وكان سليمان قد أمر ببناء صرح من زجاج وعمل في ممره ماء، وجعل عليه سقفاً من زجاج،وجعل فيه من السمك وغيرها من دواب الماء، وأمرت بدخول الصرح وسليمان جالس على سريرهفيه: (فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) وقد قيل: إن الجن أرادوا أن يبشعوامنظرها عند سليمان وأن تبدي عن ساقيها ليرى ما عليهما من الشعر فينفره ذلك منهاوخشوا أن يتزوجها؛ لأن أمها من الجان فتتسلط عليهم معه. يذكر تعالى أنه وهب لداودسليمان عليه السلام، ثم أثنى عليه تعالى فقال: (نعم العبد إنه أواب) أي: رجاع مطيعالله.
قال الله تبارك وتعالى:
(فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} (سورة سبأ:14)
كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقلمن ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفى فيها فكان بدء ذلك أنه لم يكنيوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة فيأتيها فيسألها، ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فإن كانت لغرس غرسها، وإن كانت نبتت دواء لكذا وكذا، فيجعلها كذلكحتى نبتت شجرة يقال لها الخروبة، فسألها: ما اسمك؟ قالت: أنا الخروبة، فقال: ولأيشيء نبت؟ فقالت: نبت لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي،أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخلالمحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه فمات، ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك يعملونله يخافون أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب لهكوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول ألست جليداً إن دخلتفخرجت من ذلك الجانب، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك، فمر،ولم يكن شيطان ينظر إلي سليمان عليه السلام وهو في المحراب إلا احترق، فلم يسمع صوتسليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق ونظر إلي سليمان عليهالسلام قد سقط ميتاً، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوهووجدوا منسأته، وهي العصا بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات،فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها يوماً وليلة، ثم حبسوا ذلك النحو فوجدوه قد ماتمنذ سنة، وهي قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً، فأيقنالناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبون، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، ولميلبثوا في العذاب سنة يعملون له، وذلك قول الله عز وجل: (فلما قضينا عليه الموت مادلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) يقول: تبين أمرهم الناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثمإن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنتتشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين، قال: فهم ينقلونإليها ذلك حيث كانت. قال: ألم تر إلي الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو ما يأتيهابه الشيطان تشكراً لها. وهذا فيه من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب.
عنعثمان بن أبي شيبة أن سليمان بن داود عليهما السلام قال لملك الموت: إذا أردت أنتقبض روحي فأعلمني قال: ما أنا أعلم بذلك منك، إنما هي كتب تلقى إلي فيها تسمية منيموت. قال سليمان لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني، فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرتبك، قد بقيت لك سويعة، فدعا الشيطان فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب، فقاميصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متوكئ على عصاه، ولميصنع ذلك فراراً من ملك الموت، قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنهحي، قال: فبعث الله دابة الأرض يعني إلي منسأته فأكلتها حتى إذا أكلت جوف العصاضعفت وثقل عليها فخر، فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال: قوله: (فلما قضيناعليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لوكانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).
عن ابن عباس أن ملكه كان عشرينسنة وكان عمر سليمان بن داود عليهما السلام نيفاً وخمسين سنة وفي سنة أربع من ملكهابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر، ثم ملك بعده ابنه رخعيم مدة سبع عشرة سنة فيماذكره ابن جرير، وقال: ثم تفرقت بعده مملكة بني إسرائيل.
__________________
|