تــــابـع الـقـصـــة
وسار رجال من بني سلمة فتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنباً قبل هذا، لقد عجزت في ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي.
ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟
قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال: قلت: من هما؟
قالوا: مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقدي ، قال: فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدراً فيهما أسوة، قال: فمضيت حينما ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة.
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني.
قال: حتى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ؛ وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد عليّ السلام، فقلت له: يا أبا قتادة ! أنشدك الله! هل تعلمني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟
فسكت، فعدت مناشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، فتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشي في سوق المدينة ، إذا نبطي من نبط أهل الشام ، ممن قدم بالطعام يبيعه بـالمدينة ، يقول: من يدل على كعب بن مالك ، فطفق الناس يشيرون إليّ، حتى جاءني فدفع إليّ كتاباً من ملك غسان ، وكنت كاتباً؛ أي: أقرأ، فقرأت فإذا فيه، أما بعد:
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله في دار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها: وهذه أيضاً من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها.
حتى مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني رسول الله أرسل إلينا- يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضايع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟
قال: لا. ولكن لا يقربنك.
فقالت: والله ما به من حركة إلى شيء، فوالله ما زال يبكي منذ أن كان من أمره ما كان إلى يومه.
فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟ }.
وللقصة بقية ان شاء الله
:85:

:85: