المحبة بين العبـد وربـه
هناك حب عقلي، و حب عاطفي، و هذا ما يحدث في المجال البشري، لكن بالنسبة لله فلا ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِيسَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (المائدة:54) فما هو الحب؟
إنه ودادة القلب، و نعرف أن هناك لوناً من الحب بتحكم فيه العقل، و لوناً آخر من الحب لايتحكم فيه العقل، و لكن تتحكم فيه العاطفة.
و الحب العقلي هو إيثار النافع. و مثال ذلك: نجد الوالد لابن غبي يحب ابناً ذكياً لإنسان غيره.
فالوالد هنا يحبُّ ابنه الغبي بعاطفته، و لكن يحب ابن جاره، لأنه يمتلك رصيداً من الذكاء.
إذن؛ هناك حب عقلي، و حب عاطفي، و هذا ما يحدث في المجال البشري، لكن بالنسبة لله فلا فحب الله تعالى لا تقل فيه أيها المؤمن: هل هو حب عقلي، أم حب عاطفي؟ لأن المراد بحب الله هو دوام فيوضاته على من يحب، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فالحق يلقاه في دوام نعمه، و يتجلى عليه برؤيته.
و الحب بين الله و عباده المؤمنين حب متبادل، و يقول سبحانه في هذا: ((دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فحين يحبون الله يرد سبحانه على تحية الحب بحب زائد، و هم يردون على تحية الحب منه سبحانه بحب زائد، و هكذا تتوالى زيادات و زيادات، حتى نصل إلى قمة الحب.
و قد يحبون الله بعقولهم، ثم يتسامى الحب إلى أن يصير بعاطفتهم، و قد يجرب ذلك حين يجريالله على أناس أشياء هي شرٌ في ظاهرها، و لكنهم يظلون على عشق لله.
و معنى ذلك أنحبهم لله انتقل من عقولهم إلى عاطفتهم. و الحب عند الله لا نهاية له، و سبحانه يرسل إمداداته في كل لحظه، و لا تنتهي إمداداته على الخلق أبداً، و سبحانه يصف نفسه بأنه القيوم فاطمئنوا أنتم، فإن كنتم تريدون أن تناموا فناموا، فربكم لا تأخذه لا سنة ولا نوم.
و الحق سبحانه و تعالى يصف نفسه : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُكَيْفَ يَشَاءُ))(المائدة: من الآية64) أي أنه سبحانه يطمئن الخلق أنهم بمجرد إيمانهم ستأتيهم إمدادات الله و فيوضاته المعنوية و المادية، فصحح جهاز استقبالك، بألا توجد فيه نجاسة حسية أو نجاسة معنوية.
و لذلك رأيت إنسانا عنده فيوضات من الحقفاعلم أن ذرات جسمه مبنية من حلال، و لا توجد به قذارة معنوية، و لا قذارة حسية.
ويتضح ذلك كله على ملامح وجهه، و في كلماته، و حسن استقباله، و إن كان أسمر اللون فنجده يأسرك و يخطف قلبك بنورانيته، و قد تجد إنسانا أبيض اللون، لكن ليس في وجهه نور، لأن فيوضات ربنا غير متجلية عليه.
و كيف تأتي الفيوضات؟ إنها تأتي بتنقية النفس، لأن إلانسان إن افتقر إلى الفيوضات الربانية فعليه أن يبحث في جهازه الاستقبالي.
و أضرب هنا مثلا – و لله المثل الأعلى – بالإرسال الإذاعي، فمحطات الإذاعة ترسل، و من يملك جهاز استقبال سليم فهو يلتقط البث الإذاعي، أما إن كانجهاز الإستقبال فاسداً فهذا يعني أن محطات الإذاعة لا تبث برامجها, و لذلك قالسبحانه : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) فاحرص دائما أن تتناول من يد ربك المددالذي لا ينتهي.
من كتاب شرح الأحاديث القدسية للداعية محمد متولي الشعراوي رحمه الله