عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 12-10-2025, 11:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,137
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ


عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

الحديث 38: «من عادى لي وليًّا...»



عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبةالأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه»[1].

عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، يبين طريق نيل محبة الله تعالى وولايته بأداء الفرائض والتقرُّب إليه بالنوافل، إلى جانب فوائد أخرى.


فما هي بعض الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- من هم أولياء الله؟ وما واجبنا نحوهم؟ ولي الله هو كل مؤمن ومؤمنة تقي وتقية، قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾[يونس: 62، 63]. فيستطيع كل واحد منا أن يكون وليًّا لله بشرط تحقيق الإيمان والتقوى. والولاية غير محصورة في أشخاص بعينهم؛ بل قد يكونون من الأخفياء الأتقياء الأصفياء الذين لا يتفطن لهم أحد، وقد يكونون شُعْثًا غُبْرًا، لو أقسموا على الله لأبرَّهم. والناس يتفاوتون في هذه الولاية بحسب إيمانهم وتقواهم وأعمالهم الصالحة، ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾[المطففين: 26]، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

فالظالمون لأنفسهم: هم المفرطون في بعض الواجبات، المرتكبون لبعض المحرمات؛ مثلًا: شخص يرتكب الكبائر؛ كالزنا وشرب الخمر، ولكنه لا يجحد بالله ولا ينكر وجوده.


والمقتصدون: هم الذين يؤدون الفرائض ويجتنبون المحرمات، لكنهم يتركون المستحبات، ويقعون في بعض المكروهات؛ مثلًا: شخص يصلي ويصوم ويؤدي الزكاة، ولكنه لا يحرص على النوافل كصوم الاثنين والخميس، ولا يسعى لخدمة الناس.


والسابقون بالخيرات: يقومون بالواجبات والمستحبَّات، ويتركون المحرَّمات والمكروهات.


مثلًا: شخص لا يكتفي بأداء الفرائض، بل يسارع إلى فعل الخيرات، ويجتهد في طلب العلم، وينفق في سبيل الله، ويخدم المجتمع.


فهؤلاء جميعًا أولياء لله، لكنهم متفاوتون في هذه الولاية، وأفضلهم على الإطلاق: الأنبياء ثم الصدِّيقون ثم الشهداء ثم الصالحون من الناس، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70]. فاجتهدوا في نيل أعلى مراتب ولاية الله، تفوزوا وتسعدوا.

وينبغي عدم إيذاء أي مسلم؛ لأن الله يتولَّاه ويحرسه ويحفظه بمقدار حفظه لله، وعاقبة الاعتداء على أوليائه وخيمة؛ كما في الحديث الذي بين أيدينا: «إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب". والمسلمون اليوم إذ تأخر عنهم نصر الله، ويعيشون عيشة الذل بين الأمم، وتداعوا عليهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عليهم مراجعة ولايتهم وارتباطهم بربهم، وابتعادهم عن شريعته، فإذا تصالحوا مع ربهم جاءهم النصر، وقد تكون عليهم جولات ابتلاء لهم، ولكن العاقبة للمتقين.

فاللهم اجعلنا من أوليائك ومن عبادك الصالحين، وأعِزَّ جندك، وانصر أولياءك، فإنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت. وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
عباد الله، من المستفادات في هذا الحديث أيضًا:
2- أسباب نيل ولاية الله تعالى ومحبته: ومن ذلك في الحديث القدسي:
أداء الفرائض: لقوله تعالى في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه». وسبق أن رأينا في الحديث الثلاثين من الأربعين قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تُضيِّعوها...»[2]. فأولياء الله يتقربون إليه أولًا بالفرائض، فالميزان عندهم ميزان صحيح، يحترمون الأولويات. فالعجب ممن يحرص على صلاة التراويح في رمضان- على أهميتها وأجرها- ويحرصون على قيام الليل، مع ما فيه من الفضل، ولكن تجدهم يهملون القيام لصلاة الفجر، أو يتركون الحضور لصلاة الجماعة في المسجد. فهؤلاء يحرصون على النفل، ويُضيِّعون الفرائض، فعكسوا ميزان الأولويات.


ومثاله كذلك في واقعنا: الذي يتصدَّق ببعض ماله على الفقراء تطوعًا، ويظن المسكين أنه بهذا أخرج زكاة ماله المفروضة عليه، فالزكاة لها مقدار محدد، عليه أن يحصي أمواله، فإذا بلغت النصاب وحال عليها الحول (العام)، أخرج منها ربع العشر أو العشر أو نصف العشر، بحسب نوع المال المزكَّى. وهذا الذي يجب عليه أولًا، فإذا أدى ما عليه، تطوَّع بعد ذلك، وفي المال حق غير الزكاة.


ومثاله كذلك في واقعنا؛ الذي ينفق بسخاء على أصدقائه ومع الفقراء من غير قرابته، وهذا شيء جميل ما لم يخرج عن حد الاعتدال إلى الإسراف، لكن المشكلة أنه يبخل ويكون شحيحًا مع زوجته وأبنائه، مع أن الإنفاق عليهم واجب، قال صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته»[3].

التقرُّب إلى الله بالنوافل: لقوله تعالى في الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه». فاجتهدوا في صلاة النوافل؛ كالسنن الرواتب وقيام الليل، واجتهدوا في صيام النوافل؛ كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، واجتهدوا في صدقات التطوُّع ومساعدة المحتاجين، وغيرها من الأعمال الصالحة.


3- نتائج وآثار نيل ولاية الله تعالى: قال تعالى في الحديث القدسي: «فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجْله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنه». يعني أن الله يكون مسددًا له في هذه الأعضاء الأربعة؛ يسدده في سمعه، فلا يسمع إلا ما يرضي الله. ويسدده في بصره، فلا ينظر إلا إلى ما يحب الله النظر إليه، ولا ينظر إلى المحرم. ويسدده في يده، فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله. ويسدده في رجله، فلا يمشي إلا إلى ما يرضي الله. ولا يسعى إلا إلى ما فيه الخير.


قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 62 - 64].

فاللهم اهدنا وسددنا، هدايةً للطريق المستقيم، وسدادًا للسهم. آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 6502.

[2] رواه الدارقطني، رقم: 4396. وحسنه شعيب الأرناؤوط في تخريجه لرياض الصالحين، رقم: 1832. وضعَّفه الألباني في تحقيقه لرياض الصالحين، رقم: 1841.

[3] رواه مسلم، رقم: 996.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.68%)]