
09-08-2008, 08:38 PM
|
 |
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
|
|
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,020
الدولة :
|
|
يتبـــع موضوع .... لمسات بيانية من سورة القيامة
جاء في (الكشاف) في قوله تعالى: (كلا بل تحبون العاجلة)، كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة: (وتذرون الآخرة)… فإن قلت: كيف اتصل قوله: (لا تحرك به لسانك) إلى آخره بذكر القيامة؟ قلت: اتصاله به من جهة التخلص منه إلى هذا التوبيخ بحب العاجلة وترك الاهتمام بالآخرة[21].
وجاء في (روح المعاني) في هذه الآية: "كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) تعميم الخطاب للكل كأنه قيل: بل أنتم يا بني آدم لما خلقتم من عجل وجبلتم عليه تعجلون في كل شيء ولذا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ويتضمن استعجالك، لأن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة… ومنه يعلم أن هذا متصل بقوله سبحانه: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) فإن ملوح إلى معنى: بل تحبون الخ"[22].
إن هذه الآية كما هو واضح مناسبة لجو العجلة التي بنيت عليها السورة، وهي متصلة ـ كما مر بنا ـ بقوله تعالى: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) فإن الإنسان يسوف بتوبته ويغره أمله ويؤثر ما بين يديه ويغمس نفسه في شهواته، ويستحب عاجل حياته ولا ينظر فيما وراء ذلك من أمور الآخرة، فهي متصلة بما قبلها وبقوله: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) أتم اتصال.
كما أنها متصلة بالنفس اللوامة التي بنيت عليها السورة اتصالاً ظاهراً بالنفس اللوامة كما ذكرنا تلوم نفسها لأحد سببين:
إما أن تعجل فتعمل عملاً تندم عليه، فتلوم نفسها علة ذلك، وهذا ما أكده قوله: (كلا بل تحبون العاجلة) وإما أن تؤخر عملاً كان ينبغي لها عمله وقرتها خيره، فتندم عليه، فتلوم نفسها على ذلك وهذا ما يفيده قوله: (كلا بل تذرون الآخرة) فهو هنا عجل أمراً وترك آخر فندم من الجهتين ولام نفسه الحالتين، لام نفسه في العجلة ولام نفسه في الترك.
وما أحرى أن تسمى هذه النفس بالنفس اللوامة، لأن دواعي اللوم لكاثرة عليها.
ثم انظر كيف اختار الفعل: (وتذرون) على (تتركون) ذلك أم في تذورن) حذفاً واصله (توذرون) من (وذر) ليدل ذلك على طابع العجلة الذي يريد أن ينتهي من الشيء في أقرب وقت. فاختيار هذا الفعل المحذوف الواو، مناسب لجو العجلة.
و قد تقول: ولم لم يقل: (تدعون) وهو فيه حذف كما في (وتذرون)
والجواب ـ والله أعلم ـ أن اختيار (تذرون) على (تدعون) له سببه ذلك أن الفعل (وذر) في عموم معانيه يفيد الذم، ومنه قولهم: امرأة وذرة أي: رائحتها رائحة الوذر، وهو اللحم، وقولهم (يا ابن شامة الوذر) وهو سب يكنى به عن القذف. وفي الحديث : (شر النساء الوذرة المذرة) [23] بخلاف (ودع) فإن من معانيه الراحة والدعة وخفض العيش. وقد يفيد المدح ومنه قولهم، رجل وديع، أي: هادئ ساكن[24]. في حين أن الموقف ذم فإنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، فاختار الفعل الذي يقال في عموم للذم ولم يختر الفعل الذي يقال في كثير من معانيه و أكثر معانيه للمدح. وهو اختيار فني رفيع.
ثم قال بعد ذلك: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)
هذا الصنفان هما ما يؤول إلى أحدهما الناس يوم القيامة. الذي يؤثر الآخرة ويعمل لها، والذي يحب العاجلة ويذر الآخرة. وهذه الآيات مرتبطة بأول السورة وهو القسم بيوم القيامة أتم ارتباط. فإنه في يوم القيامة ينقسم الناس إلى هذين الصنفين.
ثم إن لاختيار كلمة (رب) وتقديم الجار والمجرور سببه أيضاً.
أما اختيار كلمة (رب) فهو أنسب شيء ههنا، فإن وجوه أهل السعادة تنظر إلى ولي نعمتها في الدنيا والآخرة ومربيها وسيدها الذي غذاها بالنعم وهداها إلى طريق السعادة، وأوصلها إليه ولم تكن قد رأته من قبل. ولم يرد في السورة من أسماء الله تعالى غير لفظ (الرب).
وأما تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: (إلى ربها ناظرة) فللاختصاص، فإن هذه الوجوه لا تنظر إلا إليه، فإن النظر إليه يذهلها عن كل ما عداه وينسي أهلها ما عداه من النعيم، فإن أهل الجنة ما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إليه كما في الحديث الصحيح. فهذا من أوجب مواطن الاختصاص فالتقديم اقتضاه المعنى كما اقتضته موسيقى الفاصلة وهذا الجمع بين النضرة وسعادة النظر إلى وجهه الكريم، يشبه الجمع بين النضرة والسرور في قوله تعالى: (ولاقهم نضرة وسروراً) [الإنسان].
ثم قال بعدها في الصنف الشقي:
(ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)
وهذه بمقابل الوجوه الناضرة، وهي وجوه من آثر العاجلة، وترك الآخرة، وجوه من يريد ليفجر أمامه، الوجوه التي ينبغي لأصحابها أن كثروا اللوم لأنفسهم ويبالغوا في اللوم.
وتقديم (يومئذ) في الآيتين يفيد الاختصاص وهو ما يقتضيه المعنى الفاصلة، فإن نضرة أصحاب النعيم خاصة بذلك اليوم، أما في الدنيا ربما لم تعرف وجوههم النضرة. وكذلك أصحاب الوجوه الباسرة، فإن البسور مختص بذلك اليوم، وربما كانت وجوههم من أنضر الوجوه في الدنيا.
(تظن أن يفعل بها فاقرة)
والفاقرة: الداهية العظيمة التي تقصم فقار الظهر وأصلها من الفقرة والفقارة كأن الفاقرة تكسر فقار الظهر[25].
واختيار فعل الظن مناسب أحسن مناسبة لجو السورة والسياق مع أن الموطن موطن علم ويقين، وقد فسره أكثر المفسرين بالعلم واليقين، وذلك أن الإتيان بفعل الظن متناسب مع تأخير التوبة وإيثار العاجلة وتقديم الفجور، فإنه في الحياة الدنيا بنى حياته على الظن، فهو يظن أن سيمتد به العمر ويطول به الأجل، فيسوف بتوبته ويقم شهوته. وهذا الظن يرافقه إلى اليوم الآخر، فهو إلى الآن يظن وقوع الداهية ظناً، وهو إلى الآن في حال ظن وأمل لا في حال علم وبصيرة، فهو لا يرى إلا اللحظة التي هو فيها، وما بعدها فهو عنده ظن لا يقين كما كان شأنه في الدنيا يقدم شهوته ويؤثر عاجلته ويقول: أيان يوم القيامة؟
فانظر هذا الاختيار الرفيع لفعل الظن في هذا الموقف، وانظر تناسب ذلك مع النفس اللوامة التي لا ترى إلا ما هي عليه حتى تفوتها الفرصة، ويفوتها معها الخير، ويدركها سوء العاقبة، فتلوم نفسها على ما فرطت في جنب الله.
وذكر لاختيار فعل الظن سبب آخر هو أن الظان لا يعلم نوع العقوبة، ولا مقدارها فيبقى رجلاً أشد الوجل، خائفاً أعظم الخوف من هذا الأمر الذي لا يعلم ما هو ولا مداه ولا كيف يتقيه ألا ترى أن الذي يعلم ما سيحل به يكون موطناً نفسه على ذلك الأمر بخلاف الذي لا يعلم ماذا يتقي، وما مداه وما نوع تلك الفاقرة.
جاء في (روح المعاني): "وجيء بفعل الظن ههنا، دلالة على أن ما هم فيه، وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبداً… وإذا كان ظاناً كان أشد عليه مما إذا كان عالماً موطناً نفسه على الأمر"[26].
ولاختيار الفاقرة دون غيرها سبب سنذكره في مكانه.
واختيار تعبير (أن يفعل بها) بالبناء للمجهول دون أن يقول مثلاً: (أن تصيبها فاقرة) أو (تحل بها) أو نحو ذلك له سبب لطيف. ذلك أن قوله: (أن يفعل بها) معناه أن هناك فاعلاً مريداً يفعل بفقار الظهر ما يريد من تحطيم وقصم. أما القول: (أن تصيبها) أو (تحل بها) فكأن ذلك متروك للمصادفات والظروف، فقد تكون الفاقرة عظيمة أو هينة والفواقر بعضها أدهى من بعض. فقوله: (أن يفعل بها) أنسب اختيار في هذا السياق إذ لا تترك ذلك للمصادفات والموافقات، بل كان ذلك بقدر.
ثم إنه لم يقل: (أن نفعل بها) بإسناد الفعل إلى ذاته العلية، لأنه لم يرد أن ينسب إيقاع هذه الكارثة والشر المستطير إلى نفسه كما هو شأن كثير من التعبيرات التي لا ينسب الله فيها السوء إلى ذاته العلية نحو قوله: (وأنا لا ندري أشر اريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) [الجن] وقوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا) [الإسراء] فلم ينسب الشر إلى ذاته.
ثم قال بعدها:
(كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق)
"والضمير في (بلغت) للنفس وإن لم يجر لها ذكر"[27]. وعدم ذكر الفاعل ولا ما يدل عليه مناسب لجو العجلة الذي بنيت عليه السورة. ونحوه ما مر في حذف جواب القسم في أول السورة، وحذف عامل الحال (قادرين) وعدم ذكر ما جرى عليه الضمير في قوله: (لا تحرك به لسانك لتعجل به) وغيره مما سنشير إليه.
(وقيل من راق) وحذف الفاعل وإبهامه في (قيل) مناسب لإضماره وعدم ذكره في (بلغت التراقي) كلاهما لم يجر له ذكر، وكذلك الإبهام في (راق) مناسب لسياق الإبهام هذا، فإن كلمة (راق) مشتركة في كونها اسم فاعل للفعل (رقي يرقي) وهو الذي يقرأ الرقية على المريض ليشفى، وفي كونها اسم فاعل للفعل (رقي يرقى) بمعنى (صعد) ومنه قوله تعالى: (أو ترقى في السماء) [الإسراء].
واختلف في تفسير هذه الآية على هذين الوجهين:
من يرقيه فيشفيه وينجيه من الموت؟
أو من يرقى بروحه إلى السماء أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟[28].
فالقائل مجهول، أهم أهله ومن يتمنى له الشفاء أم هم الملائكة الذين حضروه أثناء الموت؟
فانظر جو الحذف والإبهام وكيف ناسب ما قبله.
وقال بعدها:
(وظن أنه الفراق)
واختيار فعل الظن اختيار مناسب غاية المناسبة لما قبلها ولجو السورة كما ذكرنا، فهو إلى اللحظة الأخيرة في حال ظن وأمل ولا يزال فراق الحياة عنده ظناً من الظنون لا يقيناً، ومناسب لقوله: (تظن أن يفعل بها فاقرة) فهو في المواطنين، يفترض أن يكون في موقف علم ويقين ولكن مع ذلك لا يزال في موقف ظن.
جاء في (روح المعاني): "والظن هنا عند أبي حيان على بابه وأكثر المفسرين على تفسيره باليقين. قال الإمام: ولعله إنما سمي اليقين ههنا بالظن لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها، فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة"[29].
قوله: (والتفت الساق بالساق)
قيل: معناه لفهما في الكفن، وقيل: انتهاء أمرهما بالموت، وكل ما دل في تفسير الآية يراد به حالة من حالات الموت الذي حصل يقينالً لا ظناً.
(إلى ربك يومئذ المساق)
إن تركيب هذه الآية نظير آية (إلى ربك يومئذ المستقر) فإن تقديم (إلى ربك) يفيد القصر والاختصاص، فإن الناس يساقون إلى ربهم وليس إلى مكان أو ذات أخرى، فسوقهم مختص بأنه إلى الله وحده لا إلى غيره.
وكذلك تقديم (يومئذ) فالمساق إليه سبحانه يكون في ذلك اليوم مخصوصاً، وهو يوم مفارقة الدنيا.
وقدم (إلى ربك) على (يومئذ) لأنه هو المهم لأنها جهة المساق ومنتهاه ومستقره. وقد قال في آية سابقة: (إلى ربك يومئذ المستقر) وقال هنا: (إلى ربك يومئذ المساق) فاختير لفظ (المساق) ههنا لأن الآية في مفارقة لروح الجسد عند الموت، فيذهب الميت بعد ذلم ويساق إلى ربه، ثم يوضع في القبر، والقبر ليس مستقراً ولا موطن إقامة، وإنما هو موطن زيارة كما قال تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) [التكاثر] فسماها زيارة ولم يسمها مكثاً أو إقامة.
أما الآية الأولى فهي في يوم القيامة، يوم قيام الناس من قبورهم والذهاب بهم إلى مستقرهم في الجنة أو النار، وقد سمى الله الجنة مستقراً وكذلك النار قال تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً) [الفرقان] فالمساق ينتهي إلى المستقر كما قال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) [الزمر] فهذه غاية المساق ومنتهاه، وكل ذلك إلى الله رب العباد.
ثم قال بعدها:
(فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)
هذه الآيات فيها حشد من الفن عظيم عسى أن أوفق إلى بيان شيء من مظاهره. فمن ذلك:
1ـ إن هذه الآيات وقعت بعد قوله: (والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق) وهذا النفي والإخبار فيها، إنما هو في الآخرة وهي من أحوال الآخرة وأخبارها، فارتبطت بقوله: (لا أقسم بيوم القيامة).
2ـ كما ارتبطت بالنفس اللوامة من جهتيها الداعيتين إلى اللوم، فقد ذكرنا أن النفس اللوامة إنما تلوم نفسها لسببين:
إما أن تقوم بعمل لا ينبغي أن تقوم به فتندم فتلوم نفسها على ذلك، أو تترك عملاً ما كان ينبغي لها أن تتركه، فيفوتها خيره فتندم فتلوم نفسها على ذلك. والنفس هنا قدمت التكذيب والتولي: (ولكن كذب وتولى) وأخرت التصديق والصلاة (فلا صدق ولا صلى) فندمت في الحالتين فاقتضى ذلك أن تلوم نفسها من الجهتين، وأن تكثر ذلك وتبالغ في الملامة.
3ـ كما ارتبطت بقوله: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) ذلك أنه كذب وتولى، فقدم شهواته ومعاصيه.
4ـ وارتبط قوله: (فلا صدق ولا صلى) بقوله: (يسأل أيان يوم القيامة) فهو مستبعد له مكذب به فهو لم يصدق ولم يصل.
5ـ كما ارتبط ذلك بقوله تعالى: (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر) فإنه قدم التكذيب والتولي وأخر التصديق والصلاة.
6ـ وارتبط قوله: (فلا صدق) بقوله: (بل الإنسان على نفسه بصيرة) ذلك أن التصديق أمر إيماني، وهو من دخائل النفوس التي لا يطلع عليها إلا الله. والإنسان أعلم من غيره بما في نفسه فهو على نفسه بصيرة، ثم إن الإيمان كما يقال: تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان، فهو لم يصدق بالجنان (فلا صدق) وكذب باللسان، كما قال تعالى: (ولكن كذب) فأظهر التكذيب (وتولى) ولم يعمل بالأركان فانتفت عنه حقيقة الإيمان.
7ـ وارتبط عدم الصلاة والتولي بإلقاء المعاذير، فإنه سيسأل عن ذلك، فيحاول أن يدفع عن نفسه بالمعاذير.
8ـ وارتبط قوله: (فلا صدق) وقوله: (ولكن كذل) بقوله: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) فإنه لم يؤمن، والإيمان باليوم الآخر من أهم أركان الإيمان.
9ـ وارتبطت هاتان الآيتان أعني قوله: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذل وتولى) بقوله: (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) فهو قد أحب العاجلة، فكذب وتولى وترك الآخرة.
10ـ وارتبطتا بقوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) فإنه لو صدق وصلى لكان من أصحاب الوجوه الناضرة، ولكن كذب وتولى فأصبح من أصحاب الوجوه الباسرة.
قوله:
(ثم ذهب إلى أهله يتمطى)
يتمطى، يتبختر وأصله من المطا، وهو الظهر، أي: يلوي مطاه تبختراً، وقيل أصله يتمطط، أي: يتمدد في مشيته ومد منكبيه قلبت الطاء فيه حرف على كراهة اجتماع الأمثال[30] مثل تظنى من تظن.
وهذه الآية مرتبطة بقوله تعالى: (تظن أن يفعل بها فاقرة)
والفاقرة هي الداهية التي تقصم فقار الظهر. فهذا الذي يتبختر في مشيته ويلوي ظهره، سيقصم فقار ظهره، فلا يستطيع حراكاً. وهو جزاء من جنس العمل، أفلم يكن يلوي ظهره ويتبختر، فسيحطم هذا الظهر الذي طالما لواه وتبختر به.
وهذا أنسب عقاب له، ولو قال بدل ذلك مثلاً: ستصيبه داهية أو تحل به كارثة أو قارعة لم تجده يحسن هذا الحسن، ولا يرتبط به مثل هذا الارتباط، فإن ذلك لا يجانس تمطيه.
وهي مرتبطة أيضاً بقوله تعالى: (إلى ربك يومئذ المساق) فهو كان يذهب إلى أهله وينقلب إليهم متى شاء، أما الآن فإنه يساق سوقاً إلى ربه وسيده على الرغم من أنفه.
ثم انظر كيف قدم الجار والمجرور في السوق فقال: (إلى ربك يومئذ المساق) لأنه ليس له اختيار، وإنما هو مذهوب به إلى جهة واحدة. أما في الدنيا فهو ينقلب إلى أهله وإلى عمله، وإلى اصدقائه وإلى من شاء ليس ثمة حصر، ولذا لم يقدم الجار والمجرور في الدنيا، فقد كانت له عليها الحرية، أما الآن فهو مسوق سوق العبد إلى مولاه وربه وسيده.
ثم انظر كيف أنه لم يذكر (يومئذ) في الدنيا بخلاف يوم موته وسوقه فإنه كان في الدنيا يذهب كل يوم وليس في يوم معين، أما سوقه إلى ربه فذلك في يوم معين وهو يوم الفراق فلم يحتج إلى ذكر اليوم في الدنيا بخلاف يوم المساق.
فانظر كيف تقابل التعبيران والمشهدان
قوله:
(أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)
(أولى لك) عبارة تقال على جهة الزجر والتوعد والتهديد تقول لمن تتوعده وتتهدده، (أولى لك يا فلان) أي: ويل لك، واشتقاقها من (الولي) وهو القرب، فهو اسم تفضيل يفيد قرب وقوع الهلاك.
جاء في (الكشاف): (فأولى لهم) "وعيد بمعنى: فويل لهم، وهو أفعل من الولي وهو القرب ومعناه: الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه"[31].
وجاء في (روح المعاني): (أولى لك فأولى) "من الولي بمعنى القرب، فهو للتفضيل في الأصل غلب في قرب الهلاك ودعاء السوء، كأنه قيل: هلاكاً أولى لك بمعنى: أهلكك الله تعالى هلاكاً أقرب لك من كل شر وهلاك… وفي الصحاح عن الأصمعي، قاربه ما يهلكه: أي نزل به… وقيل: اسم فعل مبني ومعناه: وليك شر بعد شر"[32].
واختيار هذا الدعاء أنسب شيء ههنا، فهو دعاء عليهم وتهديد لهم بالويل القريب والشر الوشيك العاجل، فهو مناسب لإيثارهم العاجلة وتقديمهم الفجور والشهوات وتأخيرهم الطاعات، فكما عجلوا في فجورهم وشهواتهم ومعاصيهم عجل لهم الويل والثبور. وهو مناسب لجو العجلة في السورة الذي ذكرنا قسماً من مظاهره.
لقد ورد هذا الدعاء في سورة محمد فقال: (فأولى لهم) غير أننا نلاحظ الفروق التعبيرية الآتية بينهما:
1ـ إنه كرر الدعاء في سورة القيامة في الآية الواحدة فقال: (أولى لك فأولى) ولم يكرره في سورة محمد بل قال: (فأولى لهم).
2ـ ثم إنه عاد فكرر الآية: (أولى لك فأولى) كلها في سورة القيامة، فكان تكراران: تكرار جزئي في الآية ، وتكرار كلي للآية.
3ـ في آية (أولى لك فأولى) كرر لفظ (أولى) فقط ولم يكرر (لك).
4ـ فصل بين الدعائين في الآية الواحدة بالفاء.
5ـ فصل بين الآيتين بـ (ثم).
وبالتأمل في السياقين نجد السبب واضحاً.
يتبـــــــــــــــع
|