السـلام عليكـم ورحمـة الله تعالـى وبركـاته
* العصر الذي عاش فيه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-
عاش الإمام أحمد ف عصر المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ثم المتوكل.في هذه العصور،كانت صولة المعتزلة وجولتهم في أعلى ذروتها لاسيما في عصر المأمون.فقد كان المأمون تلميذا لأحد رؤساء المعتزلة فافتُتن بالفلسفة اليونانية.واستغل أحمد بن أبي ذؤاد المعتزلي هذه الصلة فتودد إليه ليعينه وزيرا خاصا له ومستشاره.وكان الإمام أحمد بعيدا كل البعد عن الفلسفة وعن الاعتزال.وفي هذه الفترة قال المعتزلة بخلق القرآن أي أن القرآن حادث مخلوق وليس كلام الله الأزلي القديم،وتبنى المأمون هذا القول وأرسل كتابا إلى نائبه ببغداد يوضح فيه القول مدعوما بالحجج العلمية،وأمره أن يجمع كل العلماء ليقنعهم بأن القرآن مخلوق كما أمره بأن يقطع رزق وجراية كل من لم يقتنع،لكن رغم ذلك رفض العلماء هذا القول.فأمره المأمون مرة ثانية بإرسال كل من لم يقتنع إليه مقيدا بالأغلال وتحت تهديد القتل.
* موقف الإمام أحمد من مسألة خلق القرآن :
كان إمامنا الكريم من بين الثلة التي رفضت أن تقتنع ولم تتراجع،فقيدوا جميعا بالأغلال وذُهب بهم إلى المأمون.وفي الطريق تراجع البعض خوفا ومات البعض الآخر ولم يبق إلا الإمام أحمد الذي هدده خادم المأمون بالقتل إن لم يجب،لكنه رفض التراجع عن الحق.
وبينما هو في الطريق لا يفصله إلا ساعات من السير للوصول إلى المأمون،جثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق طرفه إلى السماء داعيا: سيدي غرَّ حِلْمُكَ هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل،اللهم فإن يكن القرآن كلامك غير مخلوق فألقنا مؤنته.توفي المأمون قبل أن يصل إليه الإمام أحمد فأعيد وأودع بالسجن ريثما تستقر الأمور.
* محنته العظيمة :
وفي عصر المعتصم استدعِيَ الإمام أحمد وهو مثقل بالحديد وكان عند المعتصم ثلة من المعتزلة من بينهم بن أبي ذؤاد المعتزلي الذي كان يضمر كيدا شديدا لإمامنا أحمد،عرض المعتصم أن يناقشوا الإمام حول مسألة خلق القرآن وكاد أن يقتنع بقول أحمد ولكن المعتزلة و ابن أبي ذؤاد قالوا إن أحمد لضال مبتدع. عرض المعتصم على الإمام أحمد أن يرجع عما يقول مغرياً إياه بالمال والعطايا ولكن الإمام أحمد قال له: أرني شيئاً من كتاب الله أعتمد عليه.فسيق أحمد إلى الضرب والتعذيب. وكان يُضرَب ضرباً مبرحاً حتى يغشى عليه ثم يأتون به في اليوم المقبل. وبرغم ذلك أقبل أحمد على الناس في السجن يعلِّمهم ويهديهم.
ثم قام ابن أبي ذؤاد بنقله إلى سجن خاص،وضاعفوا له القيود والأغلال وأقاموا عليه سجانين غلاظ،وكم سالت دماؤه وكم اهين وهو رغم ذلك يرفض أن يذعن لغير قول الحق.
بعد مرور عامين ونصف على هذه المعاناة وهذه المحنة،أوشكت الثورة أن تشتعل في بغداد على الخليفة المعتصم،حيث وقف الفقهاء مطالبين بإطلاق سراح الإمام وإعادته لبيته ومعالجة جراحه.
وفي عهد الخليفة المتوكل حاول أن يكرم الإمام أحمد ويصله ولكنه رفض شاكرا،وندم المعتصم على ما وقع منه وكان يرسل كل يوم من يطمئن على حاله.
يتبع بإذن الله ....الجزء الرابع والأخير