائما أو قاعدا  أو مضطجعا أكثر من سجدة واحدة لما روي أن جبريل - عليه السلام - كان ينزل  بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم يقرؤها  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ولا يسجد إلا مرة واحدة ولأن  مبنى السجدة على التداخل فإن التلاوة من الأصم والسماع من السميع موجبان  لها ثم لو تلاها سميع لا يلزمه إلا سجدة واحدة وقد وجد في حقه التلاوة  والسماع لأن السبب واحد وهو حرمة المتلو فالقراءة الثانية تكرار محض بسبب  اتحاد المجلس فلا يتجدد به المسبب وهذا الحرف أصح من الأول فإنه لو تلاها  وسجد ثم تلاها في مجلسه لم يلزمه أخرى والتداخل لا يكون بعد أداء الأول فدل  أن الصحيح اتحاد السبب. ولم يذكر الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه  وسلم - إذا ذكره أو سمع ذكره في مجلس مرارا فالمتقدمون من أصحابنا يجعلون  هذا قياس السجدة فيقولون: يكفيه أن يصلي عليه مرة واحدة لاتحاد السبب وبعض  المتأخرين يقولون: يصلي عليه في كل مرة لأنه حق رسول الله - صلى الله عليه  وسلم - كما قال «لا تجفوني بعد موتي قيل: وكيف تجفى يا رسول الله؟ قال أن  أذكر في موضع فلا يصلى علي» وحقوق العباد لا تتداخل ولهذا قالوا من عطس  وحمد الله في مجلس ينبغي للسامع أن يشمته في كل مرة لأنه حق العاطس والأصح  أنه إذا زاد على الثلاث
 لا يشمته وفي  حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - قال للعاطس بعد الثلاث: قم فانتثر فإنك  مزكوم إلا أن يكون ذهب من ذلك المكان ثم رجع فقرأها فعليه سجدة أخرى لأنه  تجدد له بالرجوع مجلس آخر ويتجدد المجلس بتجدد السبب للتلاوة حكما. وعن  محمد - رحمه الله - قال: هذا إذا بعد عن ذلك المكان فأما إذا كان قريبا منه  لم يلزمه سجدة أخرى فكأنه تلاها في مكانه لحديث أبي موسى الأشعري - رضي  الله تعالى عنه - إنه كان يعلم الناس بالبصرة وكان يزحف إلى هذا تارة وإلى  هذه تارة فيعلمهم آية السجدة ولا يسجد إلا مرة واحدة وإن قرأ آية أخرى وهو  في مجلسه فعليه سجدة أخرى لأن السبب قد تجدد فإن السجدة الثانية غير الأولى
 [عدد سجود القرآن]
 ثم ذكر عدد سجود  القرآن وهي أربع عشرة سجدة عندنا وكان ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -  يقول: عدد سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل عنده سجدة وكان يعد  الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج الأولى منها والفرقان  والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة قال سعيد بن جبير: وسألت ابن عمر - رضي  الله عنهم - فعدهن كما عدهن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - إحدى عشرة  سجدة وقال: ليس في المفصل شيء منها وهكذا ذكر الكرخي - رضي الله عنه - في  الجامع الصغير له وليس في المفصل عنده سجدة. والذي في سورة (ص)  عنده سجدة شكر والاختلاف بين العلماء في مواضع منها في الحج عندنا سجدة  التلاوة الأولى منهما وعند الشافعي - رضي الله عنه - سجدتان الأولى  والثانية لحديث مسرع بن ماهان عن عقبة بن عامر قال رسول الله - صلى الله  عليه وسلم: «في الحج سجدتان» أو قال «فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا  يقرأهما» وهو مروي عن عمر ومذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله  عنهم - قال: سجدة التلاوة هي الأولى والثانية سجدة الصلاة وهو الظاهر فقد  قرنها بالركوع فقال {: اركعوا واسجدوا} [الحج: 77]  والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة وتأويل الحديث فضلت الحج بسجدتين  إحداهما سجدة التلاوة والأخرى سجدة الصلاة ويختلفون في التي في سورة (ص)  عندنا وهي سجدة التلاوة وعند الشافعي - رضي الله عنه - سجدة الشكر وفائدة  الاختلاف إذا تلاها في الصلاة عندنا يسجدها وعند الشافعي لا يسجدها واستدل  بما روي «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تلا في خطبته سورة ص فنشز  الناس للسجود فقال: علام نشزتم إنها توبة نبي».
 (ولنا) ما روي «أن رجلا من الصحابة قال: يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأني أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى
 موضع السجدة سجد الدواة والقلم فقال - عليه الصلاة والسلام: نحن أحق بها من الدواة والقلم فأمر حتى يكتب في مجلسه وسجدها مع أصحابه» (فإن قيل) في الحديث زيادة وهو أنه قال «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا». (فلما)  هذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة فما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى  الشكر ومراده من هذا بيان سبب الوجوب إنه كان توبة داود - عليه السلام -  وإنما لم يسجدها في خطبته ليبين لهم أنه يجوز تأخيرها وقد روي «أنه سجدها  في خطبته مرة» وذلك دليل على الوجوب وعلى أنها سجدة تلاوة فقد قطع الخطبة  لها. ويختلفون في التي في حم السجدة في موضعها فقال علي - رضي الله تعالى  عنه: آخر الآية الأولى عند قوله {إن كنتم إياه تعبدون} [فصلت: 37] وبه أخذ الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وقال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه: عند آخر الآية الثانية عند قوله تعالى {وهم لا يسأمون} [فصلت: 38]  وبه أخذنا لأنه أقرب إلى الاحتياط فإنها إن كانت عند الآية الثانية لم يجز  تعجيلها وإن كانت عند الأولى جاز تأخيرها إلى الآية الثانية ويختلفون في  المفصل فعندنا فيه ثلاث سجدات وقال مالك - رضي الله تعالى عنه: ليس في  المفصل سجدة واحدة لقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -.
 (ولنا) حديث علي - رضي الله تعالى عنه: عزائم سجود القرآن أربعة التي في {الم} [السجدة: 1] {تنزيل} [السجدة: 2]  وحم السجدة وفي النجم واقرأ باسم ربك وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -  قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة والنجم بمكة فسجد  وسجد الناس معه المسلمون والمشركون إلا شيخا وضع كفا من التراب على جبهته  وقال: إن هذا يكفيني فلقيته قتل كافرا ببدر» وعن أبي هريرة - رضي الله  تعالى عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ {إذا السماء انشقت} [الانشقاق: 1] فسجد وسجد معه أصحابه».
 (قال): فإن تلا  آية السجدة راكبا أجزأه أن يومئ بها وقال بشر: لا يجزئه لأنها واجبة فلا  يجوز أداؤها على الدابة من غير عذر كالمنذورة فإن الراكب إذا نذر أن يصلي  ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر.
 (ولنا) أنه أداها  كما التزمها فتلاوته على الدابة شروع فيما تجب به السجدة فكان نظير من شرع  على الدابة في التطوع فكما تجوز هناك تجوز هاهنا بخلاف النذر فإنه ليس  بشروع في أداء الواجب فكان الوجوب بالنذر مطلقا فيقاس بما وجب بإيجاب الله  تعالى
 (قال): وإن تلاها  على الدابة فنزل ثم ركب وأداها بالإيماء جاز إلا على قول زفر - رضي الله  تعالى عنه - فإنه يقول: لما نزل وجب عليه أداؤها على الأرض فكأنه تلاها على  الأرض.
 (ولنا) أنه لو أداها قبل
 نزوله جاز فكذلك بعد ما نزل وركب لأنه يؤديها بالإيماء في الوجهين وهو نظير ما تقدم لو افتتح الصلاة في وقت مكروه
 (قال) ومن تلاها ماشيا لم يجز أن يومئ لها لأن السجدة ركن الصلاة فكما لا يصلي الماشي بالإيماء فكذلك لا يسجد بخلاف الراكب
 (قال) وإذا قرأها  في صلاته وهو في آخر السورة إلا آيات بقين بعدها فإن شاء ركع وإن شاء سجد  لها هكذا روي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - إنه كان إذا تلا آية  السجدة في الصلاة ركع ولأن المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع كما  يحصل بالسجود. واختلف مشايخنا في أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة أم السجود  بعده فمنهم من قال: الركوع أقرب إلى موضع التلاوة فهو الذي ينوب عنها  والأصح أن سجدة الصلاة تنوب عن سجدة التلاوة لأن المجانسة بينهما أظهر ولأن  الركوع افتتاح للسجود ولهذا لا يلزمه الركوع في الصلاة إن كان عاجزا عن  السجود وإنما ينوب ما هو الأصل.
 (قال) فإذا أراد  أن يركع بها ختم السورة ثم ركع ونوى هكذا فسره الحسن عن أبي حنيفة - رضي  الله تعالى عنهما - وإن أراد أن يسجد لها سجد عند الفراغ من آية السجدة ثم  يقوم فيتلو بقية السورة ثم يركع إن شاء وإن شاء وصل إليها سورة أخرى فهو  أحب إلي لأن الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث آيات فالأولى إذا قام من  سجوده أن يقرأ ثلاث آيات لكي لا يكون بانيا للركوع على السجود
 (قال) وإن كانت  السجدة عند ختم السورة فإن ركع لها فحسن وإن سجد لها ثم قام فلا بد أن يقرأ  آيات من سورة أخرى ثم يركع لكي لا يكون بانيا للركوع على السجود (قال)  فإن لم يفعل ولكنه كما رفع رأسه ركع أجزأه ويكره ذلك وإن كانت السجدة في  وسط السورة فينبغي أن يسجد لها ثم يقوم فيقرأ ما بقي ثم يركع وإن ركع في  موضع السجدة أجزأه وإن ختم السورة ثم ركع لم يجزئه ذلك عن السجدة نواها أو  لم ينوها لأنها صارت دينا عليه بفوات محل الأداء فلا ينوب الركوع عنها  بخلاف ما إذا ركع عندها فإنها ما صارت دينا بعد لبقاء محلها وبخلاف ما إذا  كانت قريبة من خاتمة السورة فإنها ما صارت دينا بعد حين لم يقرأ بعدها ما  يتم به سنة القراءة وهو نظير من أراد دخول مكة فعليه الإحرام فإن لم يحرم  ثم خرج من عامه ذلك وأحرم بحجة الإسلام ناب عما يلزمه لدخول مكة أيضا وإن  تحولت السنة ثم أحرم بحجة الإسلام لم يجزئه عما لزمه لدخول مكة لأنها صارت  دينا عليه بتحول السنة (قال) فإن أراد أن يركع بالسجدة بعينها فالقياس أن الركعة والسجدة في ذلك سواء وبالقياس
 نأخذ وفي  الاستحسان لا يجزئه إلا السجدة وتكلموا في موضع هذا القياس والاستحسان من  أصحابنا من قال مراده إذا تلاها في غير الصلاة وركع ففي القياس يجزئه لأن  الركوع والسجود يتقاربان قال الله تعالى {وخر راكعا وأناب} [ص: 24]  أي ساجدا ويقال: ركعت النخلة أي طأطأت رأسها والمقصود منهما الخضوع  والخشوع فينوب أحدهما عن الآخر كما في الصلاة وفي الاستحسان الركوع خارج  الصلاة ليس بقربة فلا ينوب عما هو قربة بخلاف الركوع في الصلاة وإلا ظهر أن  مراده من هذا القياس والاستحسان في الصلاة إذا ركع عند موضع السجدة في  الاستحسان لا يجزئه لأن سجدة التلاوة نظير سجدة الصلاة فكما أن إحدى  السجدتين في الصلاة لا تنوب عن الأخرى والركوع لا ينوب عنهما فكذلك لا ينوب  عن سجدة التلاوة وفي القياس يجوز التقارب بين الركوع والسجود فيما هو  المقصود وكل واحد منهما في الصلاة قربة وأخذنا بالقياس لأنه أقوى الوجهين  والقياس والاستحسان في الحقيقة قياسان وإنما يؤخذ بما يترجح بظهور أثره أو  قوة في جانب صحته.
 (قال): وإذا سلم  من صلاته وعليه سجدة التلاوة ولا يذكرها فقد ذكرنا أن هذا سلام السهو فلا  يخرج من الصلاة حتى لو اقتدى به إنسان جاز اقتداؤه ويسجدها الإمام إذا  ذكرها والمقتدي معه ثم يتشهد لأن عوده إلى السجدة ينقض القعدة.
 (قال) فإن تكلم  قبل أن يذكرها سقطت عنه لأن الكلام قاطع لحرمة الصلاة وما وجب بالتلاوة في  الصلاة كان من أعمال الصلاة فلا يؤدى بعد انقطاع حرمة الصلاة ولم تفسد  صلاته لأنها ليست من جملة الأركان
 (قال) وإن وجبت  عليه في غير الصلاة ثم ذكرها في الصلاة لم يقضها فيها لأنها ليست بصلاتية  وحرمة الصلاة تمنع من أداء ما ليس من أعمالها فيها وكذلك إن سمعها في صلاته  ممن ليس معه في الصلاة لم يسجدها فيها لأنها ليست بصلاتية فإن سببها تلاوة  في غير الصلاة فلا يؤديها حتى يفرغ منها وإن سجدها فيها لم تجزئه لأنه  أداها قبل وقتها ولا تفسد صلاته إلا في رواية محمد - رحمه الله تعالى - وقد  بيناه فيما تقدم
 (قال) فإن سجد  للتلاوة لغير القبلة فإن كان عالما لم يجزئه وإن كان جاهلا أجزأه يعني إذا  اشتبهت عليه القبلة فتحرى وسجد إلى جهة وقد بينا أن الصلاة بالتحري تجوز  إلى غير القبلة فالسجدة أولى. وإن ضحك فيها أعادها كما لو تكلم ولم يعد  الوضوء لأن الضحك عرف حدثا بالأثر وإنما ورد الأثر في صلاة مطلقة وهذه ليست  بصلاة مطلقة وكانت قياس
 صلاة الجنازة.
 (قال) ولا ينبغي  للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها بالقرآن لأنه لو فعل  ذلك وسجد لها اشتبه على القوم فيظنون أنه غلط فقدم السجود على الركوع وفيه  من الفتنة ما لا يخفى فإن قرأ بها سجد لها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة  وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله  تعالى عنه - قال «سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الظهر  فظننا أنه قرأ {الم} [السجدة: 1] {تنزيل} [السجدة: 2] السجدة»
 (قال) ويكبر لسجدة التلاوة وإذا سجد وإذا رفع رأسه كما في سجدة الصلاة
 (قال) ولا يسلم فيها لأن السلام للتحليل عن التحريمة وليس فيها تحريمة
 ولم يذكر ماذا يقول في سجوده والأصح أنه يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة وبعض المتأخرين استحسن أن يقول فيها {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} [الإسراء: 108] لقوله تعالى {يخرون للأذقان سجدا} [الإسراء: 107] الآية واستحسن أيضا أن يقوم فيسجد لأن الخرور سقوط من القيام والقرآن ورد به فإن لم يفعل لم يضره
 (قال) رجل قرأ  آية السجدة خلف الإمام فسمعها الإمام والقوم فليس على أحد منهم أن يسجدها  في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله  تعالى وقال محمد - رحمه الله تعالى - يسجدون إذا فرغوا من صلاتهم أما في  الصلاة لا يسجدون لأنه لو سجدها التالي وتابعه الإمام انقلب المتبوع تابعا  وإن لم يتابعه الإمام كان هو مخالفا لإمامه وإن سجدها الإمام وتابعه التالي  كان هذا خلاف موضوع السجدة فإن التالي المعتد به إمام السامعين وأما بعد  الفراغ فمحمد - رحمه الله تعالى - يقول السبب الموجب للسجدة في حقهم قد وجب  وهو التلاوة والسماع وحرمة الصلاة منعت الأداء فيها فيسجدون بعد الفراغ  كما لو سمعوا من رجل ليس معهم في الصلاة وليس في هذا أكثر من أن المقتدي  ممنوع من القراءة خلف الإمام وهذا لا يمنع وجوب السجدة بتلاوته كالجنب إذا  تلاها ولهما حرفان. الأول أن الإمام يحمل عن المقتدي فرضا كما يحمل عنه  موجب السهو ثم سهو المقتدي يتعطل فكذلك تلاوته. والثاني أن هذه السجدة  صلاتية لأن سببها تلاوة من يشاركهم في الصلاة والصلاتية إذا لم تؤد في  الصلاة لا تؤدى بعد الفراغ منها كما لو تلاها الإمام ولم يسجد في الصلاة  بخلاف ما إذا سمعوا ممن ليس معهم في الصلاة لأنها ليست بصلاتية ألا ترى أن  المقتدي إذا فتح على إمامه لم تفسد به الصلاة ومن ليس معه في الصلاة إذا  فتح على المصلي فسدت صلاته وبه يتضح الفرق وليس هذا كقراءة الجنب لأنه غير  ممنوع من قراءة
 القرآن الموجب  للسجدة وهو ما دون الآية بخلاف المقتدي ولأن الجنب ممنوع عن القراءة غير  مولى عليه والمقتدي مولى عليه في التصرف لا يتعلق بتصرفه حكم
 (قال) وإذا سمعها  من الإمام من ليس معهم في الصلاة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب وهو السماع  فإن دخل مع الإمام في صلاته فإن كان الإمام لم يسجدها بعد سجدها والداخل  معه كما لو كان في صلاته عند القراءة وإن كان الإمام قد سجدها سقطت عن  الرجل لأنه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة إذ يكون مخالفا لإمامه ولا يمكنه  أن يسجدها بعد الفراغ لأنها صلاتية في حقه كما هي في حق الإمام فإنه شريك  الإمام فيها والصلاتية لا تؤدى بعد الفراغ منها. وفي الأصل بعد ذكر هذه  المسألة قال: ألا ترى لو أن رجلا افتتح الصلاة مع الإمام وهو ينوي التطوع  والإمام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها فإن دخل معه فيها ينوي صلاة أخرى  تطوعا فصلاها معه لم يكن عليه قضاء شيء وهذه المسألة مبتدأة وهي على ثلاثة  أوجه إما أن ينوي قضاء الأولى أو لم يكن له نية أو نوى صلاة أخرى ففي  الوجهين الأولين عندنا سقط عنه ما لزمه بالإفساد وقال زفر - رضي الله تعالى  عنه: لا يسقط لأن ما لزمه بالإفساد صار دينا كالمنذورة فلا بد أن يتأدى  خلف الإمام حين يصلي صلاة أخرى ولكنا نقول: لو أتمها حين شرع فيها لم يلزمه  شيء آخر فكذلك إذا أتمها بالشروع الثاني لأنه ما التزم بالشروع إلا أداء  هذه الصلاة مع الإمام وقد أداها فإن كان قد نوى تطوعا آخر فقد قال ههنا  ينوب عما لزمه بالإفساد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رضي الله تعالى  عنهما - وفي زيادات الزيادات قال: لا ينوب وهو قول أبي محمد - رضي الله  تعالى عنه -. ووجهه أنه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا في ذمته  بالإفساد فلا ينوب هذا المؤدى عنه بخلاف الأول، وجه قولهما أنه ما التزم في  المرتين إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام وقد أداها.
 (قال): فإن قرأها  المصلي وسمعها أيضا من أجنبي أجزأه سجدة واحدة وروى ابن سماعة عن محمد  رحمهما الله تعالى أنه قال: لا تجزئه لأن السماعية ليست بصلاتية والتي  أداها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية وجه ظاهر الرواية أنه أدى ما لزمه  بالتلاوة وهو أقوى من السماعية لأن لها حرمتين حرمة التلاوة لها وحرمة  الصلاة وللسماعية حرمة واحدة والقوي ينوب عن الضعيف ولو استويا ناب أحدهما  عن الثاني فلأن ينوب القوي عن الضعيف كان أولى
 (قال): وإن تلاها في الصلاة وسجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد
 إلى مكانه وبنى  على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك السجدة فعلى هذا المصلي أن يسجدها إذا  فرغ من صلاته لأن بذهابه ورجوعه تجدد له مجلس آخر مما لا يكون من صلاته  والسماعية ليست من صلاته فيجعل في حقها كأنه لم يكن في الصلاة ومن ليس في  الصلاة إذا سمع وسجد ثم ذهب فتوضأ ثم عاد وسمع فعليه سجدة أخرى
 (قال): وإن قرأها  في غير الصلاة وسجد ثم افتتح الصلاة في مكانه فقرأها فعليه سجدة أخرى لأن  التي وجبت للتلاوة في الصلاة صلاتية فلا تنوب عنها المؤداة قبل الشروع في  الصلاة لأنها أضعف وإن لم يكن سجد أولا حتى شرع في الصلاة في مكانه فقرأها  فسجد أجزأته عنهما في ظاهر الرواية وفي رواية ابن سماعة عن محمد رحمهما  الله تعالى وهو إحدى روايتي نوادر الصلاة لا تجزئه عن الأولى ووجهه أنه لا  يمكن إدخال الثانية في الأولى لأنها أقوى ولا يمكن إدخال الأولى في الثانية  لأنه خلاف موضوع التداخل فلا بد من اعتبار كل واحدة منهما على حدة  الصلاتية تؤدى في الصلاة وغير الصلاتية وهي الأولى تؤدى بعد الفراغ منها  ووجه ظاهر الرواية أن السبب واحد فإن المتلو آية واحدة والمكان واحد  والمؤداة أكمل من الأولى لأن لها حرمتين ولو كانت مثل الأولى لنابت عنها  فإذا كانت أكمل من الأولى فأولى أن تنوب عنها
 (قال): رجل قرأ  آية السجدة فسجدها ثم قرأها ثانية بعد ما أطال القعود أجزأته السجدة الأولى  لأنه لم يشتغل بين التلاوتين بعمل يقطع به المجلس وباتحاد المجلس يتحد  السبب فإن أكل أو نام مضطجعا أو أخذ في بيع أو شراء أو عمل يعرف إنه قطع  لما كان قبل ذلك ثم قرأ فعليه سجدة أخرى لأن المجلس يتبدل بهذه الأعمال ألا  ترى أن القوم يجلسون لدرس العلوم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ثم يشتغلون  بالأكل فيصير مجلس الأكل ثم يقتتلون فيصير مجلسهم مجلس القتال وصار تبدل  المجلس بهذه الأعمال كتبدله بالذهاب والرجوع.
 (قال) وإن نام  قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملا يسيرا ثم قرأها فليس عليه أخرى  لأن بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى  لبقائه في مكانه حقيقة ولكنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا  عملت عملا كثيرا خرج الأمر من يدها وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكلت  لقمة أو شربت شربة.
 (قال) وإن قرأ  بعدها سورة طويلة ثم أعاد قراءة تلك السجدة لم يكن عليه أن يسجدها لأن  مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن فإن قراءة القرآن من السجود فباتحاد المجلس  يتحد السبب
  
__________________  سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك  فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى. 
 |