
يوم أمس, 04:47 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,035
الدولة :
|
|
المحافظة على المال العام
المحافظة على المال العام
د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
أيها المؤمنون: يقول الله عز وجل: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 46]، فحبُّ المال مفطور في النفوس، بل وحب الاغتناء مجبولةٌ عليه القلوب؛ روى البخاري رحمه الله تعالى عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إن هذا المال خضِرة حُلوة، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ، بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ، لم يبارَك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا، حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم - يا معشر المسلمين - على حكيمٍ أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي))؛ [رواه البخاري].
فليس عيبًا - أيها المؤمنون - حب المال، والله عز وجل حثنا على الكسب والبحث عن الرزق؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وجميع البشر ما إن ينفخ فيهم الروح وهم في بطون أمهاتهم إلا بأربع كلمات؛ بكتب رزقه وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، ولكن أيها المؤمنون، لنعِ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((أيها الناس، اتقوا الله وأجمِلوا في الطلب؛ فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم))، فلنحرص - أيها المؤمنون - على الكسب الحلال، الكسب الحلال الخالي مما حرمه الله تعالى، فإن أكل المال بالحرام أدنى مساوئه منعُ إجابة الدعاء؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعثَ أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟))، وإن من الكسب الحلال أن يأخذ الإنسان المال بحقه دون ظلم للآخرين، أو إجحاف لهم، فالله عز وجل نهانا في كتابه الحكيم عن أكل أموال الناس بالباطل؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188]، فما أقبحه من فعلٍ حين يخاصم الإنسان ويعلم أنه ظالم! ومن أقبح الظلم - أيها المسلمون - في الكسب الحرام: أكل الربا؛ فقد قال سبحانه في وعيده: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، فما أعظمه من وعيد! وما أشنعه من تهديد! فلا بد أيها المؤمنون أن يطهر الإنسان ماله، يطهره من الكسب الحرام بشتى طرقه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا المال خضِرة حلوة، فمن أخذه بحقه ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع))؛ [رواه مسلم]، وإن من النزاهة في كسب المال ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه))، فلا يقبل التفريط في أداء العمل، فكل موظف مسؤول يوم القيامة عن أدائه لمهمته المنوطة به بكل نزاهة وأمانة، فلا يُقبل مطلقًا الكسل أو التفريط أو الاستهانة في ذلك، ولا يُقبل أيضًا التحايل على الأنظمة خفاءً أو علنًا، من أجل كسب بطريق غير مشروع، فبعض المسؤولين في بعض الوظائف – هداهم الله – يستغل منصبه في المحاباة والمجاملة والتنازل عن أداء الحقوق الواجبة، من أجل قريب أو صديق، والبعض الآخر يوكل بعض المهمات الاستثمارية لإدارته، ليس للأجدر، بل لمن يحقق مصالحه هو ليكسب بطرق أخرى، وكل من علا منصبًا إداريًّا، تُفتح له أبوابٌ ووسائل للفساد، فإما أن ينقاد إلى إغراءات الدنيا، وأحلام المستقبل الواهية التي يزينها الشيطان وأصدقاء السوء، فيظفر بدنيا زائلة، فيضيع الأمانة التي أُنيطت به، و((إذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة))، وإما أن ينقاد إلى مراقبة الله عز وجل والخوف منه، فيظفر بالفوز العظيم في آخرته.
أيها المؤمنون: نُهينا في ديننا الإسلامي عن الإسراف والتبذير، والإسراف هو: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، يعني الإفراط في النفقة على النفس والأهل؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وحين ذمَّ الله فرعون ذمَّه لعلوه تكبرًا ولإسرافه؛ حيث قال سبحانه: ﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]، والتبذير هو: صرف الشيء فيما لا ينبغي؛ والله عز وجل قال: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27]، فالمال أمانة في أعناقنا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا؛ فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))؛ [رواه مسلم].
أيها المؤمنون: إن من الواجب على كل مسلم الحفاظَ على الحقوق العامة التي يتنعم بها الجميع، فالمحافظة على النظافة العامة في الحدائق والمنتزهات مطلب شرعيٌّ، وعدم العبث بجميع ما يتوفر من خدمات لعموم المسلمين واجب على كل مسلم، ولا يُقبل من أي مسلم أي تعدٍّ أو تفريط، لا في ممتلكاته الشخصية ولا في الممتلكات العامة، وكل ذلك من الأمانة التي أُنيطت بكل مسلم.
ولنستشعر نِعم الله علينا حتى لا تُستبدل؛ فقد: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من آيات وحكمة.
الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
فالله عز وجل أوصانا بشكر نِعمه التي رزقنا إياها؛ فقال عز من قائل حكيمًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، فلا بد - أيها المؤمنون - من شكر الله على نِعمه، ولنعلم علمَ اليقين أن المال لن ينفعنا في آخرتنا إن كنا لا نعرف حقَّ الله فيه؛ فهذا أبو لهب قال الله فيه: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴾ [المسد: 1 - 3]، وأصحاب الشمال يقولون يومَ يُؤتَون كتابهم بشمالهم: ﴿ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ﴾ [الحاقة: 27، 28]، فليراجع - أيها المؤمنون - كلٌّ مع نفسه، في ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ فقد قال سبحانه: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ [الليل: 4 - 11].
ونسأل الله عز وجل أن يكون مالنا حلالًا فنُرزق في ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 61 - 63].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|