عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23-05-2007, 03:50 PM
الصورة الرمزية ! ابــو أيهــم !
! ابــو أيهــم ! ! ابــو أيهــم ! غير متصل
قلم مميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
مكان الإقامة: غربة الذكريات ..
الجنس :
المشاركات: 2,768
Icon1

السوق. وقد رد أسباب الرخص إلى العوامل التالية[iv][37] :

§

المبحث الثالث


التسعير

السعر هو الثمن الذي تتم على أساسه عملية التبادل بين البائع والمشتري. والأصل أن يتحدد تلقائيا دون تدخلٍ بناء على عوامل العرض والطلب. ولا يمكن أن تتم أي عملية تبادل في السوق دون تحديد السعر بغض النظر عن كونه وحدات نقدية أو عينية.
وقد ميّز ابن عابدين بين الثمن والقيمة فقال: "الثمن هو ما تراضى عليه المتعاقدان سواء زاد على القيمة أو نقص. والقيمة هي ما قوّم به الشيء بمنزلة العيار من غير زيادة و لا نقصان"[34]. فالأول أي الثمن يكون برضى الطرفين ومن الممكن أن يُغبَن أحد الطرفين ويرضى بسبب حاجته ، وقد يعبر ذلك عن سوق احتكارية. أما الثاني أي القيمة فتمثل العوض المعيار حسب عوامل العرض والطلب في سوق منافسة كاملة. ويذكر أبو جعفر الدمشقي آلية تحديد القيمة المتوسطة و تبدل السعر حسب درجته فقال[ii][35]: الوجه في التعرّف على القيمة المتوسطة أن تسأل الثقات الخبيرين عن سعر ذلك في بلدهم على ما جرت به العادة أكثر الأوقات المستمرة، والزيادة المتعارفة فيه والنقص المتعارف والزيادة النادرة والنقص النادر وقياس بعض ذلك ببعض ، مضافا إلى نسبة الأحوال التي هم عليها من خوف أو أمن ومن توفّر وكثرة أو اختلال وتستخرج بقريحتك لذلك الشيء قيمة متوسطة أو تستعملها من ذوي الخبرة والمعرفة والأمانة منهم. فإن لكل بضاعة ولكل شيء مما يمكن بيعه قيمة ، قيمة متوسطة معروفة عند أهل الخبرة به ، فما زاد عليها سمي بأسماء مختلفة على قدر ارتفاعه ، فإنه إذا كانت الزيادة يسيرة قيل تحرك السعر ، فإن زاد شيئا قيل قد نفق ، فإن زاد أيضا قيل ارتقى ، فإن زاد قيل غلا ، فإن زاد قيل قد تناهى فإن كان مما الحاجة إليه ضرورة كالأقوات سمي الغلاء العظيم والمبير. وبإزاء هذه الأسماء في الزيادة أسماء النقصان ، فإن كان النقصان يسيرا قيل هدأ السعر ، فإن نقص قيل قد رخص، فإن نقص قيل قد بار ، فإن نقص قيل قد سقط ، وما شاكل هذا الاسم.
وقال ابن تيمية عن تقديره لسعر السوق أو ما أسماه عِوض المثل أو قيمة المثل وأجرة المثل: "إن عِوَض المثل هو الذي يقال له السعر فالأصل فيه اختيار الآدميين وإرادتهم ورغبتهم"[iii][36].
أما القاضي عبد الجبار فقد عرّف الثمن بأنه تقدير البدل الذي تباع به الأشياء على وجهة التراضي. ويلاحظ أنه عبر عنه بكلمة البدل بغض النظر عن التكلفة وطبقا لظروف


كثرة الشيء ووفرته.
§ زيادة العرض فإذا عدل الناس إلى متاع آخر أدى ذلك إلى انخفاض قيمة المتاع الأول. وكذلك إذا تلفت البهائم فيزداد عرض علفها.
§ قلة الحاجة: كنقصان الطلب بسبب الاكتفاء ، أو تغير عادات المستهلكين وأذواقهم.
§ قلة المحتاجين: كالوباء والهلاك (أي بسبب انخفاض عدد السكان).
كما رد أسباب الغلاء إلى عوامل السوق أو فعل فاعل. فعوامل السوق هي:
§ قلة الشيء مع الحاجة إليه.
§ كثرة المحتاجين إليه.
§ زيادة الحاجة والشهوة : بسبب المجاعة وعدم الشبع أو تغير عادات المستهلكين كالترف مثلاً. وقد ذكرنا سابقاً قول عمر بن الخطاب t لجابر بن عبد الله t "أوكلما اشتهيتم اشتريتم".
§ الخوف من عدم الحصول عليه: ويعود ذلك إلى عوامل نفسية وتوقعات المستهلكين.
أما الأسباب التي تعود لفعل فاعل فقد تكون:
§ طبيعية (ظروف خارجة عن الإرادة).
§ أو حكومية (عوامل سياسية).
§ أو مصالح شخصية (عوامل اقتصادية كالاحتكار).
[i]ويرى ابن تيمية أن ارتفاع السعر لقلة الرزق (العرض) أو كثرة الخلق (الطلب) هو ارتفاع عادل ، كما يراه أمراً ضرورياً لكي تقوّم به المبيعات[v][38].
ولقد عزل الخليفة القاهر أحد عماله لأنه قدّر ثمن الفواكه أكثر من سعر السوق ، ثم جبى الضرائب نقدا على أساس هذا التقدير. وأمره بأن يأخذ الخراج مقاسمة سواء كان ذلك على خراج الشجر أو خراج الغلات[vi][39]. وعندما طلب الصحابة رضي الله عنهم من رسول الله e أن يسّعر لهم قال: "إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بظلمة ظلمته إياها في دم ولا مال"[vii][40].
ويرى ابن قدامة بأن "التسعير هو سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلدا يكرهون على بيعها فيه بغير ما يريدون ومن عنده بضاعة يمتنع من بيعها ويكتمها ، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلا فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلوا الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين ، أي جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم ، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراما"[viii][41].
أما القاضي عبد الجبار فأجاز التسعير إذا كان فيه نفع ومصلحة وذلك من باب المعروف والنصيحة في الدين. "وأجازه إذا تواطأ الناس على السعر لنفع لهم ما لم يؤّد إلى مضّرة عظيمة فالمالك مسلط على ملكه فله أن يبيع بسعر مخصوص وأن يمتنع من بيعه ما لم يؤد إلى ضرر عام"[ix][42].
وأجاز ابن تيمية التسعير في حالات محددة : "كالأزمات والمجاعات والاضطرار إلى طعام الغير والاحتكار والحصر وحالة التواطؤ بين البائعين أو بين المشترين"[x][43] ، ولعل علياً بن أبي طالب t قد وضع حدودا للسعر في كتابه إلى واليه على مصر الأشتر النخعي بقوله : "ليكن البيع بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع". ووصف ابن تيمية عملية التسعير بأنها صيانة لحقوق المسلمين فقال: "إن مصلحة الناس إذا لم تتم إلاّ بالتسعير سّعر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط وإذا اندفعت حاجتهم وتمت مصلحتهم بدونه لم يفعل[xi][44]. فمثلاً إذا احتاج الناس لصناعة ما كالفلاحة أو الخياطة أو ما شابه ذلك فإن لولي الأمر (المحتسب) أن يجبر أهل هذه الصناعات على ما يحتاج إليه الناس من صناعتهم ، ويقدر لهم أجرة المثل ولا يحق للصانع المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل وهذا من التسعير الواجب.
كما لا يحق لأحد أن يبيع بسعر أخفض أو أعلى من الأسعار المتوسطة السائدة في السوق حتى لا يفسد على الآخرين ، فقد روي عن عمر بن الخطاب t أنه قال لحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا. وسواء باع بخمسة والناس يبيعون بثمانية أو باع بثمانية والناس يبيعون بخمسة فإن ذلك ممنوع لأنه يفسد على أهل السوق وربما أدى ذلك للشغب والخصومة[xii][45]. ومن الفقهاء من رأى بأن لا يُجبَر الناس على البيع إنما يُمنعون من البيع بغير السعر الذي يحدده ولي الأمر على حسب ما يرى فيه من مصلحة البائع والمشتري على حد سواء ، ولا يمنع البائع ربحاً ، ولا يسوغ منه ما يضر بالناس.
تقاطع الاحتكار مع التسعير: أوضح ابن تيمية كيفية تقاطع الاحتكار مع التسعير بقوله: "إذا امتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلاّ بزيادة على القيمة المعروفة ، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلاّ إلزامها بقيمة المثل فيجب أن يلتزموها بما ألزمهم الله به"[xiii][46]. أما آلية تحقيق ذلك ، فيقول ابن تيمية "ينبغي على الإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء ، ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم فيسألهم كيف يشترون وكيف يبيعون فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا ولا يُجبرون على التسعير"[xiv][47]. والرضى عامل مهمّ في زرع الثقة والطمأنينة بين روّاد السوق حيث يؤدي ذلك إلى الازدهار ونمو التبادل واستقرار الأسعار وبالتالي انتعاش الحركة التجارية. أما العكس أي إكراه البائعين على البيع بسعر معين دون النظر إلى التكاليف فإنه يؤدي إلى "فساد الأسعار وإخفاء الأقوات وإتلاف أموال الناس"[xv][48]. وتلجأ البورصات حاليا إلى ما يشبه ذلك لتحديد أسعار الصرف. "أما أسعار الصرف الخاصة بالعملات الأجنبية فيتم تحديدها يومياً من قبل الوسطاء المقبولين أو المعتمدين من قبل البورصة المعنية أي المصارف بما فيها المصرف المركزي"[xvi][49]. وقد سبق ابن تيمية في آرائه ما يطبق اليوم في البورصات العالمية ب 700 عام تقريباً ، حيث أنه أوجب على ولي الأمر جمع وجهاء السوق واستخراج آرائهم للوصول إلى ما يرضي جميع الأطراف. يقابله في البورصات اليوم آراء الوسطاء المعتمدين والمقبولين. كذلك فإن قرار ولي الأمر عند ابن تيمية يقابله رأي المصارف صاحبة العلاقة. بل زاد ابن تيمية عند تحديده للسعر بالمنازلة أي المساومة دون الإكراه.ولقد تنبه ابن تيمية إلى التكتلات من نقابات وكارتل وتروست ودورها في التلاعب بالأسعار ،كما أشار إلى تسعير الأعمال والأجور فقال: "ولا ُيمكَّن المستعملون من ظلمهم، ولا العمال من مطالبتهم بزيادة على حقهم مع الحاجة إليهم فهذا تسعير الأعمال"[xvii][50].ولقد حذر رسول الله e من التلاعب بالأسعار بقوله "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله تبارك وتعالى أن يُقعده بِعظْم من النار يوم القيامة"[xviii][51].
وأخيرا لابد من الإشارة إلى دور المعايير المحاسبية في تنظيم الأسواق وذلك بنشرها بيانات ومعلومات تفيد في ضبط وتحريك الأسعار وتساعد في معرفة ووصف الوضع الذي تمارس به المنشأة أعمالها، ومدى التوقعات التي من الممكن الوصول إليها. فالأرباح الموزعة هي من المؤشرات الهامة في تحديد سعر السهم ، كما أن معدلات التشغيل ومعدلات الأجور تساعد في تحديد المستوى العام للأجور ، ومن المؤكد بأن بيع السلع والخدمات يتأثر بالمعلومات التي تنشرها هذه القوائم.
أثر الأسعار على حالة الأسواق:أشار ابن خلدون إلى سلسلة العمليات والإجراءات المتتالية التي تؤدي إلى فساد حالة السوق بفساد التسعير فيها ، واستفحال ذلك كلما طال الأمد حتى يؤثر ذلك في جميع نواحي الحياة. فقال[xix][52]: "فإذا كان الرخص في أسعار السلع والعرَض من مأكول أو ملبوس أو متموَّل فسد الربح والنماء بطول تلك المدة ، وكسدت سوق ذلك الصنف ، فقعد التجار عن السعي فيها ، وفسدت رؤوس أموالهم واعتبر ذلك أولاً بالزرع ، فإنه إذا اُستديم رخصه يفسد به حال المحترفين بسائر أطواره من الفلح والزراعة لقلة الربح فيه وندرته أو فقده ، فيفقدون النماء في أموالهم أو يجدونه على قلة، ويعودون بالإنفاق على رؤوس أموالهم وتفسد أحوالهم ويصيرون إلى الفقر والخصاصة. ويتبع ذلك فساد حال المحترفين أيضا بالطحن والخبز وسائر ما يتعلق بالزراعة من الحرث إلى صيرورته مأكولاً. وكذا يفسد حال الجند إذا كانت أرزاقهم من السلطان على أهل الفلح زرعاً ، فإنها تقل جبايتهم من ذلك ويعجزون عن إقامة الجندية التي هي بسببها ومطالبون بها ومنقطعون لها فتفسد أحوالهم. وكذا إذا استديم الرخص في السكر أو العسل فسد جميع ما يتعلق به وقعد المحترفون عن التجارة فيه وكذا الملبوسات إذا استديم فيها الرخص".
إذن الرخص المفرط يجحف بمعاش المحترفين بالأصناف الرخيصة وكذلك الغلاء المفرط. وإنما معاش الناس وكسبهم في التوسط من ذلك وسرعة حوالة الأسواق.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.92 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]