الغيرة.. هل تقتل الدبة صاحبها؟!
"أنا غيورة جدًّا وشكاكة، ولا أستطيع السيطرة على نفسي".
"يشك فيّ دائمًا ويتهمني اتهامات قاسية لا ترضاها أي فتاة حرة على نفسها.. والله لولا أنه يعرف ربه.. لكنت تركته منذ زمن، بل منذ أول أسبوع في حياتنا".
"يشك دائمًا بإخلاصي له.. وإذا اشتدت غيرته في وقت فإنه يضربني ضربًا مبرحًا بلا رحمة".
"زوجي لا يغار علي رغم أنني والحمد لله جميلة جدًّا.. إنني حساسة وأحب أن أسمعه وهو يقول: لا تفعلي هذا الشيء فأنا أغار!!".
"إنني مسئول عنها من الألف إلى الياء، ومن حقي مراقبتها مراقبة كاملة فأنا أغار عليها ويجب أن تمتثل لأمري، ولا ترد على كلامي بالاستغراب والإنكار".
ملح الحياة الزوجية
"الغيرة".. نار الزواج الموقدة البعض يراها مثل الدبة التي قتلت صاحبها، ومثلها مثل الأمر الذي إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، والبعض الآخر يصفها بأنها ملح الحياة الزوجية وتوابلها ضرورية، ولا غنى عنها لإضافة نكهة مميزة على حياتنا الزوجية وتصيبها بالتجدد الدائم بعيدًا عن الرتابة والملل..
وبين الطرفين تعددت آراء الناس واختلفت إلا أن لكل شخص مقاييسه وآراؤه الشخصية حول تلك القضية التي يرونها أحد ملفات الزواج الشائكة التي يجب التعامل معها بدبلوماسية منقطعة النظير؛ حتى يمكن الوصول بسفينة الزواج إلى بر الأمان.
تجارب الأزواج والزوجات "الحية" مع الغيرة على شبكة "إسلام أون لاين.نت" كانت لها طابعها الخاص، حيث شكلت ملفًّا هامًّا من قصة معاناة "أزواج وزوجات" صفحة "مشاكل وحلول الشباب" مع المشكلات المختلفة وحلولها، وبالطبع كان منها معاناتهم مع الغيرة...
ولأننا غالبًا ما نغرق في التفاصيل والجزئيات الصغيرة فقد عمدنا في "إسلام أون لاين.نت" إلى عمل قراءات كلية لما يورد من مشكلات على الصفحات الاستشارية؛ كي نصل إلى نماذج شبه مكتملة من الحلول التي لا تنفي بالطبع خصوصية كل مشكلة على حدة.
السيدات تكسب
وبقراءة تحليلية للاستشارات الموجودة عن معاناة الأزواج والزوجات مع "الغيرة" وجدنا أن السيدات مثّلن وحدهن 88.8% من أصحاب المشكلات الواردة مقابل 11.11% من الرجال، وإذا كانت النسبة الأكبر من مضمون تلك المشكلات تدور حول مفهوم "الغيرة الزائدة" لدى أحد طرفي العلاقة الزوجية فإن النسبة الأقل كانت تدور حول معنى "الافتقاد إلى وجود الغيرة والاحتياج الضروري لوجودها كي تستمر الحياة".
وفي الوقت نفسه كانت النسبة الصغرى للسيدات 33.3% يعانين غيرة أزواجهن الزائدة عليهن، في المقابل كانت النسبة الكبرى 44.4% منهن يعانين من غيرتهن الزائدة على أزواجهن والتي قد تؤدي إلى هدم البيت والاستقرار.
غريزة أساسية
في البداية يجب الإشارة إلى أهمية تعريف مفهوم "الغيرة" وهو كما يورده أ. عبد الحليم أبو شقة في بحثه بعنوان "الغيرة.. ليست شرًّا كلها" بقوله: "إن الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب؛ بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين.. وقيل الغيرة في الأصل الحمية والأنفة، ويواصل قائلاً: إن هذه الغريزة يشترك فيها الرجال والنساء، بل قد تكون في النساء أكثر وأشد، وتتأجج أكثر إذا أحست المرأة بخيانة زوجها أو بتطلعه لأخريات وقد تثور تلك الغيرة عند الرجال إذا شك في سلوك زوجته أو أحس بتطلعها إلى الرجال".
والغيرة لدى المرأة قد تكون في بعض الأحيان غريزة أساسية لديها تظل تعاني منها طوال حياتها، خاصة إذا كانت تلك المرأة من النوع غير الواثق من نفسه، وكانت تلك هي المشكلة التي عانت منها إحدى الزوجات في إحدى الاستشارات بعنوان "أشك وأغار.. ولا أستطيع السيطرة على نفسي"، وفي مقابل غيرتها الزائدة كان طلب د. أحمد عبد الله مستشار القسم الاجتماعي لها أن تحاول التحلي ببعض الحكمة ومزيد من التماسك، وواصل قائلاً: "تحدثي إلى زوجك في الوقت المناسب عن الموضوع المناسب، كوني دائمًا مصدرًا لكل شيء طيب وجميل، ولا تحاولي أن تراقبي تحركاته أو تعبثي بأوراقه أو أشيائه الخاصة ليرتاح بالك وتقطعي أي شك باليقين!! فإن ذلك لن يزيدك إلا شكًّا، ولا يتعارض هذا السماح مع الغيرة المحمودة، وهي الغيرة في شبهة واضحة، أو بيّنة دافعة، فالرجل الكريم حين يشعر أن زوجته لا تطبق على أنفاسه يزداد حبًّا واحترامًا وحرصًا واقترابًا".
الغيرة المَرَضية
و"الغيرة المَرَضية" كانت التشخيص المناسب لأحد الأزواج والذي أصر عليه د. عمرو أبو خليل مستشار القسم الاجتماعي في موقع إسلام أون لاين حينما نصح الزوجة بضرورة عرض زوجها على طبيب نفسي حتى لا تستحيل الحياة بين الزوجين فيقول: "إن هذا الزوج مصاب بالشك المرضي أو الغيرة المَرَضية وهو مرض يسمى الاضطراب الضلالي من نوع الغيرة Delusional Disorder – Jealousy Type وهو من الأمراض الصعبة في تشخيصها، وفي هذه الحالة فإن الزوج يحتاج إلى من يقنعه بالعلاج والذهاب إلى الطبيب، ولكن الاستمرار مع الزوجة في هذا المسلسل من العذاب والشك والغيرة قد يؤدي إلى إجراءات خطيرة وعنيفة".
حلم حياتي
وفي مقابل المعاناة من الغيرة الزائدة بين الزوجين كانت مشكلة إحدى الزوجات الصغيرات (18 سنة) التي تشتكي بحرقة افتقادها لغيرة زوجها عليها فتقول بالحرف الواحد "أحب أن أسمعه وهو يقول: لا تفعلي هذا الشيء فأنا أغار".
وكان الرد الذي نصحها به د. أحمد عبد الله بعدم المغامرة والتورط في أفعال متسرعة بغرض إثارة غيرة زوجها؛ لأن ثقته إذا اهتزت ستفتح على نفسها أبواب الشك، "وما أدراك ما الشك!! فاحمدي الله على ثقة زوجك، وفي الوقت ذاته لا تكفي عن محاولة إشراكه في شئونك".
وعلى الجهة المقابلة للغيرة المرضية تقف الغيرة المحمودة، وعنها تقول د. نعمت عوض الله مستشارة القسم الاجتماعي ناصحة الزوج الذي جاء يسأل عن مشروعية غيرته المفرطة على زوجته وحقه في ذلك بعد أن عارضته هذه الزوجة واشتكت له معاناتها التي لم تَعُد تحتملها "الغيرة المحمودة جميلة شريطة ألا يزيد مقدارها عن اللهب الذي يدفئ إلى النار التي تحرق.. فالغيرة شعور محمود والرجل الذي لا يغار لا يستحق أن يكون رجلاً، والله سبحانه وتعالى يغار على عباده ويحب الرجل الغيور.. ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الغيرة على نسائه حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى داره في الجنة ابتعد عنها لعلمه بغيرته.. وإذا كانت المرأة تحب ثقة زوجها فيها، فإنها أيضًا تحب غيرته عليها، والحكماء من الرجال من يتوازن في مسلكهم مقدار الثقة مع الغيرة في موضعها.. أما إذا زادت الغيرة عن حدها فإنها تترجم عند الزوجة إلى شك في سلوكها، وهذا ما يشعرها بالضيق، خاصة إذا كان اتهام ظالم لا يقوم على دليل".
الشك والغيرة
ولكن ما الفرق بين الشك والغيرة؟ هذا ما تجيب عنه الدكتورة "انشراح الشال" الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة على صفحة حواء وآدم حينما قالت: "إن الغيرة وجه من وجوه الحب وعلامة من علاماته وهي مطلوبة؛ لأنها تضفي على الحياة الزوجية طابعًا محببًا، وتختلف درجة الغيرة من شخص لآخر حسب تربية وتركيبة الشخص النفسية والاجتماعية، ولكن عندما تتجاوز الغيرة حدودها الطبيعية تتحول إلى شك، وهو ما يولد التنافر والتباعد بين الطرفين، ويعصف بحياتهما إلى الأبد، فالشك من أخطر الأسباب التي تعجل بانهيار الحياة الزوجية".
وتقول د. سحر طلعت مستشارة القسم الاجتماعي في إحدى الاستشارات بعنوان "في علاج الغيرة.. نصائح خبيرة": إن الغيرة "تنبع من رغبة المحبوب في الاستحواذ على من يحب، وخوفه من أن يتطلع الحبيب لغيره، والغالب أن الغيرة تنمّ عن شعور داخلي بالنقص عند من يغار، وتصور له أن محبوبه قد يتطلع إلى من هو أكثر كفاءة وتميزًا منه، كما تثير غيرة المحب بعض تصرفات من يحب".
وصفة للعلاج
وتنصح الدكتورة سحر الزوجة التي تشكو من غيرة زوجها الزائدة عليها بأن تتعامل معها من خلال التعرف على كل ما يثير غيرة الزوج وتجتنبه أو الامتناع عنه قدر المستطاع، وكذلك إخفاء ما يثيره وعدم السماح للعناد أو الكبر بإفساد الحياة الزوجية، وتأكيد الزوجة المستمر على حبها لزوجها وعلى أنه أجمل ما في حياتها، وأن يكون هناك حوارات هادئة بين الزوج والزوجة -بعيدًا عن أوقات الأزمات- تؤكد فيها الزوجة على مدى إخلاصها لهذا الزوج ومعاتبته برفق على أن تكون حازمة في رفض ضربه وإهانته لها، حتى لو اضطرت الزوجة إلى الاستعانة بأهله أو أهلها أو بمن يستطيع التأثير عليه، وكذلك التعبير عن الاستمتاع والسعادة بالعلاقة الحميمة؛ لأن عدم تجاوب الزوجة يعطي للزوج انطباعًا بأنها تزهد أو تنفر من التواصل معه، وأنها لا ترغب فيه.
أما الدكتورة ليلى الأحدب مستشارة القسم الاجتماعي فتحث كل زوجة على الابتعاد عن تلك الغيرة قائلة: "حوّلي بيتك إلى واحة يستظل بها زوجك معك، بدل أن تجعليه أتونًا يحرقه وإياك؟ هلا أشعرته أنك تثقين به عوضًا عن هذه الشكوك التي قد تحيل بيتك إلى حلبة صراع دائم؟ هلا ابتعدت عن هذه التصرفات الطفولية التي لا بد أنها تؤذي مشاعر زوجك؟ إنه وإن كان يحيطك بالحب الآن فقد يفقد صبره ذات يوم، ولا يجد حلاًّ للخلاص من جحيم غيرتك إلا بفصم عرى العلاقة الزوجية، فهل ترغبين بنهاية كهذه؟
المصدر : إسلام اون لاين