القسّام .. الرقم الأصعب بعد 70 عاماً من استشهاده !
تمضى الأيام ويثبت الشهيد دوماً أنه لا يموت, ليس في الجنان فحسب, وإنما هنا في الأرض حين يتحول رقماً صعباً في معادلة النضال, وحينما يكابد أعداؤه من لأواء مناجزته لهم من بعد أن يضمّه الثرى..
اليوم تذكر فلسطين وبلاد العرب "فارس فلسطين الأشم" عز الدين القسّام الذي قضى نحبه في مثل هذا اليوم منذ سبعين عاماً.. وبقدر ما بذل الرجل بقدر ما ظل حاضراً في الساحة النضالية الفلسطينية، لم يبرح الذروة التي ارتقى عليها، ومنها ارتقى إلى مولاه مقبلاً غير مدبر، هاتفاً من أعماق الضمير والإيمان: "موتوا شهداء".. ومن صِدْق الفعل, كان صِدْق الأثر, إذ استحال جسده الواهن بعد هذه العقود صواريخ وقذائف تحمل اسمه، كما تحمل فكرته التي لا تموت ما دام صاحبها ـ نحسبه في العلا- حياً من نعماء الله يرزق.
القسّام اليوم
من المحال أن نؤرّخ فنقول: "منذ أن غاب قبل 70 عاماً", إن القسّام لم يزل يوقظ شارون فزعاً مرة بعد أخرى حين تسقط صواريخ القسام في مزرعته، وعلى مقربة منه.. إن الدار المتواضعة التي باعها القسام فاشترى بثمنها (24) بندقية عتيقة قد امتزجت بروحه، فاستحالت ترسانة يحملها الأحفاد على أكتافهم كما أرواحهم ـ وروحه من قبل ـ على راحاتهم, تزلزل الأرض تحت أقدام الغاصبين.
استشهد القسام فبُعثت كتائبه بعد نصف قرن من الزمان تذيق اليهود من لظى حِممها .. وأطلق القسّام شعاره الخالد "هذا جهاد .. نصر أو استشهاد", فضمّنته حماس معظم بياناتها التي تلف الأرض وتتناقلها الوكالات.. ويوم أن صاح القسام في إخوانه بجنين "موتوا شهداء" لم يكن يدري أن جنين القسّام تلك ستكون مصنع الشهداء، وعنوان الشهادة، وعاصمة العمليات الاستشهادية, التي نسمع من دونها صوت القسّام مدويًا "موتوا شهداء".
ولم يكن اختيار الجناح العسكري لحركة حماس التي هي من ثمار النضال الفلسطيني التليد لاسم "كتائب عز الدين القسّام" اعتباطيًا, فالرجل العظيم هذا كان من الفطنة والذكاء بحيث استطاع تكوين خلاياه المقاتلة خلال (15) عامًا في سرية وكتمان دون أن ينكشف أمره بالرغم من تاريخه النضالي في جبال اللاذقية بسوريا, وتلك كانت من العلامات التي وعتها كتائبه بعد أكثر من نصف قرن.. كان مسلكه في هذا السبيل نموذجاً للشباب المناضل الساعي لتحرير بلاده بعد تحرير ذواته.. وليس الأمر من منقبة واحدة تعلقت من أجلها قلوب هؤلاء فتذكروا حاضرهم الحي من بعد استشهاده قبل سبعين عاماً, قمينة بأن تنسي الأحفاد مآثر الأجداد, غير أن الخلود لا يبليه الزمان.. فطراز الشهيد القسّام يغاير أولئك الذين يموتون فلا يذكرهم قومهم بعد أيام ثلاث.. فمَن كالقسّام في علم يتبعه عمل, وفكرة يتبعها التطبيق!! ومن كالقسّام يبيع بيته لله, ولا يُعرف لبذله حدود .. لا حدود وطن ولا حدود جماعة!! ومن ذا الذي يتملك ذاك الحس المرهف في نضاله فيفرق بين ميادين المعارك وميادين المدن.. يخرج إلى الجبال صائناً القرى والبلدات عن القتال، ولا يستدعي الحروب إلى الديار والطرقات!!
والمناقب في شخصية هذا الشهيد عديدة يحتاج للاستنارة بها شيوخ وعلماء الأمة, وحركات التحرر والمقاومة, وهيئات الإغاثة, والقوى السياسية السلمية..
فالقسّام في الحقيقة هو اسم جامع للعالِم حينما يتخذ حياته ثمناً لما يؤمن به, ويعلي من قيمة المبدأ الذي يحمله.. القسام هو العالِم, والقائد, والخطيب, والمهاجر, والداعم, والمناضل, وهو من بعدُ الكتائب.. والصواريخ.. التي تدك المستوطنات .. وتذكر اليهود بأن الحق في الأرض والمقدسات لن يضيع !!