عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-03-2007, 09:16 AM
قلم المنتدى قلم المنتدى غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2007
مكان الإقامة: The US, BOSTON
الجنس :
المشاركات: 1
الدولة : United_States
افتراضي

قراءة في كتاب
هاشم الرفاعي .. اغتراب وألم
للدكتور محمد علي داود (1)

بقلم: د. حسين علي محمد

أصدر الدكتور محمد علي داود الأستاذ بجامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية كتاباً مؤخراً بعنوان "هاشم الرفاعي .. اغتراب وألم" في 128 صفحة من القطع المتوسط.
وهاشم الرفاعي (1935-1959م/1354-1379هـ) شاعر من شعراء الصحوة الإسلامية وقصيدته التي مطلعها:
أبتاهُ ماذا قدْ يخُطُّ بنـاني والحبلُ والجلاّدُ ينتظراني؟
معروفة ومحفوظة في الصدور.
وكذلك قصيدته عن شباب الإسلام التي مطلعها:
ملكنا هذه الدنيــا قرونا وأخضعَهـا جدودٌ خالدونـا
ما الذي أورث هذا الشاعر المسلم الشاب السأم والألم فجعله يعيش مغتربا، وهو شاب يُفترض فيه أن يتفجّر بالحياة والرغبة في الإصلاح؟
لقد نشأ هاشم الرفاعي نشأة دينية أورثته غيرة على الإسلام والوطن، وبعثت في نفسه عوامل النهوض والإصلاح، لذا ظل يجاهد بشعره، ويُدافع عن مبادئ الإسلام، ولم يدّخر وسعاً في سبيل الوصول إلى مراده، وعلى رأس ذلك: نهضة الإسلام، ورفعة الوطن، وتحقيق الحياة الكريمة للشعب، وكم نادى بالإصلاح، وكم قال شعراً، ولكنه أحسَّ أن أحداً لا يستجيب له، وأن أشعاره لا تؤتي ثمارها، وأن الواقع يٌحاصر آماله ويُجهضُها، ومن ثم رأينا أشعار الاغتراب والألم.
ومن أشعاره الرائعة التي تعبر عن ذلك:
وحولي من سكون الليـ لِ والأوهـامِ أستـارُ
وفي رأسي خيــالاتُ تموجُ بهِ وأفكـــارُ
سجينٌ لي من الظلمــا تِ قضبــانٌ وأسوارُ
تُعذِّبني أحا سيـــسٌ لها بالقلبِ أظفـــارُ
تموجُ لديْــهِ آمــالٌ وتذوي منهُ أزهــارُ
ويحيا حين تبرقُ مــنْ سنــا الأحلامِ أنوارُ
وبين يديْــهِ مسكوبٌ من الأوهام مــدرارُ
لهُ لليــأسِ أسبـابُ وللتأميــلِ أعــذارُ
لقد تناول المؤلف في كتابه الحياة السياسية والاجتماعية في زمن الشاعر، وبين كيف أثرت فيه، ووضح أسباب اغتراب الشاعر، وهي:
1-التناقض بين المربى (البيئة الخاصة) والواقع.
2-تناقض ذاته وآماله مع الواقع.
3-انقلاب المعايير والموازين.
ثم تناول مضامين الاغتراب عنده، فوضح أنها اغتراب موضوعي، واغتراب بمعنى عدم القدرة والعجز عن التغيير، واغتراب بمعنى تلاشي المعايير واختلال الموازين، واغتراب باعثه ديني أو سياسي. ثم تناول مظاهر الاغتراب في شعر هاشم الرفاعي وقصصه الشعري، وختم الكتاب بنموذجين شعريين للاغتراب عنده.
إنه كتاب جديد في موضوعه، فلم يتناول واحد من الذين كتبوا عن هاشم الرفاعي من قبل ـ وهم كثير ـ ظاهرة الاغتراب في شعره، وهذه خصيصة في أبحاث الدكتور محمد علي داود؛ فهو يلجأ إلى موضوعات جديدة لم تُطرق من قبل في دراساته لتكون له لذة الاكتشاف والدخول إلى أراض بكر لم تطأها قدم من قبل.


هاشم الرفاعي: قراءة جديدة في قضية قديمة(1)
بقلم: د. حسين علي محمد

في الثاني من يولية (1959م) سقط شاعر الصحوة الإسلامية هاشم الرفاعي (1935-1959م) مُضرَّجاً بدمه، بعد أن اغتيل بخنجر في نادي أنشاص الرياضي (من أعمال مركز بلبيس ـ محافظة الشرقية بمصر).
وجامع ديوان هاشم الرفاعي ومحققه الأستاذ محمد حسن بريغش يقول في المقدمة:
"في سنة 1959م، في الثاني من يولية (تموز) قتل الشاعر على يد بعض حساده ومبغضيه من الشيوعيين الذين حاربهم وكشف ضلالهم وخداعهم ولؤم أنفسهم. وكانت الأحداث الظاهرة التي أدت إلى مقتله هي الخلافات التي وقعت بين الشاعر ومؤيديه وبين فئة أخرى من الشيوعيين ومؤيديهم في نادي أنشاص الرياضي الثقافي. وحصل صراع بين الفريقين حتى حاول الفريق الآخر تشكيل مجلس إدارة للنادي في 5 أغسطس (آب) 1958م، فقام هاشم وزملاؤه بالاستيلاء على النادي وشكلوا مجلس إدارة وأخذوا أغراض النادي، واشتد الصراع حتى تدخلت السلطة في الأمر. وفي 28 أغسطس اجتمع الطرفان في منزل واحد منهم، واتفقوا جميعاً، وعادت أغراض النادي".
"ولكن هذه التسوية الظاهرة لم تكن إلا تسوية مؤقتة لاسيما بعد أن رأوا هاشماً يزداد تألقا، وتزداد مكانته وشهرته بين الشباب المثقف في أرجاء الوطن العربي فضلا عن بلدته. وكان واضحاً أنه يُمثل الاتجاه الإسلامي في الصراع الدائر في مصر بين المسلمين وأعدائهم. وكان الشيوعيون من ذوي النفوذ في تلك الفترة يحاولون طمس الاتجاه الإسلامي والتنكيل بأصحابه".
"اجتمعت كل هذه العوامل لتؤدي إلى استدراج الشاعر إلى خصام مصطنع في ملعب النادي، وطعنه بالسكاكين … وظل سؤال يدور على الألسنة: هل كان قتل الشاعر نتيجة لهذا الحسد والخلاف بينه وبين هؤلاء؟ أم أن لقصائده التي ذاعت، وحملها الشباب، وأنشدها المظلومون وشباب المسلمين في السجون والشوارع هي التي دفعت إلى قتله؟ وهل كانت هناك أصابع خفية أرادت أن تستغل هذه الصورة الظاهرة من الخلافات بينه وبين أقرانه لتقضي عليه دون ضجة؟"
"كل ذلك ممكن، ولاسيما وأن صوراً كثيرة كانت تحدث للذين يختفون فجأة بعد أن تُشير تقارير العيون والجواسيس إلى خطورتهم، وتنطوي صفحات حياتهم فجأة بحادث مصطنع، أو مرض مفاجئ، أو … أو … فهل لقي شاعرنا هذا المصير وبهذه الطريقة بتدبير خفي؟ أم أن موته كان ضربة غادرة لم تحسب للمصير حسابا؟"(2).
وفي رأيي أن كل هذه التساؤلات التي طرحها الأستاذ محمد حسن بريغش لا مُبرِّر لها، لعدة أسباب:
أولا: أن الشاعر هاشم الرفاعي كان شاعر الثورة المصرية، وكان وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت (كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة) يتبناه، ويعدُّه شاعر الثورة المصرية، فكيف تُخطِّط الدولة لقتله والتخلص منه، بينما واحد من أبرز وزرائها من المعجبين به، والدافعين له إلى الأمام؟
ثانيا: إن محاولات التعذيب والاغتيال التي تكلم عنها الأستاذ محمد حسن بريغش لم تشتهر عن النظام المصري إلا في الستينيات، قبل هزيمة يونيو 1967م، والتي اشتدّت شراستها مع الإخوان المسلمين 1964م، ومع مُلاّك الأراضي عام 1966م (في حادثة كمشيش الشهيرة)، وقد أشار إلى محاولات التعذيب والاغتيال هذه بعض الكتاب ـ رمزاً لا تصريحاً ـ مثل عبد الرحمن الشرقاوي في "الفتى مهران" (1966م)، وصلاح عبد الصبور في "مأساة الحلاج" (1966م أيضا)(3).
ثالثاُ: إن النظام لم يكن متحالفاً مع الشيوعيين في ذلك الوقت ـ عام 1959م حينما اغتيل هاشم الرفاعي ـ فقد رفض بعض الشيوعيين الانضمام إلى حظيرة النظام "الاتحاد القومي"، ومن ثم فلم يكن النظام ليقف جانبهم، أو يتبنى أطروحاتهم، ولكنه بعد عام 1961م، وبعد ما سُمِّي بـ "قرارات يوليو الاشتراكية والتأميم"، تحالف النظام معهم حتى جاءت النكبة عام 1967م، ثم وزّع على أقطابهم مجالس إدارات الصحف والمؤسسات الصحفية والثقافية، فمارسوا تأثيرهم المدمِّر.
رابعاً: إن الشيوعيين المصريين ـ كما يعترف الشيوعيون أنفسهم ـ ظل تأثيرهم محدوداً في طبقات محدودة من المثقفين والعمّال والطلاب (في المدن الكبيرة، أو المدن التي بها وجود عمالي كبير مثل حلوان أو المحلة الكبرى)، ويندر أن تجد طلابا في قرية صغيرة (مثل قرية أنشاص) يتجهون إلى الشيوعية، بل إني أرى أنه يستحيل ذلك!!
خامساً: إن الطالب الذي اتُّهم بقتل هاشم الرفاعي هو طالب أزهري من جيله، وحينما حُكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما أكمل دراسته الجامعية الأولى (الليسانس)، فالعليا (الماجستير، فالدكتوراه) بالأزهر، وهو يعمل الآن بإحدى فروع جامعة الأزهر بمصر، وما عرفنا أن الأزهر يدرس فيه الشيوعيون طلاباً، أو يعملون بالتدريس فيه أساتذة.
إذن لماذا اغتيل هاشم الرفاعي؟
يقول هاشم الرفاعي في إهداء مجموعته الثانية المخطوطة، التي عثر عليها بريغش: "إلى أحبائي وأصدقائي ممن يودُّون لي الخير والتقدم في هذا المضمار، وإلى أعدائي وحُسّادي ممن يحزنهم ويؤلم نفوسهم أن أتقدّمهم وأسمو عليهم، فإلى الأحباب والأصدقاء لتقرَّ أعينهم وتفرح قلوبهم، وإلى الأعداء والحُساد ليزدادوا كمداً وغيْظاً"(4).
وفي الفقرة السابقة نجد "أعدائي وحُسّادي" حيث يُضيف النكرة إلى ياء المتكلم، ليؤكد عداوتهم له، ومعرفته الأكيدة بهذه العداوة، ويكررها مرة أخرى مع أداة التعريف، ليقول لنا: إنهم معلومون ومعروفون بالنسبة له جيداً.
وفي ديوان شعره نجد صوراً نفسية له مع أعدائه، الذين يكرهونه ويحقدون عليه لفضله وعلمه ونبله، ومقامه المحمود بين الناس. ومن الطبعي أن يحقد بعض شباب قريته عليه لبروزه وشهرته في المحافل الأدبية وهو لمّا يبلغ العشرين بعد:
ولكنَّ قومــاً، لا عفا اللهُ عنهمـو***يروْنَ ذنوبي أن يدينَ بيَ النُّبْــلُ
وما حيلتي فيهم وذنبي لديْهـمو***مقامي حميـداً حيث لا ينزلُ الذُّلُّ
تحمّلتُ منهم كلًّ ما يُغضبُ الفتى*** وعندَ امتلاءِ الكيْلِ قدْ يطفحُ الكيْلُ
وأهونُ حيٍّ من يُــرى ذا عزيمـةٍ***ويسكتُ يوماً إن أسَـاءَ لهُ نذْلُ (5)
وهذه القصيدة المبكرة ـ التي كتبها هاشم الرفاعي وهو في التاسعة عشرة من عمره ـ لا تكتفي بوصف الصورة النفسية لصاحبها، وما يُكابده من أعدائه وحساده، "من بعض طلبة أنشاص" (كما يقول في الهامش)، ولكنها تنتقل إلى هجائهم:
وإني وقد أنضجْتُ غيظاً قلوبهـمْ***على حين لمْ يُسمـعْ لديَّ لهمْ قوْلُ
لئنْ شئتُ عاشوا في ثيابِ مـذلَّةٍ***ولكنَّ لي عنهمْ بنيْلِ العُـلا شُغْلُ
لحـا اللهُ جُهّالاَ تكاثرَ جهلُهُـمْ***فسال به حزنُ وفاض بهِ سهْلُ(6)
إذا رُمتَ أن تُسقىمن الودِّ عندهمْ***فكنْ مثلهمْ في الناسِ شيمتُك الجهْلُ
وإن كنتَ تبغي العيْشَ في ظلِّ حبِّهمْ***فلا يصطفيكَ العُمرَ من دونهمْ فضْلُ
أولو حسَدٍ قدْ ساءهم ما بلغْتُـهُ***فحقدُهُمُ وارٍ وفي صَدرهمْ غِلُّ(7)
يريدون بينَ الناسِ ذكْـراً ورفعةً***وظنوا بأنَّ المجـد إدراكُهُ سهْلُ!!
ودون بلـوغِ المجدِ عزمٌ وفطنةٌ***وما لهمـو في ذاك باعٌ ولا حوْلُ
وكمْ بذلوا للنيْلِ مني جهودَهـمْ***فمـا بلغوا قصْداً وفاتهمُ النَّيْلُ!
وما أنا ممن يجحدُ الناسُ فضلَهمْ***ولـكنَّهُ خُبْــثُ السريرةِ والدَّخْلُ
وكمْ في عِدادِ العاجزينَ مُكابِــرٌ***إذا جاء ضوْءُ الصبحِ قالَ هو الليْلُ(8)
وإذا تجاوزنا هذا الهجاء التقليدي الذي يتهم مناوئيه وشاتميه بالجهل، والحسد، والعجز، فإننا نجد هاشما يُهدِّدُ أعداءه بالقتل:
ومثليَ لوْ شاءوا البلــوغَ لمجْدهِ***لأقعَــدهمْ جبنٌ وأعجزهمْ عقْلُ
وذي سَفَهٍ منهم مشـى بنميمـةٍ***فأهونُ تنكيــلٍ يليقُ بهِ القتْلُ(9)
فهل كان هاشم الرفاعي يضع بهذيْن البيتين بذرة مصرعه؟
ـــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.42 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]