شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب اللعان)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (472)
صـــــ(1) إلى صــ(11)
شرح زاد المستقنع - كتاب العدد [6]
هناك مسائل كثيرة تلحق بباب العدة: وهي مسائل تتعلق بدخول عدة في عدة، ودخول النكاح في العدة، والوطء في العدة بنكاح فاسد أو شبهة أو زنا، وغيرها من المسائل والأحكام.
عدة المرأة المطلقة من زوجها الغائب أو وفاته عنها وهي لا تعلم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [فصل] .
هذا الفصل يشتمل على جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بدخول عدة في عدة، ودخول النكاح في العدة، وما الحكم إذا وطئ رجل امرأة وهي في عدتها؟ وهذا الفصل مهم جدا؛ لأنه قد يحصل الخطأ فيقع الوطء بالشبهة، وقد يقع الوطء في نكاح فاسد، وللمرأة في كل حال عدتها، ومن هنا يرد
السؤال هل العدة الأولى تلغى ثم تستأنف وتعتد من جديد، أم أنها تنقطع عن هذا النكاح الفاسد ثم بعد ذلك تبني على العدة؟! أي: تنقطع العدة بدخول النكاح الفاسد ثم يفرق بينهما -يعني: بين الزوج والزوجة المعتدة- ثم تبني على عدتها القديمة؟ قال رحمه الله: [ومن مات زوجها الغائب أو طلقها: اعتدت منذ الفرقة وإن لم تحد] من هنا أتانا العلماء والأئمة -رحمهم الله- ببيان حكم هذه المسألة، وصدر المصنف رحمه الله هذا الفصل بمسألة أخرى مهد بها للكلام على ما ذكرناه من المسائل، وهي مسألة: طلاق المرأة من زوجها الغائب، أو وفاة زوجها عنها، ولا تعلم بالوفاة ولا بالطلاق إلا بعد مضي المدة، فالسؤال: هل تحتسب عدة الوفاة من حصول الوفاة الحقيقية، أم أنها تحتسب عدة الوفاة منذ بلوغها الخبر، حيث تبدأ وتشرع في العدة؟ قد بين -رحمه الله- أن من مات عنها زوجها الغائب ولم تعلم بوفاته فإنها تعتد من حين الوفاة، فلو وقعت الوفاة في أول شهر محرم ثم مضت مدة العدة أربعة أشهر وعشرا، وعلمت بعد مضي هذه المدة، فقد خرجت من عدة الوفاة.
إذا: كونه بلغها الخبر متأخرا، أو بلغها أثناء عدة الوفاة، كأن يمضي شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر، سواء مضى أكثر العدة، أو نصف عدة الوفاة، أو أقل عدة الوفاة، فالحكم واحد، وتحتسب عدتها من اليوم الذي مات فيه، وفي هذه المسألة مذهبان، ومذهب جمهور العلماء رحمهم الله: أنها تبتدئ بيوم الوفاة وتعتد بيوم الوفاة، حتى ولو بلغها الخبر بعد تمام عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، فإنه يحكم بكونها قد خرجت من العدة.
المسألة الثانية المفرعة على هذا الحكم، وهي: أن يطلقها زوجها، ثم يكتمها الطلاق ولا يراجعها حتى تخرج من عدتها، أو يطلقها زوجها ثم يكتب لها الكتاب وهو في قرية أو مدينة بعيدة ولا يصل إليها الكتاب إلا بعد مضي ثلاث حيضات -على القول بأن عدة المطلقة بالحيضات، أو ثلاثة أطهار على القول بأن عدة المطلقة بالأطهار- فيحكم بخروجها من عدة الطلاق، وعلى كل حال: سواء مضت عدة الطلاق أو الوفاة كاملة، أو مضى بعضها وهو الأكثر أو الأقل أو في منتصف الوقت علمت فالحكم في جميع هذه الصور واحد، وقالوا: إن العبرة في العدة أن يحصل الاستبراء وقد حصل؛ لأنه مضت مدة بعد الطلاق ولم يجامعها فيها زوجها، وحصل الاستبراء وخلو الرحم، فمقصود الشرع من العدة موجود، وقالوا: هي معتدة محكوم بكونها في حداد وإن لم تحد حقيقة، فهناك شيء يسمونه: الحكمي والحقيقي، وقد تقدم معنا غير مرة، فهي في عدة الوفاة حكما لا حقيقة، لأنها لم تنو ولم تقصد، ولكن يحكم وكأنها اعتدت عدة الوفاة، قالوا: وعذرت لعدم علمها وجهلها بوفاة زوجها، وقال بعض العلماء: إن العدة لها معنى تعبدي، وأن مقصود الشرع أن تتعبد وتتقرب إلى الله، وكنت أرجح هذا القول سابقا وأفتي به في بعض المسائل، ولكن تبين لي رجحان مذهب الجمهور، وأن العبرة في عدة الطلاق بحين صدور الطلاق سواء بلغها الخبر بعد انتهاء العدة أو قبل انتهائها.
فائدة الخلاف: مثلا: طلقها محمد ووقع طلاقه في أول محرم، ومضت حيضتان، وعلمت في الحيضة الثالثة، فمن حقه أن يراجعها -بلا إشكال- لأنها إذا علمت قبل الحيضة الثالثة، في هذه الحالة لو راجعها عند الجميع زوجها، وهذا في الطلقة الأولى والطلقة الرجعية، لكن الإشكال ومحل الخلاف: أنه لو طلقها، فمضت الثلاث الحيضات، ثم علمت بعد مضي الثلاث الحيضات فعلى القول الثاني المرجوح استأنفت وحل له أن يراجعها، لأنها لم تتم العدة على قول الجمهور يحكم بأنها خلو، وخرجت من عصمة زوجها، وهو القول الأول الراجح، وحينئذ لا بد وأن يعقد عليها من جديد إن بقيت له طلقات. عدة الموطوءة بشبهة زنا أو بعقد فاسد
قال رحمه الله: [وعدة موطوءة بشبهة أو زنا أو بعقد فاسد كمطلقة] ، (وعدة موطوءة بشبهة) امرأة أخطأ رجل فظنها زوجة له، فوطئها وكانت تظنه زوجا لها، أو حصلت الشبهة، وقد تقع الشبهة من الطرفين وقد تقع من طرف دون الآخر، فيكون الوطء لشبهة بالنسبة للطرفين، وكل منهما يظن أنه زوجه -الزوجة تظن أنه زوج، والزوج يظن أنها زوجة- فوطئها وتبين أنها ليست زوجته وأنه ليس بزوجها، ففي هذه الحالة يسمى: وطء الشبهة، أي: أن الأمر اشتبه وظنها زوجة له أو ظنها حلالا؛ لأن الشبهة تشمل الاشتباه بكونها زوجة له، والاشتباه بأنها حلال، والتي هي شبهة الحكم وشبهة المحل، ففي هذه الحالة إذا وطئ تكون الشبهة من الطرفين، وقد تكون من أحدهما دون الآخر، مثلا -والعياذ بالله- يأتي الرجل الفاجر يخدع المرأة وتظنه زوجا لها، ويأتيها موهما أنه زوجها، وليس بزوجها، فالشبهة الآن للمرأة، وهو في هذه الحالة لبس عليها والتبس عليها الأمر، فإذا وقع عليها هذا الوطء، فالمرأة في عصمة الزوج الأول، وهذا الوطء يختلط فيه ماء الرجل الثاني بماء الرجل الأول، فإن كانت المرأة بعد طهرها ولم يجامعها زوجها الأول، فلا بد وأن تعتد عدة الطلاق، حتى نتحقق من أن الرحم لم يحصل فيه ذلك الماء بالحمل، يعني: لم ينتج عنه حمل، وحينئذ تتحقق براءة الرحم وسلامته.
و (أو زنا) أما بالنسبة للزنا -والعياذ بالله- لو أن المرأة أكرهت على الزنا، فزنت ثم أرادت أن تتزوج، فنقول: لا يحق لك أن تتزوجي حتى يحصل الاستبراء للرحم، وحتى تحصل العدة بعد الوطء المحرم، فتعتد عدة الطلاق، وهذا تقدم معنا، وسيأتينا إن شاء الله، وتقدم معنا في موانع النكاح الإشارة إلى هذا، وهو أن الزانية لا يجوز نكاحها ولا يحق للمسلم أن يتزوجها إلا بشرطين: الشرط الأول: توبتها من الزنا، والشرط الثاني: أن تعتد.
يعني: يتبين لنا براءة رحمها عن طريق العدة، وهنا يرد
السؤال هل يحصل الاستبراء بحيضة أو حيضتين أو بعدة الطلاق؟ قالوا: إنها تعتد بعدة الطلاق سواء بسواء، على التفصيل الذي مضى معنا في عدة الطلاق.
بناء على ذلك: -مثلا- لو أن امرأة خانت زوجها -والعياذ بالله- وزنت، فلا يجوز لزوجها أن يأتيها بعد هذا الزنا، حتى تقع العدة وتكون كعدة الطلاق، أو تستبرئ عند من يقول: إنه يكفي فيه الاستبراء.
إذا: لا بد من العدة صيانة للفروج، وصيانة للحلال عن الحرام حتى لا يختلط، لأن الله عز وجل جعل للحلال حكما وللحرام حكما، ولا يجوز الخلط بينهما، ويجب على المسلم أن يسلم لأوامر الله سبحانه وشرعه، فما كان حلالا من الأولاد من وطء النكاح له حكمه، وما كان من الأولاد من زنا وسفاح -من حرام وبغي- فإنه يفصل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا الواجب هو تمييز الحلال من الحرام. بناء العدة على العدة
قال رحمه الله: [وإن وطئت معتدة بشبهة أو نكاح فاسد، فرق بينهما وأتمت عدة الأول، ولا يحتسب منها مقامها عند الثاني، ثم اعتدت للثاني، وتحل له بعقد بعد انقضاء العدتين] : (وإن وطئت معتدة بشبهة) امرأة في عدتها من الطلاق، طلقها زيد فجلست تعتد، فجاء رجل وجامعها يظنها زوجة له على وطء شبهة، ففي هذه الحالة يرد السؤال -ونحن قد أثبتنا أن للطلاق الشرعي عدة، وللوطء بشبهة عدة، وللوطء المحرم عدة، فإذا دخلت العدد على بعضها كما ذكرنا في صدر الفصل- ما الحكم؟!! في هذه الحالة حينما اعتدت من زوجها الأول، ومضى الثلث منها كحيضة، ثم حصل وطء الشبهة بعد مضي الحيضة الأولى، وقبل الحيضة الثانية، فالحيضة الثانية في هذه الحالة ستأتي بعد وطء الشبهة فلا تحتسب من حيضة الأول، ويفرق بينهما، هذا بالنسبة لوطء الشبهة.
ويلحق ذلك ما ذكره -رحمة الله- بقوله: (أو نكاح فاسد) ، وطئها في نكاح فاسد مثل نكاح الشغار، نكح امرأة شغارا وهي في عدتها فما الحكم؟! (فرق بينهما) ، يعني: فرق بين الواطئ والموطوء -المعتدة- وهذا الحكم الأول أن يفرق بينهما.
(وأتمت عدة الأول)، إذا حصل فراق حكمنا بأنها تبني على ما مضى من عدة الأول، إذا: يفرق بين الواطئ للشبهة وبين موطوءته، ويفرق بين الواطئ والموطوءة بالنكاح الفاسد -هذا الحكم الأول- فلا يجمع بينهما، وهذا لأجل استبراء الرحم من عدتين، وبعد الفراق تبتدئ بالعدة الأولى، فقلنا: إنه مضت حيضة، فتستقبل الحيضة الثالثة في هذه الحالة، وتتبعها للعدة الأولى، لأن الوطء فصل بين جزئي العدة.
قوله: (وما يحتسب منها مقامها عند الثاني) ، يعني: مثلا: إذا فرضنا أن عدتها بالأشهر، فلا تحسب المدة التي مكثتها عند الثاني، مثلا: لو كانت تعتد فمضى شهر، ثم عقد عليها الثاني بنكاح فاسد -ينتبه لهذه المسألة- فلا تزال في عدة الأول حتى يطأها الثاني، أي: أن النكاح وحده لا يكفي بل لا بد من وجود الوطء، فيحدث الخلل بدخول الثاني على الأول إذا حدث جماع ودخول، لكن لو أنه عقد ثم تبين له أن العقد فاسد، ألغي العقد واستمرت على عدتها، مثلا: كانت تعتد بالأشهر فاعتدت شهر محرم ثم عقد عليها عقدا فاسدا في أول صفر، ثم منع من هذا العقد الفاسد وتبين له، ولم يمكن من الدخول، فحينئذ تبني على أنها لا تزال في عدتها، وتحتسب أيام صفر من عدتها، حتى ولو كانت تجلس معه ولم يحدث جماع، يعني: تختلي معه وتظن أن هذا جائز لها، ثم تبين أنه لا يجوز، فهذه المدة تحتسب من العدة، فتبني على الأشهر التي مضت من عدتها.
(ثم اعتدت للثاني) إذا: تبني على عدة زوجها الأول ودخول وطء الثاني يمنع، فإذا فرق بينهما بني على عدة الأول؛ لأن الأصل مستصحب وتحل له بعقد بعد انقضاء العدتين.
قلنا: إن الحكم أنه يفرق بينهما، وهذا الإشكال فيه، متى؟! إذا حدث الوطء، وأما إذا فرق بينهما قبل الوطء، فحينئذ لا إشكال أن العدة سارية ويحتسب فيها المدة التي مكثتها عند الثاني، ما دام أنه لم يقع جماع، فلا يؤثر عقد الثاني إلا بالجماع كما ذكرنا.
الحكم الثاني: تتم عدتها من الأول، وهذا الذي يسمى: البناء، يعني: تبني على عدة الأول، ولو مضى من عدة الأول شهر ووقعت هذه الحادثة في الشهر الثاني، ثم حصل فراق بعد منتصف الشهر الثاني، فإذا حصل جماع، فبمجرد فراقه تبتدئ من النصف الثاني، لكن إذا لم يحدث جماع، فكأنه لم يحدث شيء.
إذا: إذا دخل الثاني بنكاح شبهة أو بنكاح فاسد، فنقول: لا يخلو الأمر من حالتين: إما أن يعقد ويدخل، وإما أن يعقد ولا يدخل، فإن عقد ولم يدخل فغير مؤثر، وهي مستمرة في عدتها، وإن عقد ودخل، فإنها في هذه الحالة تقطع المدة التي قضتها معه ولا تحتسبها، ثم تستأنف بعد فراقه لها، فإذا فارقها -مثلا- بعد الحيضة الثانية، ففي هذه الحالة تحتسب الحيضة الثالثة، ولو فارقها قبل الحيضة الثانية، فإن الحيضة الثانية تحتسب للأول، وهذا ما يسمى بالبناء، بناء العدة، أي: تبني على عدة الأول ولا تهدمها، لأن منهم من يقول: تقطع، وهذا ما يسمى بالاستئناف، ومنهم من يقول: تبني على عدة الأول، وهذا ما يسمى بالبناء، وهو مذهب الجمهور.
قال رحمه الله: [وإن تزوجت في عدتها لم تنقطع حتى يدخل بها] : (وإن تزوجت في عدتها) تزوجت رجلا في عدتها، والمرأة أثناء العدة لا يجوز أن يعقد عليها أحد، ولا أن يدخل بها، وهذا حكم مجمع عليه بين أهل العلم رحمة الله عليهم؛ فإن الله تعالى شرع العدة لحق الزوج الأول، وحقه مستصحب حتى تتم هذا الحق، وتتم العدة الثانية.
(وإن تزوجت في عدتها) منهم من يخص ذلك بالنكاح الصحيح، ومنهم من يلغيه، لكن في الصور التي ذكرنا يستقيم الحكم، فإذا تزوجت بنكاح صحيح، أي: ظاهره الصحة، في أثناء عدة الأول، فما الحكم؟! قالوا: فيه تفصيل على الصورة التي ذكرناها: إن عقد ولم يدخل لم يؤثر، وإن عقد ودخل فإن هذا الدخول يقطع المدة التي مكثتها بعد دخوله بها، وما بين دخوله وفراقه هذا لا يحتسب، وفراقه: يعني: التفريق بينهما، ولا يحكم بكونه تابعا للعدة الأولى، فلو جلست معه شهرين سقطت الشهران من العدة، وبنت من قبل الشهرين، وهكذا لو كانت من ذوات الحيض، كما تقدم معنا.
قال رحمه الله: [فإذا فارقها بنت العدة من الأول، ثم استأنفت العدة من الثاني] ، عندنا عدتان: عدة قطعت، وعدة تأتي مستقيمة تامة، فالعدة التي قطعت هي عدة الزوج الأول، لأن الناكح الثاني والعاقد الثاني قد جار وظلم في حق الزوج الأول، أما إذا كان مستحيلا فهذا ما فيه إشكال أنه زنا، إذ لا يجوز نكاح المرأة في عدتها والعقد عليها، فهذا تلاعب بشرع الله عز وجل، واستهزاء بحكمه، لكن قد يقع في بعض الأحيان وتقع بعض الشبهات، وقد تخدع المرأة الرجل، وقد تجهل المرأة، ويقع هذا في بيئة ليس فيها علماء، ويجهلون الأحكام الشرعية، فيعقد للمرأة وهي في عدتها، يعقد لها أبوها أو أخوها، وهو يظن أن هذا حلال، ثم يزوجها وهي لا زالت في عدة الأول، يعني: لا زالت في عصمة زوجها الأول، وقد بينا أن المطلقة طلاقا رجعيا في حكم الزوجة.
قال رحمه الله: [وإن أتت بولد من أحدهما، انقضت منه عدتها به، ثم اعتدت للآخر] : (وإن أتت بولد من أحدهما، أنقضت منه عدتها به) : إذا كان الثاني عقد عليها ودخل بها، وهي حامل من الأول، فمعنى ذلك: أنه قد دخل أثناء عدة الأول التي ينبغي أن تقيد بالحمل، وتعرفون أن الحامل عدتها -كما تقدم معنا تفصيله- وضع الحمل، ففي هذه الحالة، هل يكون الولد للأول أو للثاني؟!! الولد للأول، ونحكم بكونها لا زالت في عدة الأول، ولا يحكم بخروجها، ويفرق بين الثاني وبينها، ثم تنتظر حتى تضع ولد الأول، لتخرج من عدته، لأن الولد ولده، فالحمل إذا وقع في تداخل العدتين، ينظر لمن هذا الحمل، فإن كان الحمل للأول، فحينئذ لا إشكال، وننتظر حتى تضع الحمل، وبمجرد وضعها للحمل تخرج من عدة الأول لا الثاني، لأن الولد ليس بولده، وإن كان الولد للثاني، مثل: أن تعتد من الأول وتكون -مثلا- صغيرة، ثم بعد ذلك يظهر بلوغها، ويطؤها الثاني بعد البلوغ، ويتبين حملها -أحيانا بفارق المدة على الضابط الذي ذكرناه في نسبة الولد- فإذا مضت المدة أو كان الوطء من الثاني بعد الحيض، علمنا أن الحمل للثاني لا الأول، وإذا كان الحمل للثاني فهنا مشكلة ما الحل؟! قالوا: نحتسب العدة للثاني، وتنتظر حتى تضع هذا الولد، فإذا وضعت هذا الولد خرجت من عدة الثاني، ثم بنت على عدة الأول، فلو كان عدة الأول -مثلا- مضى عليها شهر، تصبح المسألة المشهورة: (تداخل عدة الحيض مع عدة الأشهر) فعند بعض العلماء أنها إن كانت صغيرة أثناء عدتها من الأول وحصل أنه دخل بها ثم طلقها، واعتدت فالشهر الأول بمثابة الحيضة، فإن جاءها الحيض بعد ذلك، بنت ولم تستأنف، فعلى هذا المذهب يرون أنها تبني يحيضتين؛ لأن كل شهر يقوم مقام حيضة واحدة، فنقول لها: انتظري حتى تضعي ولد الرجل الثاني فتخرجين من عدته، ثم تبني على عدة الأول، كالحال فيما إذا عقد ودخل، فقطع عقده المصحوب بالدخول عدة الأول فتستأنف بعد ذلك، فيكون هذا الولد مع وضعه بمثابة العقد مع هذا الدخول، فإنه لا تحتسب مدة هذا الحمل والوضع من عدة الأول، وإنما هي من عدة الثاني؛ لأن الولد ولده.
قال رحمه الله: [ومن وطئ معتدته البائن للشبهة، استأنفت العدة بوطئه ودخلت فيها بقية الأولى] .
(ومن وطء معتدته البائن للشبهة) المرأة إذا طلقها الرجل ثلاثا لا يحل لها وطؤها.
وصورة المسألة: إذا طلق امرأة فبانت منه، ففي هذه الحالة لا يجوز له أن يجامعها أو أن يعاملها كالزوجة الرجعية، ولو أنه وطئها وهي بائن، فالأصل يقتضي أنه لا يجوز له الوطء، فأصبحت عندنا عدتان على الأصل: يصبح وطؤه لمرأته البائن كوطء الأجنبي أثناء عدته هو، لأنه هو كالأجنبي، فإذا طلقها طلاقا بائنا -ثلاثا- فقد بانت منه، وفي هذه الحالة لو حصل وطء فقد حصل منه خلل ويكون هو والأجنبي على حد سواء، ولا يفصل فيه، وإذا كان الولد ولده فالأمر أخف.
(استأنفت العدة بوطئه)، قال بعض العلماء: تتداخل العدتان، وفي هذه الحالة حكمنا أنه في حكم الأجنبي، ويقولون: إنه في حكم الأجنبي من وجه، وفي حكم الرجل الواحد من وجه آخر، فيكون في حكم الأجنبي من وجه لأننا استأنفنا العدة.
فالآن عندنا صورتان: إذا كان محمد طلق زوجته ثلاثا، ثم أثناء عدتها من هذا الطلاق البائن وقع بها علي، هذا بالنسبة للصورة التي فيها الشرح، والتي ذكرها المصنف رحمه الله في هذا الموضع، وفي هذه الحالة دخل وطء علي وهو أجنبي، فوطء علي غير وطء محمد، فيقولون: يكون وطء الإنسان لمطلقته البائن كوطء الأجنبي حينما حكمنا بالاستئناف.
إذ لو قلنا: إنه وطء واحد لم يستأنف وبنى على ما تقدم، وأتمت المرأة عدتها، وقالوا: إذا استأنف، فيستأنف العدة للأمرين، ووجه ذلك، أنه بوطئه الأخير تكون حينئذ قد خرجت من عدتها، فحينئذ صار كالأجنبي من وجه، وكالشخص الواحد من الوجه الآخر.
(ودخلت فيها بقية الأولى).
يعني: لو كانت اعتدت من العدة الأولى شهرا وحصل الوطء أثناء العدة، فإن هذا الوطء لو وقع في صفر، فقد مضى شهر محرم وهو ثلث العدة، فبقي من العدة الثلثان، وإذا مضت حيضة بقيت حي