عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-02-2009, 09:49 AM
الصورة الرمزية ahmad12
ahmad12 ahmad12 غير متصل
*مشرف ملتقى البرامج*
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: في أرض الله
الجنس :
المشاركات: 4,155
افتراضي خريف غزة العاصف 4 .... د.أكرم حجازي

خريف غزة العاصف


القمة العربية
(4)
د. أكرم حجازي
23/1/2009





لم يكن الموقفين المصري والسعودي محبطين في الحرب إلا بالقدر الذي بدت فيه تبريراتهما لتجنب انعقاد قمة عربية استفزازية إلى درجة فاضحة ومخزية حتى بالنسبة لأدنى المستويات الشعبية ثقافة أو دراية في السياسة، وبالقدر الذي انكشفت فيه ضغوطهما التي عطلت انعقاد قمة بنصاب قانوني. وبالقدر الذي بدا فيه البلدين ضليعان في تبادل الأدوار وتكاملها بدء من الموقف السعودي كرأس حربة في إدانة المقاومة سنة 2006 وانتهاء بتولي مصر المهمة ذاتها في الحرب على غزة، وبالقدر الذي تعمدت فيه السعودية ومصر منح إسرائيل الفرصة الكاملة في تدمير غزة وإلحاق أفدح الضرر بالفلسطينيين والمقاومة أملا في تحقيق بعض الإنجازات التي بدت عصية وشبه مستحيلة. مشكلة الأمة منذ كامب ديفيد السادات وإلى يومنا هذا تكمن في النظامين السياسين في مصر والسعودية، فالمصريون قدموا، من جهتهم الغطاء السياسي لكافة الحروب الأمريكية والصهيونية في المنطقة بدء من احتلال بيروت سنة 1982 وانتهاء بحصار غزة والحرب عليها سنة 2009، أما السعوديون فقدموا القواعد والتمويل والغطاء الشرعي. ولا ريب أن هذا الدور سيستمر لاحقا ما لم توقفه معجزة ربانية.

هكذا لم يكن الموقفين انعكاسا لفرز عربي تسببت به خلافات في وجهات النظر ولا هما وليدي الحرب على غزة. أما التحليلات المحمومة التي سعت إلى التقارب أو جسر الهوة وكذا تلك التي حاولت إيقاع الأطراف المناهضة لانعقاد القمة في الحرج كي تدفعها إلى تغيير مواقفها لم تنجح سوى في الكشف عن المزيد من التعنت والاستهتار في الأرواح بصورة لا تقل وحشية عما تأتيه إسرائيل والعقلية اليهودية المتغطرسة من جرائم لم تعد تتسع لها العقول ولا الصدور .

ولسنا ندري هل هو دس للرؤوس في الرمال؟ أم تخوف من الوقوع في الحرج؟ أم هي ذات العقلية التي تأبى أن تتعلم من أية تجربة في الماضي البعيد والقريب؟ فسياسة الإحراج والتعرية أو حتى سياسة الترضية والمجاملات لم تعد تُجدِ أي منها نفعا مع تمايز الأطروحات العربية تجاه القضية الفلسطينية ووضوح الافتراق بين الكثير من الأنظمة السياسية منذ زمن بعيد. لذا من الأجدى وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها بدلا من الخداع والمراوغات التي لم تجلب سوى الكوارث على قضايا الأمة.

1) دائما ناقص واحد
لم يكن الفلسطينيون ولا سكان غزة ولا حتى الشعوب العربية يراهنون على انعقاد قمة عربية أو انتظار نصرة من العرب الرسميين. فقد اعتاد الناس على الخذلان أكثر مما اعتادوا على مناصرة في يوم من الأيام. والمساءلة بسيطة: ماذا ينتظر أهل غزة من قمة انعقدت قبل يوم واحد من وقف إسرائيل لعدوانها (17/1/2009) عليهم؟ وماذا يرتجى من قمة الكويت (19/1/2009) إذا كان انعقادها قد جاء بعد يومين من وقف العدوان ليغلب عليها طابع المعاتبات والمصالحات؟

الحقيقة الصارخة أن مصر والسعودية لا يمكن لهما أن تقبلا بعقد قمة فيما الحرب بالكاد انطلقت شرارتها. بل أن الرئيس المصري الذي لعب دور رأس الحربة خرج على الملأ (30/12/2008) وقال بالحرف الواحد: لن أفتح المعبر!، هكذا بتحد سافر لا يعني لأهل غزة المحاصرين من كل جانب إلا من معبر رفح على الحدود المصرية إلا رسالة واضحة جلية: موتوا قتلا ورعبا .. تحملوا مطاردة الطائرات الإسرائيلية لكم ولأطفالكم .. ولتدمر البيوت على رؤوسكم .. ولتحرق غزة حجرا حجرا .. وإن لم يعجبكم فالفسفوري سيفي بالغرض واليورانيوم المخضب سيفي بالغرض وإن فشلت فهناك قنابل الداين لن تدخر جهدا في تقطيع أمعائكم!

لن أفتح معبر رفح! ليش؟ فالناس يا ريس في حجيم. الناس فاهمة غلط فنحن مرتبطون باتفاقية دولية حول المعبر يشارك بها الأوروبيون والإسرائيليون. يعني المعبر مش مصري خالص واليهود عايزين يشوفوا بالكومبيوتر إيه اللي بيدخل وإيه اللي بيخرج!

باختصار: لن أفتح المعبر حتى لو كان القانون الدولي يسمح بذلك خاصة في الحروب. لن أفتح المعبر، ولن يسمح لفلسطيني بعبوره، وسيلقى الأطباء المتطوعون كل عنت وتجبر وازدراء واحتقار كلما توسلوا السلطات المصرية أن تفتح لهم المعبر لمساعدة زملائهم في غزة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن لا يعجبه فها هي قوات حرس الحدود مسلحة برشاشاتها ومدافعها وفي جاهزية قتالية لكل من تسول له نفسه اختراق المعبر. فهل يمكن لمصر، بهذه المواقف الشريرة، أن تقبل بانعقاد قمة وهي تفكر بنفس منطق اليهود: أقتل المدنيين وشردهم وقطع أوصالهم تنهار حماس ويخلو لكم وجه إسرائيل؟

منذ الأيام الأولى التفّت مصر على القمة المقترحة وعملت على ترحيلها إلى مجلس الأمن الدولي للنظر في عدوان إسرائيل على غزة، واستعجب عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية من مماطلة المجلس في بحث العدوان، واعتقد الناس أن المجلس متآمر وهو كعادته ما انتصر في يوم ما لمظلوم، لكن الذي تغير هو موقف الجامعة نفسه، وعمرو موسى كان أكثر من شجع على تجنب انعقاد القمة، ولكي يتخلص من المشكلة نقلها، على عجل، إلى مجلس الأمن. وكما كان موقف الجامعة مخزيا خلال أزمة الكويت (1991) أيام عصمت عبد المجيد كان موقفها، هذه المرة، إزاء القمة المقترحة أشد إيلاما حين انحازت بشكل سافر للأطروحة الأمريكية تجاه المقاومة. لم ينتظر أحد شيء من الزعماء العرب، لكن أن تنحاز الجامعة إلى الظالمين ومن رجل يوصف بالعروبي فهو معطى جديد بما أن الجامعة مهمتها الجمع بين الفرقاء لا تمزيقهم. فقبل انعقادها بيوم واحد قال موسى للرئيس الفلسطيني: ما فيش قمة عربية بحسب لغة الوزير القطري حمد بن جاسم الذي حاول، عبثا، إقناع محمود عباس بحضورها.

ومع أنها انعقدت بمن حضر، أقل بعضو واحد من النصاب القانوني، فقد لاحظ المراقبون أن هناك جهات ليس لها من عمل إلا تخريب انعقاد القمة بأي ثمن وبأية وسيلة، فكلما اكتمل النصاب أو قارب على ذلك نقص واحد كما يقول أمير قطر. أما لماذا هذا التخريب فببساطة لأن الوضع لا يستدعي انعقاد قمة! ولا ندري ما الذي دفع رئيسي بوليفيا وفنزويلا إلى طرد سفيري إسرائيل من بلادهم. لكن الحقيقة أن المصريين والسعوديين لا يرغبون في اتخاذ أي قرار قبل أن تحقق الحرب أهدافها بهزيمة المقاومة، وحتى المبادرة المصرية لم تكن سوى مبادرة استسلام ولم تكن إنقاذا لغزة ولا بأي معيار، فهي لم تشتمل إلا على أطروحة واحدة تؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم أو هدنة طويلة الأمد وكأنك يا زيد ما غزيت. والسؤال ببساطة: هل يعكس تماسك الموقفين المصري والسعودي تجاه منع انعقاد القمة العربية (16/1/2009) في الدوحة تماسكا مماثلا على جبهة المؤيدين لانعقادها؟

2) لا تشكيلي ولا أبكيلك .. حالي من حالك
لا شك أن بعض التصريحات التي صدرت على وجه الخصوص من الساسة المصريين وشككت في خلفية حضور الكثير من الدول للقمة ووصفها لها بذات المواقف المتاجرة والمزايدة لها ما يبررها ولو أنها قيلت في سياق حق أريد به باطل. إذ أن الموقف المصري ليس طاهرا كي يزايد هو الآخر على غيره.
فالمشاركة الموريتانية مثلا كانت تعبيرا عن احتياجات سياسية فرضتها المعارضة الموريتانية على حكم العسكر الذين حضروا بصيغة مكرها أخاك لا بطل، فقد واجه العسكر معادلة صريحة من المعارضة: طرد السفير الإسرائيلي مقابل الاعتراف بهم حكاما شرعيين في موريتانيا. والمشاركة العراقية كانت عجيبة من نظام سياسي أنشأته ورعته القوات الأمريكية حتى أن نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي حارب المقاومة وتفاخر بكونه أول من أسس الصحوات وأول من دعا لوجود أميركي طويل الأمد في العراق وأول من وقع على الاتفاقية الأمنية ألقى كلمته، في القمة، بحماسة وتلعثم لسانه حتى بدا عقله وقلبه مفتونا بتلبية نداء أمريكا، ولم يعد يدري ما إذا كان حضوره جاء تلبية لنداء غزة أو أمير قطر أو أمريكا، ولا ما إذا كان جالسا جنبا إلى جنب مع عدوه اللدود الرئيس الإيراني أحمدي نجاد صاحب أطول كلمة في القمة!

أما الرئيس الفلسطيني فلم يحضر لأنه تعرض لضغوط بحسب قول الوزير القطري في مؤتمره الصحفي. لكنه لن يحضر لكونه جزء من الحرب على غزة، ولأنه متهم والسلطة بالتواطؤ مع إسرائيل في مهاجمة غزة. ومتهم بامتناعه عن رفع دعوى إلى محكمة لاهاي أو محكمة الجنايات الدولية لإدانة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني. وأركان السلطة بلا استثناء مشغولون فيما ينتظرهم من أدوار بعد محرقة غزة. ونمر حماد لم يتوانى لحظة واحدة عن تحميل حماس مسؤولية الهجوم وكأن المصيبة التي حلت بالشعب الفلسطيني ليست كافية لإدانة إسرائيل بقدر ما هي كافية لإدانة حماس.

وفيما يتعلق بقطر نفسها صاحبة الدعوة للقمة فما كان من عشيق أمريكا في السلطة الفلسطينية صائب عريقات وربيب إسرائيل إلا أن عايرها بإيوائها لقاعدة العديد الأمريكية الكائنة على مقربة من انعقاد القمة. وهو حق أراد به باطل خاصة وأنه كان وما يزال من أشد المتحمسين للقضاء على المقاومة، وأول من طاولت يده السقف في التصويت على إلغاء ميثاق منظمة التحرير في جلسة رام الله الشهيرة. والراجح أن حماسة قطر في الدعوة إلى القمة وانعقادهما ربما يرجع إلى الخدعة التي تلقتها من الأمريكيين والإسرائيليين في عدم ضرب حماس وما سببه لها هذا الموقف من إهانة وحرج أرادت أن تعوض عنهما أدبيا وماديا ببعض المناصرة المالية والسياسية.

وقس على ذلك كثير من المشاركات التي حضرت إما لمصلحة أو لأيديولوجيا أو حفظا لماء الوجه. ولو عرضنا جردة حساب لكان لكل مشارك منهم نصيب. فالغالبية الساحقة من المشاركين إما أنهم حلفاء إستراتيجيون للأمريكيين أو لهم علاقات واسعة النطاق معهم، أو أنهم مرتبطون بمعاهدات سلام مع إسرائيل أو لهم علاقات علنية أو سرية معها، فبأي منطق ينتصرون للمقاومة؟ وضد من؟ أمريكا أم إسرائيل؟ أم كليهما؟ أم غيرهما؟

ومن المثير حقا أن بعض الذين حضروا القمة ممن يوصفون بالقوى الراديكالية كان بإمكانهم فتح جبهاتهم خاصة بعد بشاعة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل والصمود القوي للمقاومة واتساع حجم الإدانة العالمية للعدوان واندفاع الحقوقيين في العالم لمحاكمة قادة إسرائيل كمجرمي حرب. لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا مستقبلا. فلماذا حضروا القمة إذن؟

أخيرا
كل المواقف في هذه الحرب، إذن، كانت واضحة لا لبس فيها، فالموقف الإسرائيلي لم يدخر من نازيته الكثير ليستعملها في مناسبة أخرى، والمقاومة قدمت عروضا في الثبات والنكاية ستحسب قطعا في رصيدها واستراتيجياتها القادمة وحتى في أيديولوجياتها وعقائدها القتالية، والشارع الدولي، خاصة، كان صادقا وواسعا أكثر من الشارع العربي الذي بدا مقموعا وعاجزا وخائفا، والأمم المتحدة، فجأة، خرجت عن صمتها وصار لها صوت، وغدا بان كيمون يشدو على وقع الضربات التي تلقتها مؤسسات منظمته في غزة، والموقفين السعودي والمصري باتا أوضح من الشمس في رابعة النهار، والجامعة العربية انحازت إلى الموقف المصري والعدوان بشكل أو بآخر.

أما مشكلة الفلسطينيين فهم من ورطة إلى أخرى، فإذا اغتصبت أرضهم اتهموهم ببيعها، وإذا قاوموا المحتل وصفوهم بالإرهابيين، وإذا أطلقوا صاروخا قالوا عنهم عبثيين، وإذا فروا من جحيم الحرب لاحقتهم لعنة اللاجئين، وإذا صمدوا سلطوا عليهم آلة القتل والحصار. فلا هم بمحترمين في بلادهم ولا هم بمنآى عن الإذلال خارجها. ولا هم بمرحب بهم منكسرين ولا هم بمرحب بهم مقاومين. تُرى؛ لو قبل الفلسطينيون بأطروحاتهم وأوقفوا المقاومة فهل من ضمانة بألا يتحولوا إلى لاجئين؟ وهل سيفلتوا حينها من الشماتة؟ لا. أما هؤلاء الذين يرفضون المقاومة فما هو البديل الذي يقدمونه للفلسطينيين أو للأمة؟

ويستمر سقوط الأوراق …
__________________
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]