قال ابن كثير رحمه الله : فالذي خلق آدم من غير أب وأم ، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى ، ولكن الرب -جل جلاله أراد- أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم – عليه السلام - لا من ذكر ولا من أنثى ، وخلق حواء – عليها السلام - من ذكر بلا أنثى ، وخلق عيسى – عليه السلام - من أنثى بلا ذكر ،كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى ، ولهذا قال تعالى في سورة مريم : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ }[سورة مريم الآية :21]، وقال هاهنا : {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ }[ سورة آل عمران الآية :60 ]، أي هذا هو القول الحق في عيسى – عليه السلام - الذي لا محيد عنه ، ولا صحيح سواه ، وماذا بعد الحق إلا الضلال . [تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير 1/368 ، وانظر موقع الدكتور : سفر الحوالي على شبكة الإنتر نت].
ثم أمر الله تعالى رسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يُباهل من عاند الحق في عيسى - عليه السلام - وأكثر الجدال بعد ظهور الحق البين فيه ، فقال الله تعالى:{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }[ سورة آل عمران الآية: 61 ] ، فلما دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - للمباهلة والملاعنة قالوا : يا أبا القاسم ، دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه .
ثم انصرفوا عنه ، وخلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم ، فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال : والله يا معشر النصارى ! لقد عرفتم إن محمدا لنبي مرسل،ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ،ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم ، وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم ،فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.[ ابن إسحاق ، انظر السيرة النبوية لابن هشام 3/125].
فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم ومعه الحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه. [قال ابن كثير : أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ، انظر تفسير القرآن العظيم 1/369 ]. فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال العاقب والسيد: لا نلاعنك ،ولكنا نعطيك ما سألت ، فابعث معنا رجلا أمينا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأبعثن رجلا أمينا حق أمين ، حق أمين ) . فاستشرف لها أصحابه -رضي الله عنهم - فقال : ( قم يا أبا عبيدة بن الجراح ). فلما قفا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا أمين هذه الأمة ). [رواه الإمام أحمد 1 /414 ، وانظرتفسير القرآن العظيم 1/369] ، فعادوا إلى نجران ،وبقي من وفدهم قيس بن أبي وديعة مرض فأقام بالمدينة نازلا على سعد بن عبادة ، فعرض عليه الإسلام فأسلم و رجع إلى حضرموت وشهد قتال الأسود العنسي ثم انصرف إلى المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم .[الإصابة 5/508 ].
ولم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسلما ، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري. [ابن حجر في الإصابة 3/236 ، عن ابن سعد في الطبقات 1/358 ].
أما حنان الأبوة المتمثل في الشفقة على الابن من النار فغلب صفة الحسد والكبر لدى والد ذلك الغلام الذي كان جاراً للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرض ، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : ( أسلم ) . فنظر إلى أبيه ، وهو عنده ، فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - . فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : ( الحمد لله الذي أنقذه من النار ) . [رواه الإمام البخاري ح/1290 ].
وعكسه ماِفعله والد كعب الأحبار ، حيث خشي أن يعلم ابنه عن النبي الخاتم فيتبعه ، فقد سأل العباس كعب الأحبار : ما منعك أن تسلم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ؟
قال إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة ، فقال اعمل بهذا ، وختم على سائر كتبه ،وأخذ عليَّ بحق الوالد على الولد ألا أفض الختم عنها ، فلما رأيت ظهور الإسلام قلت لعل أبي غيب عنى علما ، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته ، فجئت الآن مسلما .[الإصابة 5/649. ].
وهذه قصة طريفة - وهي شاهد على ما نتحدث عنه - ، حدثت للدكتور أحمد حجازي السقا مؤلف كتاب البشارة بنبي الإسلام ، حيث يروي : أنه التقى بـ ( قمص ) نصراني ، ظن أنه نصراني لأنه كان يقرأ في الكتاب المقدس ، فدار بينهما حوار حول الأحداث التي يشير إليها الإصحاح الثامن من سفر دانيال النبي – عليه السلام- ، وبعد نزولهم من القطار سأله حجازي : أمحمد نبي المسلمين لا يشير إليه الكتاب المقدس ؟
قال : يشير إليه في آيات كثيرة !! ثم سرد له كثيرا من تلك الآيات !!
ثم عرف أن اسمه ( جرجس سلمون فيلمون )، وكان وكيل الدير المحرق في القوصية بأسيوط . وهذا الموقف كان من أسباب كتابة حجازي لكتاب البشارة .[انظر البشارة بنبي الإسلام 1/45 ].
تاسعا : إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه مذكور في كتبهم ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بتأويل ذلك :أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورؤيا أمي التي رأت ). [ رواه الإمام أحمد (4/128)، والبزار والطبراني ، ومعنى منجدلٌ في طينته :أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين لم تجر فيه الروح بعد ، قاله الخطابي في الغريب 2/156 ].
وهذا الإخبار منه – صلى الله عليه وسلم - هو من علامات نبوته ، من جهة إخباره بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم ، ولم يكذبوه يوما واحدا في شيء منها ، في الوقت الذي كانوا فيه أحرص ما يمكن على أن يظفروا منه بكذبة واحدة ، أو غلطة أو سهو ، فينادون بها عليه ، ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه ، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه .[ انظر هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن قيم الجوزية ص66 ].
فأخبرأنه دعوة إبراهيم الخليل حين بنى الكعبة بمكة ومعه ابنه إسماعيل عليهما السلام ، قال الله تعالى مبينا دعاءهما: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }[سورةالبقرة الآية: 128 – 129] .
وهذا يدعونا للحديث عن مباركة الله تعالى لنبيه إبراهيم - عليه السلام - وجعل هذه البركة في ذريته ، قال تعالى :{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }[ سورةالبقرة الآية: 124 ] ، والمقصود بالعهد هنا قيل : الإمامة ، وقيل: النبوة ، وقيل غيره ، ومن دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ).
وقد جاء في التوراة ما صدقه القرآن من جعل البركة في إبراهيم - عليه السلام - وفي نسله إسماعيل وإسحاق – عليهما السلام - وهذا ما ذكره أحمد حجازي في كتابه البشارة بنبي الإسلام ففي سفر التكوين ( 17 : 16 ) : أن الله عز وجل قال لإبراهيم – عليه السلام - عن سارة رضي الله عنها : ( أباركها ، وأعطيك منها ابنا ، أباركها فتكون أمما وملوك شعوب منها ما يكون ).
فلما سمع إبراهيم – عليه السلام – بتخصيص بركته في إسحاق عليه السلام ( قال إبراهيم لله : ليت إسماعيل يعيش أمامك )، أي يحيا في طاعتك ، والدعاء إلى دينك ، فرد الله تعالى عليه بقوله : ( وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره ، وأكثره كثيرا جدا . اثني عشر رئيسا . واجعله أمة كبيرة ) .[ سفر التكوين 17 : 18- 20 ].
ويواصل أحمد حجازي : ومن هذا النص صارت لإسماعيل بركة كما لإسحاق بركة .
ولما تأكدت سارة من إرث إسماعيل لأبيه في البركة كابنها إسحاق سواء بسواء ، طلبت أن يكون حق الإرث لإسحاق وحده ، فقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام : ( بإسحاق يدعى لك نسل . وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك ) [ سفر التكوين : 21: 12-13 ] .
ولما ابتعدت هاجر – رضي الله عنها – عن مكان سارة – رضي الله عنها - إلى مكان غير ذي زرع ( نادى ملاك الله هاجر من السماء . وقال لها : مالك يا هاجر . لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو . قومي احملي الغلام ، وشدي يدك به ، لأني سأجعله أمة عظيمة ) [سفر التكوين 21: 17 – 18 ].
وعلماء بني إسرائيل يقولون : إن البركة تعني أمران : الأول : الملك . والثاني : النبوة . ويقولون : إن بركة إسحق – عليه السلام - خصصت في ابنه يعقوب ( إسرائيل ) من بين بنيه ، وقد تحققت من الوقت الذي ظهر فيه موسى – عليه السلام - فقد كان نبيا ورئيسا مطاعا .
ونحن نقول لهم – والكلام لا زال لحجازي - : وكما دل دليل اسحق – عليه السلام - على ملك ونبوة ، وذلك في قوله : ( وأعطيك منها ابنا ، أباركها فتكون أمما وملوك شعوب ..) . فإن دليل إسماعيل – عليه السلام - مثله ، فإنه يدل على ملك ونبوة ، وذلك في قوله : ( ها أنا أباركه ، وأثمره ، وأكثره كثيرا جدا ) ،فإنه لا فرق بين الدليلين في اللفظ والمعنى .[ انظر البشارة بنبي الإسلام 1/100- 103 ].
وقد جاء الإخبار بنبوة محمد- صلى الله عليه وسلم - على لسان موسى – عليه السلام – في التوراة بما نصه : ( وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته . فقال : جاء الرب من سيناء . وأشرق من سعير . وتلألأ من جبل فاران .).[ سفر التثنية ( 33: 1-4 )، البشارة بني الإسلام 1/260 ].
ومعنى مجيء الله من طور سينا : إنزاله التوراة على موسى – عليه السلام - من طور سينا ، ومعنى إشراقه من ساعير: إنزاله الإنجيل على المسيح – عليه السلام - ، وكان المسيح من ساعير أرض الخليل بقرية تدعى ناصرة ، وباسمها يسمى من اتبعه نصارى . وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح ، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران ، إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم .
وجبال فاران : هي جبال مكة . وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة ، فإن ادعوا أنها غير مكة ، فإن ذلك من تحريفهم الكلم عن مواضعه ، خاصة وأن في التوراة أن إسماعيل سكن في برية فاران ، جاء في التوراة : ( وكان الله مع الغلام فكبر وسكن في البرية ، وكان ينمو رامي قوس ، وسكن في برية فاران . وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر ) [ سفر التكوين 21: 20-12 ]. والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران ، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه بعد المسيح – عليه السلام - نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ، ولا بعث نبي ، فعلم أنه ليس بالمراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم .
وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني ، لأنه في مقام الخبر عنها ، فقدم الأسبق فالأسبق ، فذكر إنزال التوراة ، ثم الإنجيل ثم القرآن ، وهذه الكتب نور الله وهداه .
وهذه الأماكن الثلاث أقسم الله بها في القرآن ، في قوله تعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ . لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }[سورةالتين الآية: 1 – 4] ، فأقسم بالتين والزيتون : وهو الأرض المقدسة الذي ينبت فيها ذلك ، ومنها بعث المسيح – عليه السلام - وأنزل عليه فيها الإنجيل ، وأقسم بطور سينين : وهو الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام ، وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة ، وأقسم بالبلد الأمين : وهي مكة ، وهو البلد الذي أسكن إبراهيم – عليه السلام - ابنه إسماعيل وأمه ، وهو الذي جعله الله حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم خلقا وأمرا قدرا وشرعا ، فإن إبراهيم – عليه السلام - حرمه ودعا لأهله فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }[سورةإبراهيم الآية: 37 ] ، واختلاف ترتيب القرآن للأماكن الثلاثة عن ترتيبها في التوراة ، يرجع إلى أن لقرآن أقسم بها تعظيما لشأنها ، وذلك تعظيم لقدرته سبحانه ، وآياته وكتبه ورسله ، فأقسم بها على وجه التدريج ، درجة بعد درجة ، فختمها بأعلى الدرجات ، فأقسم أولا بالتين والزيتنون ، ثم بطور سينا ، ثم بمكة ، لأن أشرف الكتب الثلاثة القرآن ، ثم التوراة ، ثم الإنجيل ، وكذلك الأنبياء ، فأقسم بها على وجه التدريج .[انظر الجواب الصحيح 5/198- 205 ، والبشارة بنبي الإسلام 1/268 ].
ويُلحظ أن الخطاب لبني إسرائيل لأجل أن يقبلوا بنبي الإسلام إذا جاء ، لأنه ليس من بني إسرائيل ، وهذا يحتاج إلى تأكيد الأمر بالتباعه بخطاب خاص لهم ، وليس معناه أنه منهم.[ البشارة بنبي الإسلام 1/275 ].
وجاء في التوراة أن الله تعالى خاطب موسى – عليه السلام – بقوله : ( نبيا أقمت لهم . من جملة إخوتهم . مثلك. وجعلت خطابي بفيه . فيخاطبهم بكل ما أوصيه .ويكون الرجل الذي لا يسمع من خطابه باسمي . أنا أطالبه ) .[سفر الخروج 19 و20 ].
والمقصود بهذه النبوءة نبي الإسلام محمد – صلى الله عليه وسلم - فهو نبي كما في الوصف الأول لمجيئه بما يثبت نبوته ، وهو من نسل إسماعيل ، وإسماعيل وإسحق – عليهما السلام - أخوان ، ففي التوراة أن أبناء إسماعيل إخوة لبني اسحق . ففي سفر التكوين : ( وقال لها ملاك الرب : ها أنت حبلى فتلدين ابنا ، وتدعين اسمه : إسماعيل . لأن الرب قد سمع لمذلتك . وإنه يكون انسانا وحشيا . يده على كل واحد ويد كل واحد عليه ، وأمام إخوته يسكن )[ سفر التكوين 16 : 11-12] ، وأما عيسى -عليه السلام -فلا ينطبق عليه هذا الوصف لأنه من بني إسرائيل ، ولو كان هذا النبي من بني إسرائيل لقال : من أنفسهم ، ولم يقل من إخوتهم .هذا من وجه ، ومن وجه آخر جاء في التوراة : ( أنه لا يقوم نبي من بني إسرائيل كموسى ) ، فالبشارة إذا بنبي من غيرهم هو ( محمد ) صلى الله عليه وسلم، وأيضا نجد الوصف الثالث ينطبق على محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو قوله: ( مثلك ) أي مثل موسى – عيه السلام - فقدجاء في القرآن ما يفيد مثلية نبينا محمد بموسى – عليهما الصلاة والسلام - قال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً }[سورة المزمل الآية: 15 ] ، وانظر البشارة بنبي الإسلام 1/229 ].
ومن جهة أخرى وصف موسى – عيه السلام- في التوراة بثلاث صفات رئيسية : أولا : الآيات والعجائب . ثانيا : اليد الشديدة . ثالثا:المخاوف العظيمة .ومحمد – صلى الله عليه وسلم - كان كموسى –عليه السلام- فيما جاء به من آيات عظيمة تدل على نبوته ، والتي كان لها الأثر الكبير في كثرة أتباعه ، وثانيا : كان في حروبه قويا شديداً كموسى ، وثالثا : نصر بالرعب ، وكانت له الهيبة في قلوب الناس .وأما عيسى - عليه السلام - فقد رفض أن يكون ملكا . ففي انجيل يوحنا : ( وأما يسوع فإذا علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكا ، انصرف أيضا إلى الجبل وحده ) .[ يوحنا ( 6:15) ، البشارة بنبي الإسلام 1/206 ].
ومما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذكر الأنبياء له، أنه : ( بشرى عيسى ) . وذلك حين بشر بني إسرائيل بقوله : (ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد ).[ سورة الصف من الآية رقم 6 ].