عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-01-2009, 04:28 PM
ابو مصعب المصرى ابو مصعب المصرى غير متصل
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
مكان الإقامة: egypt
الجنس :
المشاركات: 2,576
الدولة : Egypt
افتراضي حماس.. عبقرية البناء ومعجزة الصمود

وضعت الحرب الوحشية أوزارها.. وعاد العدو من حيث أتى يجر سرابيل النذالة والعار، فقد كشفت "غزة"- التي تحوّل معظمها إلى أثرٍ بعد عين- عن هول الجريمة التي تؤكد براعة الصهاينة في مص دماء المدنيين، وتحويل الحياة إلى جحيم، والعمران إلى خراب، وهذا أبعد ما يكون عن الشجاعة في القتال! ولا يمكن أن يكون مقياسًا للانتصار؛ وإنما مقياس للسقوط الأخلاقي المدوّي.. لكن، هل هؤلاء يعرفون أخلاقًا أو شرفًا؟!
وبينما يتوارى الاحتلال عن "غزة" بقيت المقاومة، لم ينقص منها إلا القليل؛ لكن عتادها وعُدّتها ما زالت بخير تهدد العدو بالرعب صباحَ مساءَ، أليست تلك هزيمة ثقيلة للجيش الذي لا يقهر؟! فكل ما استطاع جيش الدفاع قهره هم الأطفال والنساء والعجائز والشجر والحجر، وتلك فضيحة في جبين الإنسانية، وتمثل انتحارًا لأي جيش يحترم نفسه!! لكن هل تلك العصابات تعرف قيمًا للقتال، أو شرفًا للعسكرية؟!
فالمقاومة التي أعلنوا من أول يوم لحربهم أنهم جاءوا لإنهاء وجودها ثبّتت ذلك الوجود، وأكد الناطق باسم كتائب القسام وهو يقدم كشفَ حساب المقاومة للرأي العام- في أول بيان له بعد توقف الحرب- أن بنيتها الأساسية ما زالت بخير وأنها أطلقت 980 صاروخًا وقذيفةً خلال الردِّ على حرب غزة، وأن من استشهد منهم 48 فردًا.. في مقابل قَتْل ما لا يقل عن 80 جنديًّا صهيونيًّا في أرض المعركة، وإصابة مئات آخرين، وتدمير 47 دبابةً وجرَّافةً وناقلةَ جنود متوغِّلةً في القطاع، بشكل كلي أو جزئي، وإصابة 4 طائرات مروحية وطائرة استطلاع واحدة.
وتم استخدم بعض الصواريخ المضادة للدروع لأول مرة في قطاع غزة.
وكشف عن أن الجيش الصهيوني هو الوحيد في العالم الذي يستخدم أفراده حفَّاضات الأطفال "البامبرز"(!!).
تلك هي المقاومة وهذا هو وضعها في الميدان بعد توقف الحرب، وهو وضع ينبئ عن معجزة صمود، يسجّلها التاريخ العسكري بكل احترام وإجلال.
لكن هذا الصمود المعجز لم يحدث من فراغ؛ وإنما هو وليد تجربة فتيّة بلغت اثنين وعشرين عامًا، شهدت عبقرية في البناء السياسي والعسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس؛ فمنذ الإعلان عن تأسيس حركة حماس في ديسمبر عام 1987م والحركة تسطِّر ملحمة جهادية استشهادية على كل الساحات، يفخر بها كل مسلم، ويقف كل من يرقبها- من الأعداء والأصدقاء- مشدوهًا أمام أدائها وانجازها معًا.
وتستمد حماس عبقريتها وحيويتها المتجددة من كونها ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ﴾ يشكل الإخلاص المكوّن الحيوي لبذرتها، فكان ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ يستعصي على محاولات العدو وأزلامه اجتثاثها أو بترها... ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ يصيب الأقزام المنبطحين والمفرطين المهرولين بالرهق والأرق كلما حاولوا أن يطاولوها، وقد روت حماس تلك الشجرة دومًا بأزكى الدماء؛ دماء شبابها الطاهر؛ ولذا فإن ظلها لا ينقطع ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم: من الآيتين 24 و25)، ويقف قادتها في مقدمة صفوف الجهاد فكانوا أول من روى أرض فلسطين بدمائهم الطاهرة، بدءًا من الشيخ المؤسس "أحمد ياسين"، وانتهاء بالشيخ "سعيد صيام"، والعالم الجليل الدكتور "نزار ريان".
والحركة الفتيّة لم تتوقف يومًا عن العمل والإنجاز داخل أتون الصراع، ولم تخلد منذ بزوغ فجرها المبارك إلى الراحة أو تتزحزح عن ساحة الوغى مع الصهاينة قيد أنملة؛ ولذا فقد اكتسبت خبرة واسعة، وأثبتت نضوجًا لافتًا عند تفاعلها مع الأحداث العسكرية والسياسية.
أولاً: على الصعيد العسكري، تمكّنت حماس مع شقيقاتها من منظمات الجهاد والمقاومة من إبداع معادلة "توازن القوى"؛ بل "توازن الرعب" مع العدو الصهيوني، وقد تجلّت تلك المعادلة بوضوح للمرة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية مع دخول حماس ساحة الجهاد.
ومنذ نشأة القضية واحتدام الصراع العربي الصهيوني تمّ الترويج لما عرف بنظرية "التفوق الإسرائيلي"، ونظرية "الجيش الذي لا يقهر" على أوسع نطاق حتى كاد الطرف العربي يقنع بها كَقَدر واقع، لكن انتصار الجيش المصري في العاشر من رمضان- أكتوبر1973م، وانتصار المقاومة اللبنانية 2006م، ثم انتصار المقاومة الفلسطينية يناير 2009م، ضرب أمثال تلك النظريات في مقتل. ولعل الحرب الأخيرة تكشف عن مدى النقلة الهائلة في بناء الحركة العسكري.
ثانيًا: على الصعيد السياسي استطاعت حماس بناءَ جهاز سياسي لا يقل قوة ووعيًا وبصيرة بالواقع والتحديات المحيطة بالقضية عن الجهاز العسكري، وقد خاض ذلك الجهاز معارك سياسية عديدة حقق فيها نجاحات باهرة، وحافظ من خلالها على ثوابت الحركة ومبادئها، ولعل أداء ذلك الجهاز بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، ثم نجاحها في إفشال حملة التأليب ضدها على الصعيدين الفلسطيني والعربي والمحاولات المستميتة لإزاحتها من الساحة، ثم أداءها السياسي خلال الحرب الأخيرة يؤكد كفاءة ذلك الجهاز الكبيرة في إدارة الصراع والمفاوضات.
وقد أثبتت الحركة قدرتها الفائقة على إدارة القطاع، رغم الحصار المجرم الذي استمر أكثر من عام ونصف العام، حيث حُرم الشعب- كما تابع العالم كله- من أبسط المقومات المعيشية.
وقد وضعت حماس لكيانها السياسي والعسكري أساسًا متينًا وعمقًا إستراتيجيًّا، تمثل في ذلك المد الجماهيري الواسع بين أبناء الشعب الفلسطيني عبر مؤسسات المجتمع المدني.
ولذلك، فمن الطبيعي أن نقول: إن شجرة حماس غُرست وترعرعت بدايةً قي قلوب الجماهير الفلسطينية، ثم انطلقت من عمق المجتمع الفلسطيني، ثم ازدادت نموًّا في قلوب الجماهير العربية والإسلامية، ولذا بات من المستحيل اقتلاعها؛ لأن أصلها ثابت وفرعها في السماء، تحرسها عين الله التي لا تنام، وتلتف حولها الجماهير على طريق تحرير فلسطين وفي القلب منها "القدس".
__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.66%)]