فى رثاء القسام
لم يكن خبر استشهاد القسام ورفاقه خبراً عادياً، فقد صدرت الصحف العربية في فلسطين تحمل الخبر في العناوين الرئيسية..
ففي صبيحة يوم 22/11/1935 خرجت صحيفة الجامعة العربية بالعناوين التالية:
- حادث مريع يهزّ فلسطين من أقصاها إلى أقصاها..
- معركة حربية حامية الوطيس تسفر عن مقتل خمسة أشخاص وجندي إنكليزي..
- شخص يقتل خطأ.. بلاغ من الحكومة عن الحادث.. المصاحف في جيوب الشهداء.. شماتة الصحف اليهودية..
- جنازة حافلة للشهداء في حيفا، وبرقيات التعزية.. وفود فلسطين.. الحكومة تأسر خمسة أشخاص وتحقق معهم..
وفي الأعداد التي تلت هذا العدد من الصحف الفلسطينية، كانت تصدر القصائد الرثائية في الشيخ القسام ورفاقه، ففي 25/11/1935، صدرت أولى قصائد الرثاء في الشيخ الشهيد في جريدة الجامعة الإسلامية للشاعر حسان فلسطين اليعقوبي، وهي بعنوان ((قتلوك)) نقتطف منها التالي:
قتلوك، لا كانوا ولا كان الألى ........... ولّوا عليك، وما لهم من شأنٍ
لك في الحسين ومن إليه أسوة ........... فيما جناه عليك ذاك الجاني
إن كان أول من أصابوا مقتلاً ........... منه الحسين، فأنت عندي الثاني
كما صدرت في المجلة نفسها قصيدة ((شهيد فلسطين)) أطلق شاعرها على نفسه لقب ((الصارخ))، وقصيدة أخرى بعنوان ((شهيد الوطن الخالد)) لواصف عبد الرحمن من نابلس وذلك في 27/11/1935.
ونشرت جريدة الدفاع قصيدة للأديب الفلسطيني (ابن خلدون) بعنوان ((يا رحمتنا))، نقتطف منها الأبيات التالية:
ما بين أرضِك أو سمائك .. آيٌ تتيه بكبريائكْ
قد حاولوا غمز الإباء وما دروا مغزى إبائكْ
قد ثرتَ تعلم أن ما تبغيه صعبٌ جد شائكْ
آثرت لقيا الله لما ضقت ذرعاً في قضائك
بين المهابة والجلالة سار ركبك والملائك
ولقد صمتّ فكان صمتك فيه معنى من وفائك
ما اخترت إلا ما يشرّف في ختامك وابتدائك
وقد أورد صاحب كتاب ((جهاد شعب فلسطين)) قصيدة للشاعر فؤاد الخطيب منها:
أولت عمامتك العمائم كلها ........... شرفاً تقصّر عنده التيجان
يا رهط عز الدين حسبك نعمة ........... في الخلد لا عنتٌ ولا أحزان
شهداء بدر والبقيع تهللت ........... فرحاً، وهشّ مرحّباً رضوان
أما شاعر حركة القسام نوح إبراهيم فنظم قصيدة بالعامية بعنوان ((عز الدين يا خسارتك)):
عز الدين يا خسارتك ........... رحت فدا لأمتك
مين بينكر شهامتك ........... يا شهيد فلسطين
جمعت رجال من الملاح ........... من شريت سلاح
وقلت هيا للكفاح ........... لنصر الوطن والدين
واقرأوا الفاتحة يا إخوان ........... عا روح شهيد الأوطان
وسجل عندك يا زمان ........... كل واحد منا عز الدين
البيت الأخير يقودنا إلى قصيدة للشاعر نفسه أشهر منها، بعنوان ((أبو إبراهيم ودّع عز الدين))، إلا أن هذه القصيدة لم تصدر بعد استشهاد القسام مباشرة، بل بعد عدة سنوات، وأحسب أنها في رثاء ((أبو إبراهيم الكبير)) القائد الأبرز في الثورة العربية الكبرى..
غير أن قصيدتين من البحر الكامل بزّت كل القصائد السابقة في رثاء القسام، كانت الأولى للشاعر صادق العرنوس نشرها في جريدة ((الجامعة الإسلامية)) في 15/12/1935، نختار منها:
من شاء فليأخذ عن القسام ........... أنموذج الجندي في الإسلام
وليتّخذْه إذا أراد تخلصاً ........... من ذلّة الموروث خير إمام
ترك الكلام ووصفه لهواته ........... وبضاعة الضعفاء محض كلام
هذا الفدائي الجواد بنفسه ........... من غير ما نزعٍ ولا إحجام
إنْ يَقْضِ عزالدين أو أصحابه ........... فالسرّ ليس تكلّم الأجسام
هيهات تنزع أو تهي أثارها ........... مهما استعان بمدفع وحسامِ
قل للشهيد وصحبه أديتمُ ........... حق الرسالة فاذهبوا بسلام
أما القصيدة الثانية، فقد جاءت رداً على بيان حكومة الانتداب الذي أعلن القضاء على عصابة من الأشقياء في أحراش يعبد، فهي للشاعر نديم الملاح بعنوان ((سمّوك زوراً..))، نختار منها:
ما كان ذودك عن بلادك عارا ........... بل كان مجداً باذخاً وفخاراً
سمّوك زوراً بالشقي ولم تكن ........... إلا بهم أشقى البرية دارا
قتلوا الفضيلة والإباء بقتلهم ........... لك واستذلوا قومك الأحرارا
أنكرت باطلهم وبغي نفوسهم ........... فاسترسلوا في كيدك استكبارا
ورأيت كأس الموت أطيب مورداً ........... من عيشة ملئت أذى وصغارا
خلصت إلى الديان روحك حرة ........... فحباك منه في الجنان جوارا.
بقيت هناك ملاحظتان لا بد من ذكرهما هنا قبل اختتام المقالة، هما: أن ما أوردناه من قصائد لا يتضمن إلا القصائد التي صدرت بعد استشهاد القسام مباشرة.
والملاحظة الثانية: أن طبيعة القسام فرضت نمطاً معيناً على القصائد (الدين، الأصولية، الجهاد، العمامة، الاستشهاد...)، لذلك فإن القصائد التي صدرت وقتها في الجرائد اتخذت صبغة إسلامية كانت بعيدة عن قصائد ذلك الزمان وأساليبها، ومردّ ذلك يعود إلى سعي القسام الدؤوب إلى إبراز وإثبات إسلامية حركته وجهاده، بشكل أعاد الإسلام إلى الواجهة الثورية، كما قال عنه أحد الشعراء:
لهفي على القسام لهفة دمعة........ تجري على خد اليتيم بلا انقطاعْ
فهو الذي سنّ الجهاد مجدداً ....... وأعاد –رغم الكل- تأصيل الصراعْ