الدولة الإدريسية وهي أول دولة إسلامية قامت في المغرب الأقصى
أسس إدريس بن عبد الله الدولة الإدريسية بعد نجاته من موقعة فخ الدامية، التي ترتبت على الانتفاضة الشيعية ضد حكم الخليفة العباسي موسى الهادي، والتي شهدتها مكة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (سنة 169هـ).
1 - معركة فخ وميلاد الدولة الإدريسية:
لحق إدريس بن عبد الله بالمغرب الأقصى هو ومولاه راشد. فنزل بمدينة وليلي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وبها
يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من البربر البرانس فأجاره وأكرمه وجمع البربر على القيام بدعوته، وخلع الطاعة العباسية وكشف القناع في ذلك.
ثم إن الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في القسم الشمالي من المغرب الأقصى قبيل وصول إدريس كانت مهيأة لقيام إمامة سنية يكتب لها النجاح والتوفيق. فكانت الظروف ممهدة لزعامة سياسية في المغرب الأقصى؛ تمكن القبائل الصنهاجية المصمودية المتمسكة بالسنة من التخلص من سلطان البرغواطيين، حيث كان شيوخ أوربة مستعدين لتأييد قائد وزعيم يخلصهم من طغيان هؤلاء، وينشئ لهم دولة وكيانا سياسيا على أسس الإسلام القويم. لذلك لم تجد دعوة إدريس بن عبد الله هذه صعوبة كبيرة في الانتشار والتوسع في أوساط القبائل البريرية.
وهذا يدل على أن اختيار إدريس الأول ومولاه راشد لبلاد المغرب الأقصى لم يكن أمرا اتفاقيا، وإنما كان اختيارا استراتيجيا وسياسيا مدروسا.
2 - بدايات تأسيس الكيان السياسي للدولة الإدريسية
إن اختيار إدريس الأول لمدينة وليلي كمنطلق لدعوته، يستند إلى أكثر من معطى واقعي، فمن جهة كانت وليلي وقتئذ مركزا وملتقى تجاريا لمختلف القبائل البربرية، كما كانت قبيلة أوربة تتزعم مجموعة كبيرة من القبائل يتسع نطاقها من الأطلس الأوسط إلى وادي سبو. هذه العوامل منحت المنطقة أن تكون أصلح ما تكون كمركز لدعوة سياسية..
وحين حل إدريس بالمغرب، اتخذ مدينة وليلي منطلقا لدعوته، فدعا عبد الحميد عشيرته أوربه – وهي أكبر عشائر البربر – لبيعته، فكانوا أول من بايعه يوم الجمعة 4 رمضان 172هـ، وتلقب بـ"أمير المؤمنين". وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه "لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا".
وتحدثنا المصادر التاريخية عن هذه البيعة التاريخية الأولى بالمغرب، التي بايع المغاربة بموجبها إدريس الأول سنة 172هـ ملكا لهم. وكيف أنها كانت بداية عهد جديد للإسلام والمسلمين في الغرب الإسلامي، ومن هؤلاء المؤرخين نذكر "ابن أبي زرع" في كتابه "روض القرطاس" إذ يقول عن هذه البيعة ما يلي: "بويع إدريس بن عبد الله بمدينة وليلي يوم الجمعة من شهر رمضان المعظم سنة 172هـ وكان أول من بايعه قبائل أوربة. بايعوه على الإمارة، والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزواتهم وأحكامهم، ثم بعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف البربر من أهل المغرب، ومنهم زواغة، وزواوة، ولماتة، وصدراتة، وغياتة، وتفزة، ومكناسة، وغمارة... إلى أن تتابعت الوفود من الأقاليم الصحراوية.."
3 - بيان إدريس الأول
أعلن إدريس دعوته إلى المغاربة، ونشر بيانه الأول ومما جاء فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الذي جعل النصر لمن أطاعه، وعاقبة السوء لمن عانده، ولا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية. وصلى الله على محمد عبده ورسوله وخيرته من خلقه وآله الطيبين، أما بعد: فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، والى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والأخذ بيد المظلوم وإحياء السنة وإماتة البدع وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.. اعلموا يا معاشر البربر أني أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور الذي كثر واطره وقل ناصره وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه، فأجيبوا داعي الله عز وجل إذ يقول: ومن لا يجيب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه من أولياء أولئك في ضلال مبين). أعاذنا الله وإياكم من الضلال وهدانا إلى سبيل الرشاد، وأنا إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، هذه دعوتي العادلة غير الجائرة فمن أجابني فله مالي وعليه ما عليَّ، ومن أبى فحظه أخطأ وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة، إني لم أسفك دماً ولا استحللت محرماً ولا مالاً وأستشهدك يا أكبر الشاهدين وأستشهد جبريل وميكائيل إني أول من أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك مزجي الجبال سرابا بعد أن كانت صماً صلاباً، وأسألك النصر لولد نبيك إنك على كل شيء قادر وصلى الله على محمد وآله وسلم..»
من هذا البيان نستشف الأسس والركائز الدينية التي استندت ّعليها الدعوة الإدريسية، وخاصة مناداتها للعودة إلى المنابع الإسلامية الصحيحة والتمسك بالسنة، ومحاربة البدع ومختلف الانحرفات التي قد تظهر.
إن هذا المنطلق الديني بات مؤشرا على نجاح هذا المشروع السياسي، فراح إدريس يضع اللبنات الأولى لكيان دولته الجديدة. ففي عهد إدريس الأول انتظم للدولة جيش كثيف وقوي أخضع من حوله من بلاد المغرب الأقصى الكثير، ونشر الإسلام بين القبائل التي كانت لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة ..
ثم تقدم فأخضع تلمسان في المغرب الأوسط، وبهذا تمكن أمره واستقر حكمه وأرسى قواعد الدولة الفتية، ونجح في أن يقيم ملكاً وطيداً دعامته العدل وإنصاف الناس.