عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 28-11-2005, 08:26 PM
الصورة الرمزية عاشق الجنان
عاشق الجنان عاشق الجنان غير متصل
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
مكان الإقامة: أرض الرباط
الجنس :
المشاركات: 560
افتراضي

الجهود الفلسطينية نحو إنقاذ البلاد


بذل الفلسطينيون على مختلف فئاتهم جهودا متنوعة في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية من أجل المحافظة على البلاد وإنقاذها من براثن الأعداء. امتدت هذه الجهود على مدى سني الانتداب البريطاني ولكنها جميعها باءت بالفشل واستطاعت الصهيونية بمساعدة الدول الغربية أن تقيم الوطن القومي اليهودي. تتعدد أسباب الفشل وتتنوع بتنوع الاجتهادات وزوايا تقدير الأمور، مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات العدو وإمكاناته والقوى الداعمة له. يتعرض الكتاب في هذا الفصل إلى الأسباب المختلفة سواء كانت تلك التي تعدو إلى الظروف الداخلية أو إلى الظروف الخارجية. ولكن قبل الخوض في الأمور الداخلية يُفضل التقديم بنبذة سريعة عن الأحوال العامة التي كانت تسود البلاد في أواخر الدولة العثمانية.

الظروف الفلسطينية مع بداية الهجمة الصهيونية

حتى تتضح البيئة العامة التي عملت من خلالها الصهيونية ومكّنتها من تحقيق النجاح لا بد من النظر إلى الوضع الفلسطيني العام وذلك لتكتمل الصورة أمام القارئ. لم يكن نجاح المخطط الصهيوني مرتبطا فقط بإرادة الدول الغربية أو بقدرة الحركة الصهيونية على التخطيط والتنفيذ وإنما أيضا بقدرة شعب فلسطين وشعب سوريا عموما على مناهضة المشروع الصهيوني ومقاومته. ولهذا من المهم النظر في مختلف الظروف التي كانت سائدة في سوريا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

لمحة سريعة على الظروف العامة للبلاد في تلك الحقبة تمكننا من فهم الأوضاع ومن الحكم على مدى تحمل الشعب لمسؤولية ضياع فلسطين. هل كان الشعب قادرا وملك الإمكانيات؟ هل كانت القيادة واعية وكان بإمكانها أن تفعل أفضل مما فعلت؟ أم أن العدو كان قويا إلى درجة أن الشعب وقيادته لم يكونا على قدر التحدي؟ بمعنى أن الوقوف عند حقيقة الأوضاع يساعدنا على تحميل المسؤولية وعلى تعلم دروس من التاريخ. لا يكفي أن يصدر المرء أحكاما جزافية، إذ ربما في ذلك هروب من البحث والتدقيق، ومن المهم أن يكون الحكم مشفوعا بالبراهين.

الوضع الاقتصادي

كان الفقر المدقع ظاهرة عامة والإقطاع سيد الموقف. غلبت السمة الزراعية على البلاد لكن الزراعة لم تكن متطورة ولم يكن بمقدور الإنتاج الزراعي تغطية احتياجات السكان. كانت هناك مساحات زراعية مزدهرة خاصة في المناطق السهلية مثل السهل الساحلي ومرج ابن عامر، لكنها لم تكن كافية ولم يكن مردودها موزعا بطريقة يصل إلى مختلف أوساط الناس، حيث كان الإقطاع سيد الموقف ويحتكر الإنتاج. هذا ولم تكن الأراضي الجبلية مستغلة تماما على الرغم من أن بعضها كان مزروعا بالزيتون بعض الأشجار اللوزية. لم يكن هناك اهتمام كاف باستغلال الجبال أو استصلاح مساحاتها خاصة أن ذلك يتطلب تكاليف مادية غير متطورة.

سيطرت العائلات الإقطاعية التي كانت منتشرة في أنحاء فلسطين على أغلب الأراضي الزراعية في المناطق السهلية. امتلكت هذه العائلات مساحات شاسعة وسيطرت على قرى بأكملها ووظفت الناس للفلاحة. وهنا أذكر بعض الأرقام علما أن القصد ليس الإساءة لعائلات أو أحفاد الإقطاعيين وإنما ذكر الحقيقة التاريخية والجغرافية علّ فيها ما يفيد في استخلاص العبر. فمثلا قدّرت أملاك عائلة عبد الهادي في جنين ونابلس بحوالي 60,000 دونم، وأملاك عائلة الحسيني بحوالي 50,000 وأملاك عائلة الشوا بأكثر من 100,000. وبخصوص الأقضية، ملكت خمس عائلات في نابلس وطولكرم حوالي 120,000 دونم، بينما ملكت ست عائلات في جنين 110,000 دونم. أما في عكا فكانت تملك خمس عائلات 160,000 دونم، وست عائلات في طبرية 70,000 دونم. وعلى هذا قس.

المهم أيضا أن الإقطاعيين كانوا قساة مستغِلين لا يرحمون إلى درجة أنهم كانوا يتبعون أساليب عقابية قاسية جدا. من ناحية، اعتاد أهل الإقطاع استغلال كل أفراد عائلة الفلاح في فلاحة الأرض ولساعات عمل طويلة كانت تمتد عادة من قبل بزوغ الشمس حتى ما بعد ساعات الغروب. أما المكافأة فكانت تقتصر على بعض المواد الغذائية مثل الشعير أو القمح أو الذرة وبعض العدس والزيت والتي كانت تسد الرمق بحيث يتمكن الفلاح من الاستمرار في العمل. أي أن الهدف من التزويد لم يكن بدافع إنساني وإنما بدافع استغلالي. والدليل على البعد الاستغلالي أن الإقطاعي كان يتفقد الفلاحين وهو على صهوة الحصان وبيده السوط الذي طالما هوى على ظهور العمال. هذا ناهيك عن أن المرض لم يكن سببا في تكاسل الفلاح عن العمل ولا الانشغال بأطفال أو مرض زوجة.

كان الإقطاعي قاسيا إلى درجة الحكم بالموت على شخص أو أشخاص. عائلات إقطاعية كانت تملك سجونا أو أماكن للتصفية الجسدية. ومن كان بإمكانه أن يتحدى أو يواجه هذا الطغيان؟ كانت تلك العائلات أشبه ما يكون بأنظمة عربية حالية لا تعرف سوى التصفية وتصفية من يحاول الاستفسار عن قريب له مفقود. أما أعراض الناس فكانت مباحة أمام الإقطاعي، وإن تمرد شخص دفاعا عن شرف أمه أو زوجته لقي مصيرا صعبا. وللطالب أن يلاحظ في منطقته حصون الإقطاعيين وقلاعهم التي بنوها بدماء الفلاحين في منطقته وأن يستمع إلى قصص كبار الناس حول معاناتهم.

كان في فلسطين بعض الملاك الصغار لكن العديد منهم لم ينجو من شر الإقطاعيين. استغل بعض الإقطاعيين نفوذهم وقوتهم لإجبار البعض على بيع أراضيهم بأثمان بخسة، ومنهم من استغل مسائل الرهن التي كان يتم اللجوء إليها لضمان سداد الديون لإجبار صغار الملاك للتنازل عن أملاكهم مقابل الديون. ومن الإقطاعيين من كان يلجأ إلى فرض ضرائب باهظة خاصة في عهد الدولة العثمانية على الأرض مما يدفع المالك الصغير إلى التنازل عن أرضه بدون مقابل. بمعنى آخر أن الإقطاعيين حاولوا بوسائل متعددة من أجل زيادة مساحات الأراضي التي يمتلكونها على حساب الفلاح الفلسطيني البسيط. وكما سنرى، باع عدد من الإقطاعيين مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لليهود. وقد وصل الأمر إبان الانتداب البريطاني إلى أن اضطر بعض الفلاحين إلى بيع أراضيهم من أجل شراء سلاح للدفاع عن الوطن وأن قام الإقطاعي المشتري ببيعها لليهود بثمن أعلى مما دفع.

كان الفقر شديدا إلى درجة أن الناس تعلموا عادات أكل الأعشاب وورق الشجر، وإلى اعتماد خبز الشعير كوجبة رئيسة. وعندما تطورت أحوال الناس قليلا بدأ يظهر خبز الذرة المعروف بالكراديش. أما خبز القمح فقد كان حكرا على الإقطاعيين ولم ينتشر ليصبح طعام عامة الناس إلا في بداية الخمسينيات.

لم يستمر هذا الوضع بهذه القسوة الشديدة التي شهدتها أواخر الدولة العثمانية، وبدأت تخف مع الزمن رويدا رويدا وذلك تبعا لتطور الحياة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية.

الوضع الاجتماعي

تميز الوضع الاجتماعي في تلك الفترة بالعشائرية المبنية على التعصب وإلى الدرجة التي أتاحت الغزوات المتبادلة بين القرى والعشائر. وغالبا ما كان يتم الغزو لأسباب اقتصادية أو ثأرية. لكن العائلات الإقطاعية وقفت على قمة هرم التركيبة الاجتماعية وكونت لنفسها نفوذا قويا بحيث أنها سيطرت على مساحات كانت محرمة على نفوذ عائلات أخرى. آثار هذا الوضع ما تزال قائمة حتى يومنا هذا. وقد عمات تلك العائلات على بسط هيمنتها على القرى المجاورة وتجنيد سكانها للدفاع عن المصالح الإقطاعية. بمعنى أن الإقطاع قسم المجتمع الفلسطيني إلى قسمين: السادة والعبيد.

كان المجتمع الفلسطيني مجتمع رجال وفقط كبار السن منهم. لم يكن للمرأة قيمة اجتماعية واستعملت كعبدة تستخدم في الأشغال الشاقة. أما الأطفال فلم يكونوا على حال أحسن. وقد عظمت التركيبة العشائرية كبار السن الذين اعتبروا أصحاب الحكمة وعززت التقاليد فكرة السمع والطاعة لما يخططون ويأمرون. كانت العشيرة هي الملجأ وهي مصدر الفخار والأمن وكان لزاما على الفرد أن يتقيد بالتقاليد. وكما هي الحال بالنسبة للمجتمع العشائري، كان للعدو الداخلي أو العشائر المنافسة الأولوية في العداء على القوى الخارجية المعادية، والسبب أن العشائري يضع مصلحة العشيرة فوق كل المصالح بما فيها المصلحة الوطنية. يرخص الوطن وأهله أمام تحقيق مصالح العائلة أو القبيلة.

التعليم

لم بكن التعليم منتشرا في تلك الفترة في أي بقعة من نواحي الدولة العثمانية وكان الجهل عاما وطامّا. لم تعمل الدولة العثمانية مهتمة بالتعليم ولا ببناء المدارس وإعداد أجيال تقرأ وتكتب. كانت هناك مدارس قليلة جدا في مدن الدولة الكبيرة، أما المدن الصغيرة والأرياف فكانت تعتمد على مدارس بدائية سميت بالكتاتيب. كانت المهمة ملقاة على كاهل إمام المسجد الذي لم يكن على درجة وافرة من العلم ليعلّم بعض الأطفال القراءة والكتابة وبعض الآيات القرآنية والأحاديث. وبسبب أن عمله كان تطوعيا فإنه كان يكتفي ببعض العطايا العينية لقاء جهوده. لكن لا يُفهم أن كل الأطفال كانوا يحضرون الكتاتيب، بل كان الحضور مقتصرا على عدد من أطفال القلة الميسورين نسبيا.

إذا كان بعض الأطفال الذكور قد حضروا الكتاتيب واستطاعوا أن يمتلكوا الاستطاعة على القراءة والكتابة فإن حظ الإناث كان تعيسا. ساد ظن في تلك الفترة أن تعليم الإناث حرام شرعا، وكان الناس ينظرون بشك وريبة إلى بعض بنات الإقطاعيين في المدن الكبيرة بسبب إقبالهن على الدراسة.

على أية حال، لم يكن التعليم وقتئذ مهما بسبب عدم وجود الضرورة. كانت الحياة في غاية التخلف ولم تكن هناك وظائف وأشغال تنتظر المتعلمين. كانت الحياة بدائية ومعتمدة على أساليب زراعية بسيطة لا تتطلب معارفا أو فنونا علمية. أي أنه لم يكن لدى الناس دافعا لتعليم أبنائهم وكانوا يفضلون تشغيلهم في الحقول للمساعدة في تحصيل لقمة الخبز. فحتى لو حصل الطفل على تعليم فإنه كان يجد نفسه وراء المحراث أو حاملا للمنجل والفأس.

في المقابل، امتلأت حياة الناس بالشعوذة وسادت عقلية الجن والعفاريت والغول. ساد اعتقاد لدى الناس أنهم لا يملكون من أمورهم شيئا وأن حياتهم يتم تسييرها من قبل كائنات غيبية أكثر قوة منهم. ولهذا اتجهوا إلى تفسير الأمور غيبيا والتسليم لهذه القوى غير المرئية. حتى أن القصص الشعبية التي كانت سائدة مثل جبينة والشاطر حسن ونص نصيص اعتمدت الغول كبطل لا يمكن تجاوزه. وبسبب هذا اعتمد الناس على التنجيم والمشعوذين لمعرفة المستقبل وكشف أسرار الغيب وفي حل مشاكلهم القائمة.

الأوضاع الصحية

عانى الشعب السوري كما غيره من شعوب الدولة العثمانية من أوضاع صحية متردية جدا، ولم تعرهم الدولة الانتباه. مستوى النظافة كان بائسا جدا، وتفشي الأمراض كان ظاهرة عامة. انتشرت أمراض قاتلة ولم يكن لها من علاج مثل الحصبة والجدري والملاريا. أتت هذه الأمراض على عدد كبير من الأطفال إلى درجة أن بعض الأسر فقدت نصف أطفالها. لم تكن هناك عيادات ولم تتوفر مستشفيات بدائية إلا في المدن الكبيرة مثل حلب ونابلس وطرابلس ويافا.

باختصار، كان الشعب الفلسطيني يعاني في ذلك الوقت من الجوع والجهل والمرض، وهي آفات كفيلة بالانقضاض على أي شعب لتنهكه وتصيبه بالغثيان القاتل. كان الوضع صعبا جدا إلى درجة أنه يصعب جدا تحميل الشعب الفلسطيني في تلك الفترة، أي أواخر عهد العثمانيين، وزر نجاح المتآمرين الغربيين وحلفائهم الصهاينة.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.85 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.00%)]