الموضوع: مكارم الأخلاق
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19-11-2025, 11:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,805
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق



مكارم الأخلاق .. النُّصح لكل مسلم

- ما معنى «نصح» في اللغة؟ - «النصح» كلمة تحمل معاني كثيرة، منها الإخلاص والصدق والنقاء والصفاء؛ فتقول: «نصحت له» أي أخلصت وصدقت، ويقال: «نصح المعدن» أي صفا ونقي، وكذلك تحمل هذه الكلمة معنى الإصلاح والنماء، يقال: «نصح الغيث البلاد نصحا»، إذا اتصل نبتها فلم يكن فيه فضاء ولا خلل (لسان العرب).
وقال ابن الأثير: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة «إرادة الخير للمنصوح له».
صاحبي مولع باللغة العربية رغم أنه طبيب جراح؛ بل استشاري متميز في مجال عمله، ولكنه يعشق اللغة والشعر، يتحدث كما أهل الاختصاص.
تابعت حديثي معه: - لقد بيّن الله -تعالى- أن (النصح) وظيفة الأنبياء، وهو من مكارم الأخلاق التي بعث نبينا - صلى الله عليه وسلم - ليتممها، وهي وظيفة أتباع الأنبياء والصالحين في كل أمة.
قال -تعالى عن نوح عليه الصلاة والسلام-: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:62)، وعن هود -عليه السلام-: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف:68)، وعن صالح -عليه السلام-: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف:79). قاطعني: - هذه كلها في سورة الأعراف، وفي غيرها؟ سؤال جميل دعني أبحث لك: وردت كلمة (نصح) ومشتقاتها أربع عشرة مرة في القرآن الكريم، منها: في سورة يوسف {قَالُوا يَا أَبَانَا مَالَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} (يوسف:11)، وفي سورة القصص: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} (القصص:12)، وأيضا في القصص: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (القصص:20)، وفي سورة التوبة: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:91)، وفي سورة التحريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (التحريم:8).
- نعم هذه الآيات تحمل المعاني المتعددة لكلمة (نصح).
كنت وصاحبي نتحاور بانتظار اثنين من الإخوة، أحدهما مسلم ألماني يزور الكويت لأول مرة، بدعوة من أبي محمد (مرافقه)؛ كان قد تعرف عليه أثناء وجوده للعلاج في ألمانيا قبل سنتين.
- والنصيحة (عبادة) ينبغي أن يحرص عليها المسلم ويؤديها وفق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يبايع أصحابه على النصح لكل مسلم، في حديث جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال: «بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة، والنصح لكل مسلم» (متفق عليه).
- أظن أن الحديث الآخر، أشمل: «الدين النصيحة»! - أحسنت سبقتني إليه كما تفعل دائما! نعم هذا الحديث يرويه تميم الداري - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (مسلم).
قال ابن الجوزي: «اعلم أن النصيحة لله -عز وجل-: المناضلة عن دينه، والمدافعة عن الإشراك به وإن كان غنيا عن ذلك، ولكن نفعه عائد على العبد، وكذلك النصح لكتابه: الذب عنه والمحافظة على تلاوته، والنصيحة لرسوله: إقامة سنته والدعاء إلى دعوته، والنصيحة لأئمة المسلمين: طاعتهم، والجهاد معهم، والمحافظة على بيعتهم، وإهداء النصائح إليهم دون المدائح التي تغر، والنصيحة لعامة المسلمين: إرادة الخير لهم، ويدخل في ذلك تعليمهم وتعريفهم اللازم، وهدايتهم إلى الحق» (كشف المشاكل من حديث الصحيحين).
وهذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام.
استدرك علي: - وما الأحاديث الثلاثة الأخرى؟ - حديث عمر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات» (متفق عليه).
وحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (متفق عليه)، وحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: «الحلال بيّن والحرام بيّن» (متفق عليه).
وبعضهم اكتفى بهذه الأحاديث الثلاثة دون الحديث الذي نتحاور حوله.
- وهل النصيحة للمسلم واجبه، أم هي من نافلة العمل؟ - للإمام أحمد (إمام أهل السنة) أن النصح للمسلم واجب وإن لم يسأله، وفي حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: «حق المسلم على المسلم ست وفيه: فإذا استنصحك فانصح له»؛ فالنصيحة بين هذا وهذا .
وفي شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب النصيحة) النصيحة: هي بذل النصح للآخر، والنصح معناه أن الشخص يحب لأخيه الخير، ويدعوه إليه، ويبينه له، ويرغبه فيه، وضد النصيحة المكر والغش والخيانة والخديعة. ثم صدر المؤلف هذا الباب بثلاث آيات.
الآية الأولى: قوله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةَ} (الحجرات:10)، أي: إذا تحقق فيهم الأخوة واتصفوا بها، فإنه لابد أن تكون هذه الأخوة مثمرة للنصيحة، أما الآية الثانية: فهي قول نوح -عليه السلام- (وهو أول الرسل)، يقول لقومه -حين دعاهم إلى الله تعالى-: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (لأعراف: 62)، يعني لست بغاش لكم، ولا بخادع، ولا بغادر، ولكني ناصح. أما الآية الثالثة: فقول الله -تعالى- عن هود -عليه السلام-: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (لأعراف: 68)، وعلى كل حال يجب على المرء أن يكون لإخوانه ناصحا مبديا لهم الخير، داعياً لهم إليه، حتى يحقق بذلك الأخوة الإيمانية، والله الموفق.
وصل (أبومحمد) وصاحبه الألماني، مرتديا الثياب الكويتية، كاملة مع الغترة والعقال، بلحية شقراء وعيون زرقاء! بعد الترحاب اللازم، ولاسيما بالضيف الألماني، أردنا أن ننهي نقاشنا.
فالنصيحة واجبة لعموم المسلمين وهي في حق الأرحام أوجب من غيرهم وفي حق الجار آكد من البعيد.
وقد توجد النصيحة، وقد يبذلها ناصح مشفق أمين، ومع ذلك لا تجد أفئدة مصغية، ولا آذانا مصيخة؛ بل إن هناك من يردها ويزري بمن أسداها، وربما أساء الظن بالناصح، وناصبه العداء، وأضمر له الشر.
ومع ذلك فلا ينبغي للمرء ترك النصح، بل عليه أن يستمر عليه، وأن ينوع في أساليبه؛ فالنصيحة واجبة كما مر، ويدفع الله بها من البلاء ما لا يعلمه إلا هو؛ فقد يرتدع المنصوح، وقد يخف شره.
وإذا لم تُجدِ النصيحة مع شخص ما فلا يعني أنها لا تجدي مع كل أحد، ثم إن على المنصوح أن يتقبل النصيحة بقبول حسن، وأن يحسن الظن بمن نصح له، وأن يشكره على حرصه ومبادرته، بل عليه أن يتلقى من يهدي إليه شيئاً من عيوبه بالبشر والفرح، وأن يضمر له المحبة والمودة؛ فإصلاح النفس لا يتأتى بتجاهل عيوبها، ولا بإلقاء الستار عليها، والعاقل اللبيب يفرح بالنقد الهادف كفرحه بالثناء الصادق.



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.09%)]