عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-01-2007, 09:48 PM
الصورة الرمزية mahmoud eysa
mahmoud eysa mahmoud eysa غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2007
مكان الإقامة: ارض الله الواسعه
الجنس :
المشاركات: 491
63 63 الهجرة فى ظلال القرآن


إعداد: هاشم أمين
الهجرة في ظلال القرآن
إخوان أون لاين - 29/01/2006

المسجد النبوي الشريف
هيا بنا نعيش مع بعض الآيات التي تناولت أحداث الهجرة في القرآن الكريم وبعض الخواطر والمعاني والدلالات من كتاب (في ظلال القرآن) للإمام الشهيد/ سيد قطب رحمه الله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (سورة الأنفال: 30).

- الدرس الأول: التآمر على الرسول ليلة الهجرة:
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾..

إنَّه التذكير بما كان في مكةَ قبل تغير الحال، وتبدل الموقف، وإنه ليوحي بالثقة واليقين في المستقبل، كما يُنبِّه إلى تدبير قدر الله وحكمته فيما يقضي به ويأمر.. ولقد كان المسلمون الذين يخاطَبون بهذا القرآن أول مرة يعرفون الحَالَيْن معرفةَ الذي عاش ورأى وذاق.

وكان يكفي أن يُذكَّروا بهذا الماضي القريب، وما كان فيه من خوفٍ وقلقٍ في مواجهةِ الحاضر الواقع وما فيه من أمن وطمأنينة.. وما كان من تدبير المشركين ومكرهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مواجهة ما صار إليه من غلبةٍ عليهم، لا مجرَّد النجاة منهم!

لقد كانوا يمكرون ليوثِقوا رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم- ويحبسوه حتى يموت، أو ليقتلوه ويتخلصوا منه، أو ليخرجوه من مكةَ منفيًّا مطرودًا.. ولقد ائتمروا بهذا كله، ثم اختاروا قتله، على أن يتولى ذلك المنكرَ فتيةٌ من القبائل جميعًا؛ ليتفرَّق دمه في القبائل، ويعجزَ بنو هاشم عن قتال العرب كلها، فيرضوا بالدِّية وينتهي الأمر!

قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، أخبرني عثمان الجريري، عن مقسم مولى ابن عباس، أخبره ابن عباس في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ﴾ قال: "تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- على ذلك، فبات عليٌّ- رضي الله عنه- على فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- حتى لَحِق بالغار، وبات المشركون يحرسون عَلِيًّا يحسبونه النبي- صلى الله عليه وسلم- فلمَّا أصبحوا ساروا إليه، فلمَّا رأوه عَلِيًّا رَدَّ الله تعالى عليهم مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري! فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبلَ اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.. فمكث فيه ثلاث ليال.
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (سورة الأنفال: 30)
والصورة التي يرسمها قوله تعالى﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾.. صورةٌ عميقةُ التأثير.. ذلك حين تترائى للخيال ندوةُ قريش، وهم يتآمرون ويتذاكرون ويدبِّرون ويمكرون.. والله من ورائهم محيط، يمكر بهم ويُبطل كيدهم، وهم لا يشعرون!

إنها صورة ساخرة، وهي في الوقتِ ذاته صورة مفزعة.. فأين هؤلاء البشر الضعاف المهازيل من تلك القدرة القادرة؟!.. قدرة الله الجبار القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، وهو بكل شيء محيط.

والتعبير القرآني يرسم الصورةَ على طريقة القرآن الفريدة في التصوير، فيهز بها القلوبَ، ويحرِّك بها أعماق الشعور.

- الدرس الثاني: النصر من عند اللَّه يؤتيه مَن يشاء
﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. (سورة التوبة: 40).

يضرب اللّه لهم المثلَ- من الواقع التاريخي الذي يعلمونه- على نصرةِ اللِّه لرسوله بلا عونٍ منهم ولا ولاء، والنصر من عند اللِّه يُؤتيه من يشاء.

ذلك حين ضاقت قريش بمحمد ذرعًا، كما تضيق القوة الغاشمة دائمًا بكلمةِ الحق، لا تملك لها دفعًا، ولا تطيق عليها صبرًا، فائتمرت به، وقرَّرت أن تتخلص منه، فأطلعه اللَّه على ما ائتمرت، وأوحى إليه بالخروج، فخرج وحيدًا إلا من صاحبه الصدِّيق، لا جيشَ ولا عُدةَ، وأعداؤه كُثر، وقوتهم إلى قوته ظاهرة، والسياق يرسم مشهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه:
﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾
والقوم على إثرهما يتعقبون، والصديق- رضي اللَّه عنه- يجزع- لا على نفسه ولكن على صاحبه- أن يطَّلعوا عليهما فيخلصوا إلى صاحبه الحبيب، يقول له: لو أنَّ أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، والرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل اللَّه سكينتَه على قلبه، يُهدِّئ من روعه ويطمئن من قلبه، فيقول له: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟".

ثم ماذا كانت العاقبة، والقوة المادية كلها في جانب، والرسول- صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه منها مجرَّد؟ كان النصر المؤزر من عند اللَّه بجنودٍ لم يرَها الناس، وكانت الهزيمة للذين كفروا والذل والصغار: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى﴾.. وظلت كلمة اللَّه في مكانها العالي منتصرةً قويةً نافذةً: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾.

وقد قُرِئ ﴿وَكَلِمَةَ اللًّهِ﴾ بالنصب، ولكنَّ القراءةَ بالرفع أقوى في المعنى؛ لأنها تُعطي معنى التقرير، فكلمة اللَّه هي العليا طبيعةً وأصلاً، بدون تصييرٍ متعلقٍ بحادثةٍ معينةٍ، والله ﴿عَزِيزٌ﴾ لا يذل أولياؤه ﴿حَكِيمٌ﴾ يقدِّر النصرَ في حينه لمَن يستحقه.

ذلك مثل على نصرة الله لرسوله ولكلمته، واللَّه قادرٌ على أن يعيده على أيدي قوم آخرين غير الذين يتثاقلون ويتباطأون، وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجةٍ بعد قول الله إلى دليل!

أهم الملامح المميزة للمهاجرين
- ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8)﴾ (سورة الحشر).

هذه صورةٌ صادقةٌ تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين.. أُخرِجوا إخراجًا من ديارهم وأموالهم، أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة، لا لذنبٍ إلا أن يقولوا ربنا الله.. وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه، لا ملجأَ لهم سواه، ولا جناب لهم إلا حماه.. وهم مع أنهم مُطَارَدُون قليلون ﴿وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾.. بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات، ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ﴾ الذين قالوا كلمةَ الإيمان بألسنتهم، وصدَّقوها بعملهم، وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه، وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه، وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورةً منه تدب على الأرض ويراها الناس!

أهم الملامح المميزة للأنصار
﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة الحشر).

وهذه كذلك صورةٌ وضيئةٌ صادقةٌ تبرز أهمَّ الملامح المميزة للأنصار، هذه المجموعة التي تفرَّدت بصفات، وبلغت إلى آفاق لولا أنها وقعت بالفعل، لحسبها الناس أحلامًا طائرةً ورؤًى مجنحةً ومثُلاً عليا قد صاغها خيال محلق.

والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم.. أي دار الهجرة (يثرب) مدينة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقد تبوأها الأنصار قبل المهاجرين، كما تبوأوا فيها الإيمان، وكأنه منزلٌ لهم ودار.. وهو تعبير ذو ظلال، وهو أقرب ما يصوِّر موقفَ الأنصار من الإيمان.

لقد كان دارهم ونزلهم ووطنهم الذي تعيش فيه قلوبهم، وتسكن إليه أرواحهم، ويثوبون إليه ويطمئنون له، كما يثوب المرء ويطمئن إلى الدار.

﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾.. ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثًا جماعيًّا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحبِّ الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليُروَى أنه لم ينزل مهاجرٌ في دار أنصاري إلا بقرعة؛ لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عددِ المهاجرين!

﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾.. مما يناله المهاجرون من مقامٍ مفضلٍ في بعض المواضع، ومن مالٍ يختصون به كهذا الفيء، فلا يجدون في أنفسهم شيئًا من هذا، ولا يقول: حسدًا ولا ضيقًا. إنما يقول: (شيئًا). مما يلقي ظلالَ النظافة الكاملة لصدورهم، والبراءة المطلقة لقلوبهم، فلا تجد شيئًا أصلاً.

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.. والإيثار على النفس مع الحاجة قيمة عليا، وقد بلغ إليها الأنصار بما لم تشهد البشرية له نظيرًا، وكانوا كذلك في كل مرةٍ وفي كل حالةٍ بصورةٍ خارقةٍ لمألوفِ البشر قديمًا وحديثًا.

﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾.. فهذا الشح- شح النفس- هو المعوق عن كل خير؛ لأن الخيرَ بذلٌ في صورةٍ من الصور، بذل في المال، وبذل في العاطفة، وبذل في الجهد، وبذل في الحياة عند الاقتضاء، وما يمكن أن يَصنع الخيرَ شحيحٌ يَهمه دائمًا أن يأخذ ولا يهمه مرةً أن يُعطِي، ومن يوقَ شح نفسه فقد وُقِي هذا المعوق عن الخير، فانطلق إليه معطيًا باذلاً كريمًا، وهذا هو الفَلاح في حقيقةِ معناه.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.20 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]