بسم الله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم والحمد لله الذي أنعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين مربيا وهاديا إلى طريق الرشاد.
إن من نعم الله تعالى على الآباء أن رزقهم بالأبناء، تلك الدرر النيرة التي يقدمها الله هبة لهم قلّ من يدرك قيمتها، فمن عرف قيمة الشيء حافظ عليه ولا بد وأحاطه بالعناية والاهتمام حتى لا تصل إليه يد السوء، غير أن الواقع يقول غير هذا؛ المحبة تجدها مغروسة في قلب الوالد تجاه ولده لكن أسلوبه في تربيته غير سليم، فأكثر الآباء يتبعون أهواءهم في التربية والتوجيه بعيدين عن تعاليم الإسلام الذي يحث بالتدرج في العقاب ومنح الثواب في حسن الفعل لكي ينشأ الطفل سويا متوازنا يميز بين الحسن والسيء وبين الذي يجوز والذي لا يجوز، فتنمو فيه قوة الإدراك والثقة بالنفس، فلا يجب أن يطغى الثواب على العقاب فيفقد الطفل حاسة التمييز ولا العقاب على الثواب فيفقد ثقته بنفسه ويتكون بداخله ما يسمى عند علماء النفس "بالرقيب"؛ يعني كل ما يريد أن يفعل شيء يخاف ..ممن يخاف؟ ممن سبب له هذا المشكل وجعل حياته كلها سلبية أوامر..عتاب..توبيخ..و..و. رغم أن الحقيقة تقول أن العقاب يمر بثلاث مراحل:
- الوعظ بلطف ومحبة ، إن أفاد فلا يجوز الانتقال إلى المرحلة التالية، وإن لم يفد فهاك الثانية؛
-الهجر تحية ومعاملة، إن أفاد فلا يجوز الانتقال إلى المرحلة التالية، وإن لم يفد فهاك الثالثة؛
- الضرب ولكنه ضرب غير مبرّح.
وهذه المراحل تطبق في مرحلة الطفولة، أما بعد دخول سن المراهقة فلا يجب إلا الوعظ ثم إن لم يفد فالهجر فقط، لأن هذه المرحلة لا بد فيها من المصاحبة.
الحقيقة أن كثير من الآباء يجهلون حقيقة المسؤولية التي كلفوا بها من قبل الله تعالى الذي أعطاهم هذه الوديعة التي هي في يوم ما سيسترجعها إليه ويسألهم عنها يوم القيامة، تجدونهم يسارعون إلى الضرب والتوبيخ والعجيب أن يكون مع أطفال أعمارهم لا تتجاوز 3 أو 4 سنوات فتصور معي أخي القارئ النتيجة التي سيصل إليها هذا الطفل عندما يكبر.. ويندم المرء حين لا ينفع الندم..
تأمل معي ايها المربي هذا المشهد الذي لخصه أحنف بن قيس في كلمات نفسات يُحق أن تؤلف منها الكتب والمجلدات:
دخل أحنف بن قيس على معاوبة فقال له: ماذا تقول في الولد يا أبا عمرو؟ فأجاب:
( ثمار قلوبنا وعماد ظهورنا، ونحن لهم ارض ذليلة وسماء ظليلة، فإن طلبوا فأعطهم وإن غضبوا فرضّهم يمنحونك ودهم ويحبونك جهدهم ولا تكن عليهم ثقيلا فيملّوا حياتك ويتمنوا وفاتك) فقال معاوبة: لله أنت يا أحنف ! لقد دخلت عليّ وإنني لمملوء غضبا على ولدي يزيد فسللته من قلبي.
فنسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.