الجوابُ عن خمس عشرة شبهة .. للدكتور أحمد القاضي ـحفظه الله ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله الله بين يدي الساعة ، بشيراً ونذيراً ، للناس جميعاً ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، حتى أتاه اليقين . أما بعد :
فهذه إجابات على خمس عشرة مسألة وردت إلى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي ، عبر ( المنتدى الإسلامي العالمي للحوار ) تطرح من قبل جمعيات تنصيرية في ملتقيات الحوار الإسلامي النصراني ، بدعوى التناقض والاختلاف بين النصوص القرآنية ، أو بين القرءان والسنة ، ثم يختلف المحاورون المسلمون في الإجابة عنها !!
وهذه المسائل تتعلق بأمور مستقرة في الشريعة، بل بعضها معلوم من الدين بالضرورة، لا يسع المحاور المسلم الالتفاف عليها تحت أي مبرر ، وفي ظل أي ظرف ، وخصمنا لا يرضى عنا إلا أن نتبع ملته ، كما قال ربنا : (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120) .
ومن الضروري في منهجية الحوار أن ينأى المحاور المسلم بدينه عن قفص الاتهام . وأن لا يستهلك جهده في الدفاع فقط ، وإن كان هذا مطلوباً بقَدَر معين ، بل عليه أن يأخذ بزمام المبادرة ، ويحوز سبق المبادأة ، كما أمر الله نبيه في محاورة أهل الكتاب ، فقال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم)(آل عمران:من الآية64) ثم يشرع في الدعوة إلى الحق الذي يعتقده ، والتحذير من الباطل الذي يعتقده خصمه: ( أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) فإن أبى فلا يضيع وقته في مجادلات لا طائل من ورائها ، أو الاشتغال بأمور جانبية تصرفه عن هدفه الكبير : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران: من الآية64) .
المسألة الأولى : الحرية الدينية :
ولد مصطلح ( الحرية الدينية ) بمفهومه المعاصر، بميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الصادر في 10 ديسمبر 1948م ، كرد فعل للممارسات المتعسفة التي كانت تتزعمها الكنيسة ضد مخالفيها عبر القرون ؛ من حجب ، وحرم ، وتحريق ، وحبس ، وطرد ، حتى بحق النصارى أنفسهم الذين ينتمون إلى كنائس أخرى ، فضلاً عن اليهود المضطهدين في المجتمعات الأوربية ، والمسلمين الذين تم قسرهم على اعتناق النصرانية في الأندلس ، أو قتلهم ، أو طردهم .
جاء في المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما نصه : ( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه ، أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه ، أو معتقده ، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده ، أو مع جماعة ، وأمام الملأ ، أو على حدة ) وبالتالي فليس هذا المبدأ مبدأً كنسياً حتى تتكىء عليه بعض الجمعيات التنصيرية لمحاولة النيل من العدالة الإسلامية ، بل يجب التذكير دوماً أنه تعبير عكسي عن ممارسات الكنيسة ضد الحريات العامة . ولم تعتنق الكنيسة الكاثوليكية هذا المبدأ ، رسمياً ، إلا في المجمع الفاتيكاني الثاني ، الذي انتهت أعماله عام 1965م ، أي بعد قرابة سبعة عشر عاماً من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ! تحت الضغوط الليبرالية التي اجتاحت أوربا في منتصف القرن المنصرم ، وكادت أن تقضي على الكنيسة برمتها .
ويقف الإسلام موقفاً وسطياً بين تطرف الكنيسة التاريخي حيال الحرية ، وانفلات بعض فقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . فالإسلام ، وكذلك جميع الرسالات السابقة ، جاءت لتحقيق هدف أصيل ؛ وهو توحيد الله بالعبادة ، التي من أجلها خلق الخلق ، وأرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، إذ لا يستقيم عقلاً ، ولا فطرةً أن يخلق الله الخلق ، وينعم عليهم ، ثم يعبدوا غيره !! ومن ثم فإن أكبر جريمة ترتكب ، وأبشع ظلم يقترف ، هو الشرك بالله : ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان: من الآية13) .
إن الأنظمة المدنية للدولة الحديثة تمنع جميع صور التعدي الحسي والمعنوي على الآخرين ، وإن القانون المطبق يعاقب على جرائم ؛ كالتزوير ، والكذب ، والسرقة ، والجاسوسية ، والقتل ..الخ ، فكيف يسوغ أن يهمل أعظم الحقوق ، وهو حق الله ، دون عقاب رادع ؟!
إن الإيمان بالله ، وتوحيده بالعبادة ، في نظر الإسلام ، قضية فطرية لا يحيد عنها إلا متنكر لفطرته ، خارج عن إنسانيته ، خائن لجماعته البشرية ، مرتكب لجريمة تستحق إيقاع العقوبة القصوى ، ما لم يرجع إلى صوابه . ومن ثم كان من مهمة أتباع الأنبياء دعوة الناس جميعاً إلى الإيمان بالله وتوحيده ، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وهذا يتحقق بإحدى صورتين :
إحداهما : أن يقبل المدعو الحق،وينخرط في الجماعة المؤمنة ، فله مالها،وعليه ما عليها. الثانية : أن يعلن الإذعان للجماعة المؤمنة ، المتمثلة بصورة دولة ذات سيادة وسلطان، مع احتفاظه بمعتقداته ، وشعائره السابقة ، وفق ما تقره تلك الدولة من تنظيمات ، وما تمنحه له من حقوق ، وما تفرض عليه من واجبات ، تماماً كما تفعل كثير من الدول المتقدمة الآن ،حين تسن أنظمة وقوانين تتعلق بالمهاجرين واللاجئين ، المقيمين على أراضيها ، تجعلهم في مرتبة أدنى من مواطنيها الأصليين . والفرق بين الصورتين أن الدولة العلمانية الحديثة تمارس هذا التمييز على أسس أرضية، والدولة الإسلامية تفعل ذلك بناءً على أسس موضوعية ، دون تمييز على أساس الأرض ، أواللون ، أوالعرق .
وعلى ضوء ما مضى يتبين المراد بقول الله تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ)(البقرة: من الآية256) أي لا تكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام ، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية ، لمن كان صادقاً مخلصاً في البحث عن الحقيقة ، وأما من دخله مكرهاً فإنه لا يستفيد من اعتناقه ، ولا يتخلص به من الغي. وحينئذ ، فعليه أن يذعن لنظام الإسلام ، إن كان له دولة وسلطان . وليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في التدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة ، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام .
وأما قوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)(الكهف: من الآية29) فليست للتخيير المجرد ، كما قد يفهمه بعض الناس ! وإنما جاءت في سياق التهديد والوعيد لمن شاء أن يكفر ، ولهذا ختمها بقوله : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً)(الكهف: من الآية29).
وبناءً على ما تقدم ، فإن قتل المرتد عقوبة على جريمة كبيرة ، أشد في نظر الإسلام من جريمة ( الخيانة العظمى ) التي تعاقب عليها الدول بالقتل ، جراء إفشاء أسرار الدولة ، أو التعاون مع عدو خارجي ، أو السعي لقلب نظام الحكم ، أو ما دون ذلك مما تسنه بعض النظم الوضعية . فالردة كفر مضاعف ، والكافر المرتد أعظم جرماً من الكافر الأصلي ، لأنه خان خيانة عظمى ، ووقع في ظلم عظيم .
__________________
يا قارئ خطي لا تبكي على موتي .. فاليوم أنا معك وغداً في الترابِ
ويا ماراً على قبري لا تعجب من أمري .. بالأمس كنت معك وغداً أنت معي
أموت و يبقى كل ما كتبته ذكرى .. فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
|