الوظيفة السابعة : التهجد وطول القيام.
الجزء الثاني والأخير
-----الفائدة الرابعة: قيام الليل مكفرة للسيئات -----
وإنه كذلك كما أشرنا ((وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ))([12]) .
يعني: سبب تكفير السيئات والذنوب والمعاصي قيام الليل كما ذكر الله تبارك وتعالى، وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنهم كانوا يُصلُّون ليلهم حتى إذا أسحروا يعني:
إذا دخلوا في السَّحَرِ قاموا فاستغفروا الله تعالى كما ذكر: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾[آل عمران:17].
قاموا صلوا ليلهم، حتى إذا أسحروا أخذوا يستغفرون الله تعالى، وهو معنًى دقيق أنهم بعد صلاتهم بليلهم إذا بهم لا يَرَون أنهم قد عملوا شيئًا لله تعالى، وإنما يستغفرون؛ كأنهم قد باتوا يَعْصون الله تعالى!!
سُئِل الحسن رضي الله عنه عن المتهجدين: ما بالهم أحسن النَّاس وجوهًا؟ قال: قاموا إلى ربهم، فألبسهم من نوره سبحانه وتعالى .
هذه الأمور تَحْمِلُكَ على القيام، وتأخذك إلى الله تعالى،
وما رأينا القوة والمدد والنور في أولئك إلا بسبب ذلك إذا دخل الليل وَجَنَّهُم صَفُّوا أقدامهم لربهم، فمنهم باكٍ، ومنهم صارخ، ومنهم داعٍ، ومنهم راكع، ومنهم ساجد.
----- الفائدة الخامسة قيام الليل يخفف قيام يوم مقداره خمسين ألف سنة -----
وأمر آخر وهو أن طول القيام يخفف قيام يوم طوله خمسون الف سنة فيتذكر المرء ذلك فتهون عليه المشقة كما يعلم أن هذه الجوارح الزائلة ستشهد له عند الله تعالى يوم القيامة من ناحية وتكون منيرة له بنور القرآن والقيام من ناحية أخرى.
عن أبي ذر رضي الله عنه: "صوموا يومًا شديدًا حره لِحَرِّ يوم النشور، وقوموا ركعتين، أو وصَلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور".
فإن مما ينير قبر المرء، ويزيد نوره عند مروره على الصراط القيام الذي يزهد فيه اليوم، الذي يتكاسل عنه، وُيفَضِّل النوم وراحة جسده عليه، مع أن راحة جسده وشفاء بدنه إنما هو في ذلك القيام الذي عكس فيه الآية، والذي انقلب عليه الميزان فيه، فلم يفهم عن الله تعالى ما يكون سبب شِفائه ونوره.
تشهد لهم هذه الجوارح الضعيفة اليوم بِطُول قيامهم، وتُنِير لهم قبرهم، تنير لهم طريقهم على صراطهم إذ المرور على الصراط على حسب النور ﴿ يوم تر ى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ﴾
هذه الصلوات وطولها وتعبها ومشقتها التي يظن أن لها تعبًا ومشقة إذا بها هي الراحة، وإذا بها هي نورهم ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾[التحريم:8].
----- الترهيب من ترك قيام الليل ------
لذلك: لمَّا كان الأمر على هذا الحال الذي ذكرنا، إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يُحَذِّر: ((لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ))([8]) . ويقول: ((إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ))([9]) .
يقول سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث عن أبيه عبد الله بن عمر:فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً0.
وإن مما يُقَوِّي المرء على يومه، ويَحْفَظُه عليه وتتنزل عليه بركته هو ذلك القيام.
وما يُترك قيام الليل إلا بحرمان من الله تعالى؛ بسبب المعصية، يقول أحد الصالحين : أذنبتُ ذنبًا فَحُرِمْتُ قيام الليل خمسة أشهر.
أذنبت ذنبًا فَحُرِمْتُ قيام الليل سنة.
وانظُرْ إلى نفسك !! تَراك يومًا أو يومين أو ثلاثة تقوم الليل، ثم بعد ذلك تنقلب أحوالك، وتقع في المعصية، أو الغفلة فإذا بك تُحْرَمُ أيامًا كثيرة من قيام الليل.
قالِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم: (( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلاَثَ عُقَدٍ إِذَا نَامَ , بِكُلِّ عُقْدَةٍ يَضْرِبُ عَلَيْكَ لَيْلاً طَوِيلاً, فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ, وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ , فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ))، لم يُصِبْ خيرًا، وهذا هو الحال لذلك يقول صلى الله عليه وسلمفي الذي نام الليل كله: ((رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ))([11]) .
وإن بَوْلَه ثقيل تراه في أحوال النَّاس اليوم ينبغي أن يَنْفُرَ منها المؤمن، وأن يُسارِع فيها إلى رضا الله تعالى، وأن يكون قِيامُهُ هذه الأيام استعدادًا للمغفرة؛ حتى يكون ذلك دأبه كما هو دأب الصالحين قبلكم.
([1])أخرجه النسائي (572) ، والترمذي (3579) من حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه.
([2])[ متفق عليه ] أخرجه البخاري (37)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([3])[ متفق عليه ] أخرجه البخاري (37)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) أخرجه مسلم (756) من حديث جابر رضي الله عنه .
([5])أخرجه النسائي (3939) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
([6]) أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه . وما بين المعكوفتين من حديث بلال رضي الله عنه .
([7])أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
([8]) أخرجه البخاري (1152) ، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
([9])أخرجه البخاري (7029) ، ومسلم (2479) من حديث ابن عمر رضي الله عنه .
([10])أخرجه البخاري (1152) ، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه .
([11]) أخرجه البخاري (3270) ، ومسلم (774) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
([12])تقدم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه .