عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-11-2006, 06:53 AM
tutah tutah غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: السعودية
الجنس :
المشاركات: 17
الدولة : Afghanistan
افتراضي

جـ الاستبداد بالرأي:
ينكر القرآن الكريم على المرء ادعاء الحقيقة ومحاولة فرضها على الآخرين، لأن في ذلك تعطيلاً لأهمِّ الإمكانات في الإنسان،
وهي إمكانية التفكير والكشف والاكتشاف، التي تُعدُّ شرطاً لازماً للاستخلاف، وبالتالي العمران. ولا شك أن الحرية، بتعبيراتها المختلفة،
مساوقة للوجود، بل يمكن القول إن الإنسان كائن حر، وإذا افتقد الإنسان شعوره بأنه قادر على فعل ما يريد، فإنه يفتقد إحساسه بالحياة.
فالإنسان الذي هذا شأنه، كيف يستشعر وجوده إذا منع من أن يفكر وينكر ويعترض وينقد؟ أو سمح له بكل ذلك لكن منع من ترجمة اقتناعاته أو مجرد التعبير عنها؟
وقد أنكر القرآن الكريم على فرعون، الذي يمثل في الكتاب العزيز نموذج التسلط والاستكبار، محاولته تعميم آرائه وأفكاره ومفاهيمه
وممارسة الرقابة على مصادر المعلومات، فضلاً عن التحكم بزوايا النظر ومنطلقات التفكير. وقد نقل النص القرآني كلام فرعون الذي يخاطب به رعيته،
والذي يمارس فيه أعتى صنوف الاستبداد (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)[غافر/29].
يصطفُّ إلى جانب هذا المعنى من الاستبداد، شكل آخر لا يقلُّ خطورة عن الأول، وهو الأنوية،
أي أن يخالط الإنسان وهم الفرادة والامتلاء العلمي، فيصم أذنه عن أفكار وآراء الآخرين، فيلجأ إلى رفض الحوار أو القراءة واستعداء كل ما ينجزه الناس الآخرون.
وهذه الظاهرة، كما يمكن العثور على نماذجها في الأفراد، يمكن أيضاً أن تبتلى بها الأمة جمعاء، فتوصد الأبواب في وجه الأفكار والآراء
والمنجزات البشرية الأخرى، الأمر الذي يرتدُّ جموداً وتكلساً في المفاهيم، فيما القاعدة القرآنية (لتعارفوا) تقتضي خلاف ذلك،
(وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر)[فصلت/5]، وفي نص آخر (ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً)[لقمان/7].
وحال الصدود والإعراض التي تنتاب الإنسان في حياته لها مناشئ عديدة، يأتي في مقدمها شعوره بامتلاك الحقيقة، وأن الآخرين محرومون منها،
ومحاولتهم مجادلته أو محاورته تستهدف، وفق توهماته، الانتقاص من تلك الحقيقة وتشويش مبتنياتها ومرتكزاتها،
وهو ما استنكره الله تعالى في كتابه عندما أورده في صيغة استفهام إنكاري: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً)[النساء/49].
إذاً، الاستبداد بكلا وجهيه، أي الاستبداد السياسي والفكري المفروض من الخارج، أو الاستبداد النابع من الداخل، هو أمر مستكره ومنكر، لأن مآلهما في النتيجة واحد،
وهو تعطيل الإبداع وطروء الجمود على الفكر، وفي ذلك حرف لمقصد الاستخلاف، وتالياً لمقصدي الأمانة والمسؤولية عن جادة التحقق، فضلاً عن هدر الطاقات المذخورة والكامنة لدى الإنسان.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 13.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.85 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (4.54%)]