عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-04-2008, 08:59 AM
الصورة الرمزية هدايه
هدايه هدايه غير متصل
مشرفة ملتقى البرامج
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
مكان الإقامة: لآ يوجد مكآن معين !! اليوم فوق الأرض وغداً تحتهآ..
الجنس :
المشاركات: 6,318
الدولة : Morocco
043 التخريب الوراثي وليس التغيير الوراثي هل هو علم أم لعب أم جهل؟

ولتوليد الحيوانات المتطورة عبر الجينات، يفضل أن تستلم جميع خلايا الكائن الحي المنقولة، وإن إدخال هذه الجينات في الخلايا المولدة germ cells يتيح لها المرور إلى ولادات جديدة ناجحة، وإذا لم يكن بالمستطاع الوصول إلى ذلك، فإنه من الممكن تطوير بما يدعى بالجنين الفسيفسائي.

إن من جملة التطبيقات التي عرفتها الهندسة الوراثية، تقنيات الأبقار والأغنام المنقلة جينيا، حيث ثم انتقاء بعض السلالات، عبر المعالجة الجينية والتخصيب أو التلقيح الاصطناعي. لقد بدأت الأبحاث في هذا الميدان أول الأمر بتقنيات تجميد الخلايا المنوية للثيران، حيث يمكن خزنها لمدة تعد بالسنوات. ووضعت هذه الخلايا في أنابيب بلاستيكية، حيث يمكن خزنها في قوارير معدنية تحت برودة 73 درجة تحت الصفر. وعند الحاجة، فإن هذه الأنابيب تلقح بها الأبقار بسهولة، حيث تتم عملية التلقيح بدون ثور أو ما يسمى بالتلقيح الصناعي. ويمكن نقل هذه الخلايا من بلد لآخر، ويمكن كذلك التحكم في السلالات، حيث يمكن اختيار أحسن سلالة لإنتاج الحليب، أو أحسن سلالة لإنتاج اللحم وما إلي ذلك.

وانتقلت الأبحاث إلى زراعة الأجنة، حيث تمكن العلماء من تخصيب الخلايا خارج الرحم وزرعها بعد ذلك. وأدت هذه التقنية إلى إمكانية تخصيب الخلايا إلى طور الجنين، ثم تجميده وخزنه تحت نفس الشروط التي بيناها سابقا. وتعطي هذه التقنيات مردودية عالية من حيث الإنتاج، ومراقبة السلالات، وزرع أكثر من جنين عند الأغنام على الخصوص. وأدت الأبحاث في هذا الميدان إلى أكثر من ذلك، حيث تم إنتاج الأبقار والأغنام والخنازير العبرجينية.

وبنفس المسار والفكرة عرف ميدان النبات هذه التقنيات، حيث تم إنتاج ما يسمى بالنباتات العبر جينية، وهي سلالات نباتية تمت معالجتها بالهندسة الوراثية، لتصبح ذات خصائص جديدة تكون أحسن في الغالب من حيث المردودية، لكن ليست بنفس الجودة الأصلية. ويتم إدخال بعض الصفات الوراثية الأجنبية على السلالة الأصلية، لتعطي سلالة مختلفة من حيث الصفات.

وأصبحت تقنيات زراعة الأنسجة سائدة وجارية في العالم، بل تكاد تندثر السلالات التقليدية للمزروعات العادية، كالطماطم، وفول الصويا،وعدد من النباتات ذات الأهمية الغذائية والصناعية. ونرى أن كل الأشياء الطبيعية أصبحت تتغير من حولنا ولا نعي ما يقع، خصوصا المستهلك العادي، وقد يقبل الناس هذا الأشياء تحت تأثير الإعلام والترويج لها عبر وسائل الإعلام، والأبحاث العلمية، والندوات وكذلك الفاعلون التقنيون، الذين تأطروا في هذا الدول ورجعوا مقتنعين بهذه التقنيات.

وإذا كان كل أو جل الباحثين يقبلون بالتغيير الوراثي كحل للأمن الغذائي، وكتحسين للمردودية والإنتاج، فإن عذرهم لا يتحدى الطرح العام الذي لا يزال يؤطر لهذه الكارثة: وهذا الطرح العام نجده على لسان الأطباء والبياطرة ومهندسي الزراعة، كلهم يحفظون جملة واحدة وهي أن الأبحاث والدراسات لم تبين بعد خطر هذه المنتجات. والغريب الغريب أن عامة الناس يخشون من المنتجات بينما يقتنع بها الباحثون. إنه لعجب عجاب. لكن الذي يساعد على القبول بهذه الكارثة الطبيعية، هو جهل رجال الفقه بالمسألة لأنها طبعا مسألة متخصصة وفنية عالية. ولم يسألوا أصحاب الاختصاص في الميدان، ومن لهم علم بالموضوع، فالتخصص ليس تخصص الأطباء بأن ينظروا في مسألة التغيير الوراثي، ومن ثم كانت الكارثة لأن الميدان الطبي لا يرى إلا ما يهمه في المسألة وهي إنتاج اللقاح والهرمونات والمضادات الحيوية واستعمال الهندسة الوراثية لتحليل الأمراض المتعلقة بالجهاز العصبي وما إلى ذلك وهذه كلها أشياء قد نقبلها بسهولة لأن الحي المغير وراثيا لا يدخل الجسم بل المواد التي ينتج هي التي تستخرج وتنقى وتحقن في الحسم مثل الأنسولين والصومطوستاتين والبنسلين والبروجيسترون وما إلى ذلك، لكن لما يتعلق الأمر بإنتاج اللحوم والحليب والحبوب والخضر والفواكه والقطن والأسماك والأسلحة الجرثومية فلأمر ليس أمر الأطباء وإنما أمر المتخصصين في الميدان.

والعجب العجاب أن بعض المجلات العربية تنشر الخبر المتعلق بالتغيير الوراثي على أساس أنه خبر هام ونافع وأنه الخير للبشرية، وتطاعنا مجلة الإعجاز العلمي بأخبار في الموضوع وكأنها أخبار مهمة وتعزز الخير بأن الإنجاز هائل وأنه سيأتي بالحلول لبعض الأمراض كالسرطان. إنه العجب العجاب وإننا لنستغرب لعلماء المسلمين لما يضعفوا إلى هذه الدرجة، وهل ذلت الأمة حتى لا يبقى فيها عالم واحد ليجهر بالحقيقة؟ إنه العجب لما نرى علماء أمريكا ينكرون التغيير الوراثي ويخشونه أكثر ما يخشون الموت بينما يتغنى به الباحثون في البلدان العربية. فهل هناك من ينقد البشرية من هذه الكارثة العلمية التي ستكون نهاية العالم؟ أم أن الباحثين في البلدان العربية سيطبقون التغيير الوراثي على ما تبقى من خلق الله كالجمال والنخيل؟ إذا كان كذلك فعزاؤنا واحد في موت الأرض. كثير ممن درسوا في البلدان الغربية يظنون أنهم لم يتأثروا ولكن في الحقيقة فقد تأثروا دون أن يشعروا، وإلا فلماذا يتسابقون إلى تزكية هذه العلوم المدمرة؟

وجه الإعجاز في موضوع التخريب الوراثي

لا يمكن أن نرى الصحيح من الخطأ، إلا لما نرجع إلى النور الذي يضيء الطريق إذا أظلم، ولقد أظلم حتى حلك. لكنه نور لمن يجعله الله له نورا، وهو القائل سبحانه وتعالى في سورة النور ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور إن الله سبحانه وتعالى جعل لنا في القرآن الذكرى لنتذكر لما نبتعد عن الطريق الصحيح، ولما نتذكر نستيقظ من جديد، ثم نبدأ حياة جديدة ليس فيها دخن. والباري سبحانه وتعالى ذكرنا وجعل لنا علامات لنتهدي بها في حياتنا، وإلا فنكون عاجزين على التدبير بأنفسنا، فسيكون الضلال والضياع. يقول العزيز الجبار في سورة النساء إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آدان الأنعام ثم لآمرنهم فليغرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا.

قبل القراءة العلمية للآية الكريمة، نلاحظ أن القرآن يحمل قوة الوصول إلى كل المستويات وإلى كل الفئات، وهذه القوة تكمن في اليسر كما قال سبحانه وتعالى في سورة القمر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر ولما نقرأ الآية نفهم منها بدون علوم وبدون بحث علمي وبدون تخصص، أنها تتكلم عن شيء من عمل الشيطان، وتكلم عن اتباع طريق الشيطان، وهنا يفهم كل من يؤمن بالله ورسله وكتبه وملائكته، ويحس كذلك فطرة أن الأمر فيه فساد، وفيه خطر على الأمة من هذه الأفعال. وبهذه الكلمات البسيطة يمكن أن ننبذ كل أعمال الشيطان، ومنها التغيير لخلق الله، ولعل الألفاظ واضحة ولا تسمح بالتأويل على غير المعنى، التي جاءت به وهو تبتيك آدان الأنعام وتغيير خلق الله، ولا يمكن أن نفهم إلا التقنيات التي تغير من خلق الله، وليس هناك ما يتقارب مع هذا اللفظ. وإذا رجعنا إلى المتفق عليه من التفاسير التي جاءت في الجامع لأحكام القرآن وتفسير ابن كثير، حيث ذهب علماء السلف الصالح إلى بعض الممارسات، التي من شأنها أن تقترب من المعنى، والتي كانت سائدة آنذاك ولا تتطرق هذه التفاسير إلى التغيير الوراثي، لأنه لم يكن يخطر على بال المفسرين أن تغيير الخلق قد يكون وراثيا.

تبدأ الآية الكريمة بالتذكير بالشرك واتباع غير الله، وهو قوله تعالى إن يدعون من دونه إلا إيناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله. ويجمع المفسرون على أن الإيناث التي جاءت في الآية الكريمة هي الآلهة، أو الأصنام التي كانت حول الكعبة، وقد كان لكل قبيلة صنم تعبده وتتقرب إليه، ولم يذهب أحد من المفسرين إلى غير ذلك، ولم تطرح أية شبهة حول هذا الاتفاق من لدن المفسرين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور طرحا آخر، لأن هؤلاء المفسرين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا على علم بالآلهة وبالأصنام لأنهم عاشوا الجاهلية، وشهدوا كل الممارسات التي كانت تمارس آنذاك. ولهذا فلا يمكن لنا أن نذهب إلى غير هذا التفسير.

ولعل ما يزكي هذا الطرح حول الإيناث أو الآلهة، هو كون التحقير بالتأنيث كان جاريا في هذا العصر، ولذلك جاء القرآن بنفس اللغة، لكي يكون التعبير واضحا، والتأنيث قد يكون لغير التحقير، وقد جاء في القرآن الكريم على غير ذلك، ومنها قوله تعالى غي سورة الأعراف: لقد جاءت رسل ربنا بالحق الآية 43 وكذلك قوله تعالى في نفس السورة قد جاءت رسل ربما بالحق الآية 53. وقد لا يكون التأنيث للتحقير لأن الآلهة جمع إله، وهو اسم يأتي على هذه الصورة. وربما كان تفسير الإيناث بالآلهة من تزكية قوله تعالى في سورة نوح: وقالو لا تدرن آلهتكم ولا تدرن ودا ولا سواعا ولا يغوت ويعوق نسرا، وهي آلهة كانت تأخذ صور الحيوانات، وأكثرها على هيأة الطير كالنسور. وكذلك قوله تعالى بالإشارة وليس باللفظ في سورة الزمر ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن اللهقل أفرآيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادنيبرحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون، ونرى أن الخطاب القرآني يستعمل التأنيث للتعبير عن الآلهة، ولذلك لم ير المفسرون أن يخرجوا على هذا النهج لأنه أمر اعتيادي وعادي، ولا يتطلب تأويلا على غير ذلك، أو حتى بيان وجه الاشتباه، لأن الأعراف الجاهلية كانت عادية ومألوفة، وما سميت أعرافا إلا لأنها كانت معروفة.

ونرى أن هذه القوة الرمزية التي كانت ممثلة في الآلهة ستعود وبشكل آخر في زمننا، ولذلك قرنها الله سبحانه وتعالى مع تغيير الخلق، وقد خص الله سبحانه وتعالى الآلهة بالتعبير المؤنث، وقد كانت الأنثى أقل شأنا لما نزل القرآن. ودعوة الآلهة هي دعوة الشيطان، لأن العبادة إما أن تكون لله، وإما أن تكون للشيطان، وليس هناك فريق ثالث، وبدأ هذا الفصل لما خالف الشيطان أمر الله سبحانه وتعالى لقوله سبحانه في سورة فاطر: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبهليكونوا من أصحاب السعير 6، ونلاحظ دائما دعوة الشيطان للإنسان باقتراف الفساد، وكل عمل يخرج عن الفطرة السليمة للبشر. وقد توعد الشيطان أن يضل الإنسان ويغريه ليخرجه ويبعده عن الطريق التي ارتضاها الله لهذا الإنسان. وفي المقابل نجد أن القرآن يحذر من اتباع الطريق الخاطئ في سورة النور لقوله تعالى يا أيها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومنيتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكامنكم من احد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم 21،

لكن في الآية التي تخص تغيير الخلق، نجد أكثر مما توعده الشيطان في الآيات السابقة، وهو أمر الشيطان بتخريب الأرض. والآية جاءت بالأمر وهو أمر يقترن بالقوة، لأن الذي يأمر يكون أقوى من المأمور، وهذا الأمر ليس لكل أو عامة الناس وإنما لفئة معينة، وهي الفئة التي سيؤطرها الشيطان على مراحل. ونجد هذه المراحل في الآية الكريمة ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آدان الأنعام ولآمرنهم فليغرن خلق الله. ونلاحظ أن المرحلة الأولى تشمل الضلال، ولأضلنهم لأن الضلال هو الذي سيحدد هذه الفئة التي سؤطرها الشيطان، ولماذا يبدأ بالضلال؟ لأن الخروج عن العقيدة يجعل صاحبه يفعل أي شيء، وبدون الضلال لن يفلح الشيطان في أمره، ولن يتمكن من جر الإنسان إلى الفساد، ومرحلة الضلال هي المرحلة الأولى التي ستسهل تأطير الفساد، ثم تليها مرحلة الأمنية، وهي المرحلة التي يصبح فيها الشخص جاهزا للفساد والاستجابة للشيطان، ولأمنينهم، والأمنية تجعل الإنسان يتطلع إلى أشياء مثيرة وجذابة، من حيث يوحي الشيطان إلى صاحبها أنه سيشهر وسيصبح عميدا، أو أكبر باحث، أو أهم شخصية، وأن البشرية كلها لا تفهم شيئا، وتأتي المرحلة الأخيرة لتتوج هذا التأطير والتكوين، وهي مرحلة الأمر ولآمرنهم لكن هذا الأمر سيكون على مستويين، فالمستوى الأول وهو مستوى بسيط لا يظهر فيه أي شيء خطير، وهو سهل كذلك، ويخص هذا المستوى تبتيك آدان الأنعام، وهذا الأمر الأول يظهر سهلا وفي متناول الإنسان، وتبتيك آدان الأنعام ليس إلا تمهيدا للمرحلة الأخيرة، ونرى أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة عميقة وحيطة وحذر، وأن ينتبه العلماء إلى هذا العمل الشيطاني.

ونجد في كتب التفسير أن التبتيك يعني فلق آدان الأنعام بالسكين لغرض ما، وقد كان الناس يفعلون ذلك في الجاهلية، لكن التبتيك يجب أن يكون متصلا بتغيير الخلق، الذي سيأتي تفصيله فيما بعد. وربما يكون التبتيك هو ما يقع في عصرنا للأنعام، وبما أن السلف الصالح عاش مرحلة الجاهلية، ورأى كل ما كان يفعله الناس، وهو أدرى بما كانت عليه البشرية، ونحن الآن نعيش عصر تبتيك الأنعام، لأننا نراها أمام أعيننا، ونحن أدرى بهذه الأفعال، ونرجح تبتيك الأنعام الحاصل اليوم على ما كان عليه الحال في زمن الوحي. ومن الناحية العلمية نرى أن علاقة التبتيك بتغيير الخلق هي علاقة قائمة ومتصلة، فتبتيك الأنعام يقترن من الناحية العلمية بالحيوانات التي تم انتقاؤها وتسجيلها في ملف يجمع كل المعلومات على هذه الأنعام، والإنتقاء لا يكون طبيعيا وإنما بتدخل الإنسان، ليدخل بعض الجينات على السلالة لتصبح بمردودية أكثر. وإدخال هذه الصفات يكون بالهندسة الجينية، والتغيير الوراثي كان قد بدأ من هذه المرحلة، ليتسع أكثر ويشمل صفات أكبر.

وبعد الحيوانات العبرجينية يأتي دور التغيير الوراثي، وهو الأمر الثاني الذي توعد الشيطان أن يأمر به، ولآمرنهم فليغيرن خلق الله. وهذا التغيير يشمل الحيوانات لأن تبتيك الأنعام لا يكون إلا للحيوانات، وتغيير الخلق يعني حسب كتب التفسير )الجامع لأحكام القرآن للقرطبي وتفسير ابن كثير والضلال لسيد قطب( الإخصاء، والوشم والوصل، وكل الأفعال التي تمارس على الأنعام في الجاهلية، ونرى أن هذه الأعمال لا تدخل في إطار تغيير الخلق. لأن الإخصاء ليس إلا تقنية تسهل التسمين، والوشم أو وضع علامة على الأنعام لكي لا تختلط. ولما جاء التعبير بالخلق، فإن التغيير يكون من جهة الوراثة، بمعنى أن الصفات الوراثية التي تحدد الخلق هي التي تتغير، وهو التغيير الذي أصبحنا نشاهده بأعيننا في العصر الحاضر. ولايزال الجدل قائما بشأن تغيير الخلق وقد اشتبه الأمر على علماء المسلمين، كما اشتبه عليهم الأمر مع الداروينية، وسكوت العلماء يعني موت الأمة ويعني كذلك قوة العالم، لأن الصفات التي يتميز بها العالم هي القدرة على مقاومة الفساد، والبقاء على الحق مهما يكلفه الأمر من تضحية، وعدم السكوت عن الظلم، والجهر بالحق في وجه الظالم، والتورع والاستقامة والزهد والتعبد والسهر على العلم وتعليمه والعزوف عن الدنيا والاستعداد التام للآخرة وما إلى ذلك. والعالم يتحمل مسؤولية علمه إن لم يعمل به.

وتنتهي الآية كذلك بذكر الشيطان، وقد أتى ذكره مرتين في هذه الآية، وهو قوله سبحانه وتعالى ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا. ولا يمكن لمن يتبع الشيطان أن لا يخسر الخسران المبين، أو بلغة أخرى أشر الخسران. وإذا فكرنا وتذكرنا جيدا في الآية الكريمة نجد أن تغيير الخلق الذي جاء في الآية الكريمة هو التغيير الوراثي الذي يتسابق نحوه كل العالم، وقد استهوى هذا العلم كثيرا من الأتباع من الباحثين، وجلهم لا يعمل في حقل البحث، ولا سبق له أن دخل مختبرا للتغيير الوراثي، ومع ذلك فهو يحاول أن يعلم الله بما لا يعلم. ولنقف عند كلمة خسرانا مبينا التي جاءت في الآية الكريمة، ثم لننظر هل حقا يمكن أن تخسر هذه الدول التي اتبعت خطوات الشيطان، والجواب هو نعم بدون شك. فأمريكا مثلا هي أكبر بلد منتج لفاكهة اللوز، وقد عمدت إلى تغييره وراثيا، فأصبح كل الأمريكيين أو جلهم على الأقل لديهم حساسية للوز، وهناك قانون متشدد مع الصناع الذين يضيفون اللوز للحلويات، وقد وضعت تقنيات دقيقة، تستطيع تقييم أثر اللوز في المواد الغذائية. ولو بقيت أمريكا على إنتاجها الطبيعي لما وقع لها ما وقع. وهي الآن لا تستطيع أن تعود للإنتاج الطبيعي. وبريطانيا تعتبر أكبر بلد منتج للأغنام، وهو البلد الذي ينافس أستراليا، لكنها عمدت إلى إحراق هذه الأغنام خوفا من الحمى المالطية، ونذكر أن بريطانيا هي التي أرادت أن تفتخر بالاستنساخ. والدول الاسكندنافية تعاني من الدايوكسين في أسماك الأحواض مثل سمك السلمون، وهذا السمك شمله التغيير الوراثي. وجل أوروبا بما في ذلك فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا لا يأمن فيه المستهلك لحم البقر، نظرا لظهور داء جنون الأبقار. والدرة العبر جينية أو ما يسمى درة راندوب ريدي لاتقدر عليها حتى الجردان في الحقول. والصويا كذلك تسببت في موت العديد من الأشخاص، قبل أن يكتشف العلم الجزيئات السرطانية، والتي لا توجد في الصويا الطبيعية بينما توجد بكثرة في الصويا العبر جينية. وهنا يظهر الفساد المبين، لأنه لا يهم الفرد وإنما يهم شعوبا بأكملها، وربما يهم كوكب الأرض، وقد أصبح العلماء الآن عاجزين عن احتواء المشكل، لأن العوامل البيئية كالرياح وحركة الناس على الأرض جعلت من المستحيل التحكم في المسألة.

وكما أشرنا إلى ذلك فالعلماء اشتبه عليهم الأمر، ويجب ألا يشتبه علينا نحن كذلك، وأن نختصر الطريق ونعود قبل أن نصاب بنفس المصائب. وهناك بعض الأشجار التي لاتنبت في أورربا أو أمريكا مثل نخيل الثمر، وهي أشجار شرقية وعربية، وكذلك بعض الحيوانات التي توجد في الدول العربية والإسلامية، أكثر ما توجد في الدول الأخرى. وربما تسول لبعض الباحثين في الدول العربية تغيير هذه المخلوقات، ليعم الفساد، وليكون فسادا مبينا حقا. ونحن نعلم أن في هذه الدول بعض الباحثين الذين اقتنعوا بالتغيير الوراثي، كعلم وكتقنيات تساعد على الإنتاج، ولانتمنى لهم التوفيق في مهمتهم إن أرادوا أن يغيروا الجمال ونخيل الثمر. واشتباه الأمر على الناس يتجلى في اختلافهم حول الموضوع، وانبهارهم لهذه التقنيات القاتلة للطبيعة، ولنتفكر في قول الباري سبحانه في سورة الرعد قل من رب السماوات والأرض قل لله قل أفتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار. ونقف على نفس النهج الذي يتبعه هؤلاء الذين يريدون أن يغيروا خلق الله، وهو قوله أفتخذتم من دونه أولياء وقد جاء في آية تغيير الخلق في سورة النساء نفس القول وهو ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله، وهي تزكية لهذا القول الذي يبين الاشتباه الحاصل اليوم في الخلق.

ونجد ما يعلل ويوضح هذا الطرح العلمي في سورة لقمان كذلك حيث يقول سبحانه وتعالى خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبت فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماءا فأنبتنا فيها من كل زوج كريم وقد تقدم الحديث عن السماوات وعن العمد في موضوع خلق السماوات، ونضيف لمسة بسيطة في هذا المشهد أن حجية القرآن تنطلق من الحقيقة الملموسة المطلقة، التي لا تحتاج إلى آلة ولا إلى تحليل، وفي هذه الآية نجد حقائق تابتة. فالسماء بغير عمد، يمكن رؤيتها كذلك، والأرض بالرواسي ويمكن رؤيتها، فالعمد للسماء والرواسي للأرض. ويبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية تلخيص كيفية الخلق، فبدأ بالسموات، فأشار سبحانه وتعالى الى الرفع بغير عمد، ولم يقل خلق السموات أو سبع سموات، وإنما بين الكيفية التي توجد عليها السموات، لأن فيها عبرة ودلالة وإشارة إلى وحدانية خلقه، ثم جاء ذكر الأرض، ليس بالخلق وإنما مشيرا الى تتبيتها وتوازنها، وضبط حركتها، ولم يقل كما قال في آيات أخرى خلق الأرض، وإنما قال سبحانه وألقى في الأرض رواسي هكذا يعبر الخالق عن خلقه كما سيقر أنه خلقه في الآية التي تلي. وهذا الوصف هو ما نريد تبيانه لعلماء الميدان، وهو تقسيم العالم الحي إلى المملكة الحيوانية والمملكة النباتية كما تصفها الكتب العلمية. فقال بالنسبة للمملكة الحيوانية وبت فيها من كل دابة فخص سبحانه الأحياء كلها بالبت، وهو التعريف الذي نعرفها به في العلوم الحديثة، أي الحركة والتناسل لأن الدابة تعني من يتحرك، والبت يعني التكاثر والانتشار، وهذا هو تعريف الأحياء. أما المملكة النباتية فيقرنها بالماء، ويصفها بالإنبات فقال عز وجل في الشطر الأخير من الآية فأنبتنا فيها من كل زوج كريم. ويختلف النبات عن الحيوان بكيفية النمو، لكن بين الله سبحانه وتعالى أن هذا النبات يتناسل كذلك، فأشار اليه بالزوج ذكر وأنثى، ولم يقل فأنبتنا فيها نباتا، وإنما وصف هذا النبات بكيفية النمو، لأنه قد علم أن العلوم ستأتي على بيان هذه الخصائص. وهذه الآية بما تشتمل عليه من الإعجاز العلمي، وبما تتسم به من بلاغة لغوية لتحديد الوصف وجعله شاملا كاملا في أربع جمل، تزيد القرآن تعظيما وسموا عن الأوصاف والعلوم البشرية. وفي الآية التي تلي يقول سبحانه وتعالى هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الله الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين.

ولنرى لماذا جاء التعبير في هذه الآية بوصف دقيق جدا من الناحية العلمية. لماذا يصف الله سبحانه وتعالى النبات في هذه الآية الكريمة بالزوج الكريم؟ لقوله تعالى وأنبتنا فيها من كل زوج كريم. فالزوجية في النبات تابتة وقد وقفت العلوم على ذلك مؤخرا. لكن كلمة كريم تعني علما آخر يتناقض مع الخلق، ولذلك نجد هنا تحذيرا لا ينتبه إليه العلماء، فتعبير من كل زوج كريم الذي جاء في آخر الآية، يتفق مع ما جاء في الآية التي تليها، وهي قوله تعالى هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ظلال مبين.

جاءت كلمة كريم في سورة الواقعة لقوله تعالى لا بارد ولا كريم. وقد نعلم أن ماء جهنم لا يمكن أن يكون إلا حاميا يشوي الوجوه، بمعنى أن كريم هنا جاء تفسيرها بالضد، ليفهم المعنى فهما دقيقا، فالكريم هو دون ما يشوي ويقتل ويقطع الأمعاء، كما جاء في آيات أخرى. لكن الآية تتكلم عن النبات وجاء التعبير بالكريم، بمعنى أن هذا الخلق الذي خلقه الله سبحانه وتعالى لا يؤدي، ولا يقطع الأمعاء، ولا يضر ولا يصيب الإنسان بمرض. لكن ما العلاقة بين هذا الوصف، وهذه الأعراض؟ ولماذا جاء التعبير هكذا؟ فهناك شيء يريد الله سبحانه وتعالى أن يبينه للناس، فالوصف القرآني وصف مدقق، والحقيقة القرآنية حقيقة مطلقة، والخبر القرآني فيه ما ينفع الناس. جاء هذا الوصف لأن الله سبحانه وتعالى كان يعلم أن الإنسان سيغير هذه الأشياء، لتصبح غير كريمة، وكان يعلم كذلك أن الإنسان الذي اتهمته الملائكة بالفساد قبل أن يخلق سيفسد في الأرض.

فالنبات الذي خلقه الله سبحانه وتعالى أو النبات الطبيعي، كما نعبر عنه في العلوم الحديثة، ينفع الإنسان ويحفظ الجسم من الضرر، وكل المكونات التي تقي وتحفظ وتنمي الجسم موجودة في هذا الخلق. لكن طغيان العلوم والإصابة بالغرور، جعل البشرية تنسلخ عن المسار الفطري والطبيعي، لتجد نفسها سجينة علومها، ولاتزال البشرية تائهة في الميدان العلمي، وقد وصلت الآن إلى ما لا تحمد عقباه في الميدان الأحيائي، وهو ما سينعكس سلبا على الإنسان، ليعيش في تعاسة وخيبة أمل. فظهور الأمراض المزمنة كان نتيجة الثلوت البيئي، وانتقال الإنسان من الحياة العضوية أو الأحيائية إلى الحياة الكيماوية. فالزراعة كانت أحيائية من حيث كانت تستعمل السماد العضوي، وكانت لا تستعمل المبيدات والأكياس البلاستيكية لخزن الحبوب، وكانت لا تعالج الحبوب بالمبيدات أثناء الخزن. ونلاحظ أن التغيير الوراثي واستعمال التقنيات الحديثة في الإنتاج أدى إلى كارثة أحيائية، وقد وصلت البشرية الآن إلى نقطة اللارجوع، بل قد يصبح من المستحيل الرجوع إلى الإنتاج الطبيعي، الذي جاء التعبير القرآني في شأنه بالكريم. ولنلقي نظرة موجزة عن الخلق الجديد، أو النبات الذي لم يعد كريما، بل أصبح قاتلا لنجد أن النبات الذي خلقه الله أو النبات الطبيعي كان يحتوي على مغذيات مرتفعة إلى درجة أن الخبز كان يكفي احتياجات الجسم. وكان يحتوي على مكونات طبية تقي الجسم وتبقيه على التوازن الفايسيولوجي كارتفاع الضغط مثلا أو ظهور أعراض في الجهاز الهضمي، ومن جملة هذه المكونات نجد الإمونات وهي جزيئات ترفع مناعة الجسم وتقيه، أم النبات المغير وراثيا فلا يحتوي على مغذيات مرتفعة ولا يحتوي على مواد طبية وأكثر من ذلك أن الإيمونات استبدلت بالألرجنات، ولذلك كان الوصف لما خلق الله سبحانه وتعالى بكريم ليبين أن الذي غيره الإنسان ليس كريما، وكذلك جعل التغيير الوراثي من عمل الشيطان.
__________________
اضغط على هذه الورده


" دخول أشبه بـ [ غياب ] "
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.27 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]