السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مظاهر القدوة في شخصية الإمام أبو حنيفة
- احترامه وتقديره لمن علمه:
فقد ورد عن ابن سماعة،أنه قال:سمعت أبا حنيفة يقول:ما صليت صلاة مُذ مات حماد إلا استغفرت لع مع والدي،وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علما،أو علمته علما.
السمات التي يتميز بها الإمام أبو حنيفة
- سخاؤه في إنفاقه على الطلاب والمحتاجين وحسن تعامله معهم،وتعاهدهم مما غرس محبته في قلوبهم حتى نشروا أقواله وفقهه،ولك أن تتخيل ملايين الدعوات له بالرحمة عند ذكره في دروس العلم في كل أرض.نسأل الله من فضله،ونسأل الله لإمامنا أن يتغمده بواسع رحمته،ومن عجائب ما ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إلى بغداد،يشتري بها الأمتعة،ويحملها إلى الكوفة،ويجمع الأرباح عنده من سنة إلى سنة،فيشتري بها حوائج الأشياخ المحدثين وأقواتهم،وكسوتهم،وجميع حوائجهم،ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم،فيقول:أنفقوا في حوائجكم،ولا تحمدوا إلا الله،فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا،ولكن من فضل الله فيكم،وهذه أرباح بضاعتكم،فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره.وحدث حجر بن عبد الجبار قال:ما أرى الناس أكرم مجالسة من أبي حنيفة،ولا أكثر إكراما لأصحابه.وقال حفص بن حمزة القرشي:كان أبو حنيفة ربما مر به الرجل فيجلس إليه لغير قصد ولا مجالسة،فإذا قام سأل عنه،فإن كانت به فاقة وصله،وإن مرض عاده.
- حرصه على هيبة العلم في مجالسته: فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت،كثير العقل.
- الاهتمام بالمظهر والهيئة:بما يضفي عليه المهابة،فقد جاء عن حماد بن أبي حنيفة قال:كان أبي جميلا تعلوه سمرة،حسن الهيئة،كثير التعطر،هيوبا لا يتكلم إلا جوابا ولا يخوض -رحمه الله- فيما لا يعنيه. وعن ابن المبارك قال:ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.
- كثرة عبادته وتنسكه:فقد قال أبو عاصم النبيل:كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته،واشتهر أنه كان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعا.وذكروا أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة،وروى بشر بن الوليد عن القاي أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال أبو حنيفة والله لا يتحدث عني بما لا أفعل فكان يحيي الله صلاة وتضرعا ودعاء [ومثل هذه الروايات كثيرة عن الأئمة والتشكيك في ثبوتها له وجه لاشتهار النهي عن إحياء الليل كله]،وأبو حنيفة -رحمه الله قد ملأ نهاره بالتعليم مع معالجة تجارته،فيبعد أن يواصل الليل كله.ولكن عبادة أبي حنيفة وطول قراءته أمر لا ينكر،بل هو مشهور عنه فقد روي من وجهين أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
- خوفه من الله:فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى [بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر] القمر الآية 6 ويبكي ويتضرع إلى الفجر.
- شدة ورعه: وخصوصا في الأمور المالية،فقد جاء عنه أنه كان شريكا لحفص بن عبد الرحمن،وكان أبو حنيفة يجهز إليه الأمتعة،وهو يبيع،فبعث إليه في رقعة بمتاع،أعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيبا،فإذا بعته فبيِّن،فباع حفص المتاع،ونسي أن يبين،ولم يعلم لمن باعه،فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله.
- تربيته لنفسه على الفضائل كالصدقة،فقد ورد عن المثنى بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
- الجدية والاستمرار وتحديد الهدف:فقد وضع نصب عينيه أن ينفع الأمة في الفقه والاستنباط،وأن يصنع رجالا قادرين على حمل تلك الملَكة.
- ترك الغيبة والخوض في الناس: فعن ابن امبارك:قلت لسفيان الثوري،يا أبا عبد الله،ما أبعد أبا حنيفة من الغيبة،وماسمعته يغتاب عدوا له قط،قال:هو والله أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهب بها.بل بلغ من طهارة قلبه على المسلمين شيئا عجيبا،ففي تاريخ بغداد عن سهل بن مزاحم قال سمعت أبا حنيفة يقول:"فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال:كان أبو حنيفة يكثر من قول:اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له.
- حرصه على بناء شخصيات فقهية تحمل عنه علمه:وقد نجح أيَّما نجاح،ومن طريف قصصه مع تلاميذه التي تبين لنا حرصه على تربيتهم على التواضع في التعلم وعدم العجلة،كما في 'شذرات الذهب':لما جلس أبو سيف -رحمه الله- للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل وقال له:إن أجابك بكذا فقل له:أخطأت،وإن أجابك بضده فقل له:أخطأت فعلم أبو سيف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال "تزبيت قبل أن تحصرم" -يعني تصدرت للفتيا قبل أن تسعد لها فجعلت نفسك زبيبا وأنت لازلت حصرما-.
- تصحيحه لمفاهيم مخالفيه بالحوار الهادئ:فقد كان التعليم بالحوار سمة بارزة للإمام أبي حنيفة،وبه يقنع الخصوم والمخالفين،وروى أيضا عن عبد الرزاق قال:شهدت أبا حنيفة في مسجد الخيف فسأله رجل عن شيء فأجابه فقال رجل:إن الحسن يقول كذا وكذا،قال أخطأ الحسن قال:فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال:أنت تقول أخطأ الحسن ثم سبه بأمه ثم مضى فما تغير وجهه ولا تلون ثم قال:إي والله أخطأ الحسن وأصاب ابن مسعود.
- عدم اعتقاده أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن غيره من العلماء على خطأ: فقد جاء في ترجمته في تاريخ بغداد عن السن بن زياد اللؤلؤي يقول: سمعت أبا حنيفة يقول قولنا هذا رأي،وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا.
يتبع....