الفصل الأول
فــــــي مسوغاتــــه:
و يجمعها العذر المسقط لوجوب الطهارة المائية و هو أمور:
الأول: عدم وجدان أقل ما يكفيه من الماء لوضوئه أو غسله، و لو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه.
لا يسوغ التيمم للمسافر بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه، بل لا بد له من إحراز عدمه بالفحص عنه، فلو احتمل وجوده في رحله أو في القافلة أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص إلى أن يحصل العلم أو الاطمئنان بعدمه، نعم لا يبعد عدم وجوب الفحص فيما إذا علم بعدم وجود الماء قبل ذلك و احتمل حدوثه، و لو كان في فلاة و احتمل وجود الماء فيما يقرب من مكانه أو في الطريق وجب الفحص عنه، و الأحوط لزوماً أن يفحص في المساحة التي حوله غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة)، و غلوة سهمين في الأرض السهلة، من الجهات الأربع أن احتمل وجوده في كل جهة منها، و إن اطمئن بعدمه في بعض معين من الجهات الأربع لم يجب عليه الطلب فيها، فإن لم يحتمل وجوده إلا في جهة معينة وجب عليه الطلب فيها خاصة دون غيرها، و البينة بمنزلة العلم فإن شهدت بعدم الماء في جهة أو جهات معينة لم يجب الطلب فيها.
المراد بـ (غلوة سهم) غاية ما يبلغه السهم عادة، و قد اختلف في تقديرها، و أكثر ما حددت به (480) ذراعا أي ما يقارب ( 220) متراً، فيكفي الفحص قدره على النحو المتقدم.
*** إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة و في بعضها سهلة يلحق كلاً حكمه من الغلوة و الغلوتين.
] إذا وجب الفحص عن الماء في مساحة لم يلزمه طلبه فيها ماشيا أو راكباً بل يكفي الاستطلاع عنه بأي وجه ممكن، كما لا تعتبر المباشرة في الفحص، فيكفي طلب الغير سواء أ كان عن استنابة أم لا، و لكن يشترط حصول الاطمئنان بقوله و لا يكفي كونه ثقة على الأظهر.
إذا علم أو اطمأن بوجود الماء خارج الحد المذكور في المدن أو الأرياف أو الآبار التي تكون بينه و بينها مسافة شاسعة لم يجب عليه السعي إليه، نعم إذا أحرز وجوده فيما هو خارج عن الحد المذكور بمقدار لا يصدق عرفاً أنه غير واجد للماء وجب عليه تحصيله.
إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجده لا تجب إعادة الطلب بعد دخول الوقت و إن احتمل تجدد وجوده، نعم إذا ترك الفحص في بعض الأمكنة للقطع بعدم وجود الماء فيها ثم شك في ذلك فلا بد من تكميل الطلب، و كذا إذا انتقل عن ذلك المكان فإن عليه تكميل الطلب مع التداخل في بعض المساحة و استئنافه مع عدمه.
إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة و إن احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدد وجوده.
وجوب الطلب في ضيق الوقت بقدر ما يتضيق عنه دون غيره، و يسقط كذلك إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحوهما، و كذا إذا كان في طلبه حرج لا يتحمله.
إذا ترك الطلب حتى ضاق الوقت فإن كان يعثر على الماء لو طلب كان عاصياً و إلا كان متجرياً، و الأقوى صحة صلاته حينئذ و إن علم أنه لو طلب لعثر، و لكن الأحوط استحبابا القضاء خصوصاً في الفرض المذكور.
إذا ترك الطلب و تيمم و صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية ففي صحة تيممه و صلاته إشكال و إن تبين عدم الماء.
إذا كان معه ماء فنسيه و تيمم و صلى ثم ذكر ذلك قبل أن يخرج الوقت فعليه أن يتوضأ و يعيد الصلاة.
إذا طلب الماء فلم يجده و يأس من العثور عليه في الوقت فتيمم و صلى ثم تبين وجوده في محل الطلب من الغلوة أو الغلوتين أو في الرحل أو القافلة صحت صلاته و لا يجب الإعادة أو القضاء.
الثانــــــــي: عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود أما لعجز عنه تكويناً لكبر أو نحوه، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب، أو لخوفه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به من سبع أو عدو أو لص أو ضياع أو غير ذلك.
الثالــــــــث: كون استعمال الماء ضرريا و لو لخصوصية فيه كشدة برودته، سواء أوجب حدوث مرض أو زيادته أو بطء برئه، و منه الرمد المانع من استعمال الماء إذا كان مكشوفا و أما إذا كان مستوراً بالدواء فيتعين الوضوء جبيرة كما مر في محله، و منه أيضا الشين الذي يعسر تحمله، و هو الخشونة المشوهة للخلقة و المؤدية في بعض الأبدان إلى تشقق الجلد، و لا يعتبر العلم أو الاطمئنان بترتب الضرر على استعمال الماء، بل يكفي الاحتمال المعتد به عند العقلاء ـ و لو بملاحظة الاهتمام بالمحتمل ـ المعبر عنه بالخوف.
الرابــــــــع: الحرج و المشقة إلى حد يصعب تحمله عليه، سوء أ كان: في تحصيل الماء مثلما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذله و هوانه، أو على شرائه بثمن يضر بماله، و إلا وجب الشراء و لو كان بأضعاف قيمته، أم كان في نفس استعماله لشدة برودته أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه، أم كان فيما يلازم استعماله في الوضوء أو الغسل كما لو كان لديه ماء قليل لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء أو الغسل و بين أن يبلل رأسه به مع فرض حاجته إليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في المشقة و الحرج.
الخامــــــس: خوف العطش على نفسه أو على غيره ممن يرتبط به و يكون من شأنه التحفظ عليه و الاهتمام بشأنه، و لو كان من غير النفوس المحترمة إنسانا كان أو حيواناً. و إذا خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره و لكن يجب عليه حفظه شرعاً أو يلزم من عدم التحفظ عليه ضرر أو حرج بالنسبة إليه اندرج ذلك في غيره من المسوغات.
الســـــــادس: إن يكون مكلفا بواجب يتعين صرف الماء فيه، مثل إزالة الخبث عن المسجد. فإنه يجب عليه التيمم و صرف الماء في تطهيره، و كذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً و لم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحديثة و الخبثية معاً فإنه يتعين صرفه في إزالة الخبث، و إن كان الأولى فيه أن يصرف الماء في إزالة الخبث أولاً ثم يتيمم بعد ذلك.
السابــــع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله بحيث يلزم من الوضوء أو الغسل وقوع الصلاة أو بعضها في خارج الوقت، فيجوز التيمم في جميع الموارد المذكورة.
الأظهر أن صحة التيمم لأحد المسوغات المذكورة، بل وجوب اختياره في بعضها حذراً عن مخالفة تكليف إلزامي لا ينافي صحة الطهارة المائية مع توفر شرائطها، و هذا يجري في جميع المسوغات المتقدمة عدا الثالث منها، فإن الظاهر بطلان الوضوء و الغسل فيما يكون استعمال الماء بنفسه ضررياً و إن لم يكن بمرتبة محرمة، و أما في غيره فالأظهر الصحة حتى فيما يجب فيه حفظ الماء كما في المسوغ السادس.
إذا وجب التيمم لفقد بعض شرائط الوضوء أو الغسل، فتوضأ أو اغتسل لنسيان أو غفلة أو جهل لم يصح، نعم في الوضوء و الغسل بالماء المغصوب
إذا آوى إلى فراشه و ذكر أنه ليس على وضوء جاز له التيمم رجاء و إن تمكن من استعمال الماء، كما يجوز التيمم لصلاة الجنازة إن لم يتمكن من استعمال الماء و إدراك الصلاة، بل لا بأس به مع التمكن أيضا رجاء.
فيما يتيمم به
الأقوى جواز التيمم بما يسمى أرضا، سواء أ كان تراباً، أم رملاً، أو مدراً، أم حصى، أم صخراً، و منه أرض الجص و النورة، قبل الإحراق، و إن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على التراب مع الإمكان، و الأحوط لو لم يكن أقوى اعتبار علوق شيء مما يتيمم به باليد فلا يجزئ التيمم على مثل الحجر الأملس الذي لا غبار عليه.
لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض و إن كان أصله منها، كرماد غير الأرض، و النبات، و بعض المعادن كالذهب و الفضة، و أما العقيق و الفيروزج و نحوهما من الأحجار الكريمة فالأظهر جواز التيمم بها مع تحقق العلوق، و كذلك الخزف و الجص و النورة بعد الإحراق و إن كان الأحوط تقديم غيرها عليها.
لا يجوز التيمم بالنجس، و لا المغصوب، و لا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، نعم لا يضر إذا كان الخليط مستهلكاً فيه عرفاً، و لو أكره على المكث في المكان المغصوب فالأظهر جواز التيمم على أرضه و لكن يقتصر فيه على وضع اليدين و لا يضرب بهما عليها.
إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما، و إذا اشتبه التراب بالرماد فتيمم بكل منهما صح، بل يجب ذلك مع الانحصار، و كذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس.
الغبار المجتمع على الثوب و نحوه إذا عد تراباً دقيقاً بأن كان له جرم بنظر العرف جاز التيمم به على الأظهر و إن كان الأحوط تقديم غيره عليه، و إذا كان الغبار كامنا في الثوب مثلاً وأمكن نفضه و جمعه بحيث يصدق عليه التراب تعين ذلك إذا لم يتيسر غيره.
إذا تعذر التيمم بالأرض و ما يلحق بها من الغبار تعين التيمم بالوحل و هو الطين الذي يلصق باليد، و لا يجوز إزالة جميعه بل الأحوط عدم إزالة شيء منه إلا ما يتوقف على إزالته صدق المسح باليد، و لو أمكن تجفيفه و التيمم به تعين ذلك و لا يجوز التيمم بالوحل حينئذ.
و لو تعذر التيمم بكل ما تقدم تعين التيمم بالشيء المغبر أي ما يكون الغبار كامناً فيه أو لا يكون له جرم بحيث يصدق عليه التراب الدقيق كما تقدم.
إذا عجز عن الأرض، و الغبار، و الوحل و الشيء المغبر، كان فاقداً للطهور، و الأظهر حينئذ سقوط الصلاة في الوقت و وجوب القضاء في خارجه.
و إذا تمكن المكلف من الثلج و أمكنه إذابته و الوضوء به، أو أمكنه مسح الوجه و اليدين به على نحو يتحقق مسمى الغسل مع مسح الرأس و الرجلين بنداوة اليد تعين ذلك و لم يجز له التيمم، و إما إذا لم يتمكن من المسح به إلا على نحو لا يتحقق الغسل فالظاهر تعيين التيمم و إن كان الأحوط استحباباً له الجمع بين التيمم و المسح به و الصلاة في الوقت.
الأحوط استحباباً نفض اليدين بعد الضرب، و الأحوط وجوباً أن يكون ما يتيمم به نظيفاً عرفاً، و يستحب أن يكون من ربى الأرض و عواليها، و يكره أن يكون من مهابطها، و أن يكون من تراب الطريق.
كيفية التيمم
كيفية التيمم أن يضرب بباطن يديه على الأرض و لا يبعد كفاية الوضع أيضا ـ و الأحوط وجوبا أن يفعل ذلك دفعة واحدة ـ ثم يمسح بهما جميعاً تمام جبهته و كذا جبينيه على الأحوط من قصاص الشعر إلى الحاجبين و إلى طرف الأنف الأعلى المتصل بالجبهة، و الأحوط الأولى مسح الحاجبين أيضاً، ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع بباطن اليسرى، ثم مسح تمام ظاهر الكف اليسرى كذلك بباطن الكف اليمنى.
لا يجب المسح بتمام كل من الكفين، بل يكفي المسح ببعض كل منهما على نحو يستوعب الجبهة و كذا الجبينين على ما تقدم
المراد من الجبهة الموضع المستوي. و المراد من الجبين ما بينه و بين طرف الحاجب إلى قصاص الشعر.
الأظهر كفاية ضربة واحدة في التيمم بدلاً عن الغسل أو الوضوء، و إن كان الأحوط استحباباً تعدد الضرب فيضرب ضربة للوجه و ضربة للكفين، و يكفي في الاحتياط أن يمسح الكفين مع الوجه في الضربة الأولى، ثم يضرب ضربة ثانية فيمسح كفيه، و كذا الحال في الوضع.
إذا تعذر الضرب و الوضع ثم المسح بالباطن انتقل إلى الظاهر، و كذا إذا كان نجساً نجاسة متعدية إلى ما يتيمم به و لم تمكن الإزالة، أما إذا لم تكن متعدية ضرب به أو وضع عليه و مسح، بل الظاهر عدم اعتبار الطهارة في الماسح و الممسوح مطلقا، و إذا كان على الممسوح حائل كالجبيرة لا تمكن إزالته مسح عليه، أما إذا كان ذلك على الباطن الماسح فمع عدم الاستيعاب يمسح بالباقي و أما معه فالأحوط وجوباً الجمع بين المسح به و المسح بالظاهر بعد الضرب أو الوضع.
المحدث بالأصغر يتيمم بدلاً عن الوضوء. و الجنب يتيمم بدلاً عن الغسل، و المحدث بالأكبر غير الجنابة يتيمم عن الغسل و إذا كان محدثا بالأصغر أيضاً فالأحوط استحباباً أن يتوضأ، و إن لم يتمكن من الوضوء يتيمم بدلاً عنه، و إذا تمكن من الغسل أتى به، و هو يغني عن الوضوء إلا في الاستحاضة المتوسطة فلا بد فيها من الوضوء فإن لم تتمكن تيممت عنه، و إن لم تتمكن من الغسل أيضاً فالأظهر كفاية تيمم واحد بدلاً عنهما جميعاً.
شروط التيمم
يشترط في التيمم النية على ما تقدم في الوضوء، مقارناً بها الضرب أو الوضع على الأحوط.
] لا تجب فيه نية البدلية عن الوضوء أو الغسل، بل تكفي نية القربة فقط، نعم مع الإتيان بتيممين بدلاً عن الغسل و الوضوء ـ و لو احتياطا ـ فلا بد من التمييز بينهما بوجه و يكفي التمييز بنية البدلية.
الأقوى أن التيمم رافع للحدث ما لم يتحقق أحد نواقضه، و لا تجب فيه نية الرفع و لا نية الاستباحة للصلاة مثلاً.
يشترط فيه المباشرة و كذا الموالاة حتى فيما كان بدلاً عن الغسل، و يشترط فيه أيضاً الترتيب على حسب ما تقدم، و الأحوط وجوباً البدأة من الأعلى و المسح منه إلى الأسفل.
من قطعت إحدى كفيه أو كلتاهما يتيمم بالذراع، و من قطعت إحدى يديه من المرفق يكتفي بضرب الأخرى أو وضعها و المسح بها على الجبهة ثم مسح ظهرها بالأرض، و أما أقطع اليدين من المرفق فيكفيه مسح جبهته بالأرض و قد مر حكم ذي الجبيرة و الحائل في المسألة 367، و يجري هنا ما تقدم في الوضوء في حكم اللحم الزائد و اليد الزائدة.
إذا لم يتمكن من المباشرة إلا مع الاستعانة بغيره بأن يشاركه في ضرب يديه أو وضعهما على ما يتيمم به ثم وضعهما على جبهته و يديه مع تصديه هو للمسح بهما تعين ذلك و هو الذي يتولى النية حينئذ، و إن لم يتمكن من المباشرة و لو على هذا النحو طلب من غيره أن ييممه فيضرب بيدي العاجز و يمسح بهما مع الإمكان، و مع العجز يضرب المتولي بيدي
نفسه و يمسح بهما، و الأحوط في الصورتين أن يتولى النية كل منهما.
الشعر المتدلي على الجبهة يجب رفعه و مسح البشرة تحته، و أما النابت فيها فالظاهر الاجتزاء بمسه.
إذا خالف الترتيب بطل مع فوات الموالاة و إن كانت لجهل أو نسيان، أما لو لم تفت صح إذا أعاد على نحو يحصل به الترتيب.
الخاتم حائل يجب نزعه حال المسح على اليد.
يعتبر إباحة التراب الذي يتيمم به كما مر، و الأحوط الأولى إباحة الفضاء الذي يقع فيه التيمم و الظرف الذي يشتمل على ما يتيمم به بأن لا يكون مغصوبا مثلاً.
إذا شك في جزء منه بعد الفراغ لم يلتفت، و لكن الشك إذا كان في الجزء الأخير و لم تفت الموالاة و لم يدخل في عمل آخر من صلاة و نحوها فالأحوط وجوباً الالتفات إلى الشك، و لو شك في جزء منه بعد التجاوز عن محله لم يلتفت و إن كان الأحوط استحباباً التدارك.