هل الدعاء يغيِّر القدر؟
د. مصطفى طاهر رضوان
هل الدعاء يغيِّر القدر؟
الدعاء في الإسلام ليس مجرَّد طلب عارضٍ يرفع في لحظة حاجة، بل هو باب من أعظم أبواب العبودية، به يتجلَّى الافتقار المطلق من العبد إلى ربه، وبه يظهر غنى الرب وكمال عطائه، وقد رغَّبنا النبي صلى الله عليه وسلم في الإكثار منه، حتى قال: «لا يَرُدُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر»؛ رواه الترمذي بسند حسنٍ.
وهذا الحديث الشريف يفتح لنا أفقًا في فَهْم العلاقة بين الدعاء والقدر.
الدعاء والقدر: هل يتعارضان؟
قد يتوهَّم بعض الناس أن معنى الحديث أن القضاء الأزلي المكتوب عند الله يتغيَّر بالدعاء، وهذا خطأٌ، فالقضاء عند الله أزلي شامل لا يتبدَّل ولا يتغيَّر: ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾ [ق: 29].
لكن في تفاصيل هذا القضاء الأزلي، قدَّر الله أن تكون الأسباب موصلة إلى مسبباتها، فجعل الأكل سببًا للشِّبَع، والدواء سببًا للشفاء، وجعل الدعاء نفسه سببًا في دفع البلاء وجلْب الخير.
فكأن الله تعالى كتب في علمه الأزلي: «هذا العبد إذا دعا دفَع عنه البلاء، وإذا أعرض نزل به ما قدِّر»، فالدعاء إذًا لا يخرج عن القدر، بل هو من جملة القدر.
ولهذا قال العلماء: القضاء نوعان:
• قضاء مُبرم: لا يتغيَّر ولا يتبدل، وهو علم الله الأزلي.
• قضاء معلَّق: قد عُلِّق على سبب، فإذا وُجد السبب وقع المسبَّب، وإن لم يوجد لم يقع، ومن هنا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القضاء إلا الدعاء».
سرُّ الدعاء في حياة المؤمن:
الدعاء ليس مجرد وسيلة لجلب المطلوب أو دفع المكروه، بل هو مدرسة إيمانية:
1- يعلِّم العبد كيف يقف على باب الله ذليلًا منكسرًا.
2- ويُدرِّبه على الثقة بمولاه، واليقين بأن خزائنَ السماء بيده وحده.
3- ويذكِّره دومًا بأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله.
إنه أشبه بالدواء الذي يتداوى به المريض، فالطبيب يصف والعبد يتعاطى، لكن الشفاء من عند الله، كذلك الدعاء دواءٌ روحي يُستعمل امتثالًا لأمر الله، وأما النتيجة فبيد الله تعالى، يعطي ويَمنع بحكمته ورحمته.
وكل مؤمن صادق يَعرِف مِن نفسه ومِن تجاربه أن للدعاء أثرًا ملموسًا، قد يفتح له أبوابًا لم تَخطر على بالٍ، أو يَصرِف عنه من الشرور ما لم يكن يتوقَّعه، بل قد يرى بعينه كيف تتلاشى الكروبُ وتزول الشدائد ساعةَ يَلجأ إلى الله بصدقِ قلبٍ، وانكسارِ نفسٍ، ولهذا قالوا: الدعاء سلاحُ المؤمن، بل هو عند أهل الذوق مِفتاحُ الغيب، به يتوصَّل العبد إلى ما تَعجِزُ عنه الوسائل المادية وحدَها.
الخلاصة:
فالمؤمن يدعو لا ليغيِّر قضاء الله، بل لأنه جزءٌ من قضاء الله أن يُقضى له الخير بالدعاء؛ يدعو امتثالًا لأمر مولاه، ويجتهد في الإلحاح على بابه، ويوقِن أن النتيجة عند الله وحده: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].