تابع لأصل الأيمان
766 - حدثنا بذلك عمرو بن زرارة أنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس الخبر كالمعاينة قال أبو عبدالله فقد أخبر الله المؤمنين عن القيامة فصدقوا ولم يشكوا فإذا عاينوها كانوا بها أعظم إيمانا ويقينا ولم يكن يدخلهم الشك في دنياهم قبل ذلك ولكن لما عاينوا الأمر عظم في قلوبهم أكثر مما كانوا يصدقون به في الجملة حتى ذهلت عقول الرسل فمن دونهم وأن ذلك لموجود في فطرنا يأتينا الصادق بالخبر بأن حبيب أحدنا قد مات فنصدقه ونستثير منه الحزن ثم نتابع الأخبار عليه فكل ما أخبره مخبر ازداد يقينا وتصديقا من غير شك منه في الخبر الأول فإذا عاينه امتلأ قلبه يقينا بأنه قد مات ثم أثار من قلبه من الحزن ما لم يكن من قبل حتى كأنه كان شاكا في خبر المخبرين فكذلك يزداد العبد بصيرة ويقينا وتصديقا من غير أن يكون دخل في أصل تصديقه شك وعن ذلك يكون الإجلال والهيبة وعن الإجلال والهيبة يزداد خضوعا بالطاعة ومسارعة إلى رضا طلب رضا المولى
-768 - قال ابن وهب وأخبرني إبراهيم بن نشيط عن قيس بن رافع عن عبد الرحمن بن جبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال من اليقين يقين تجاه شديدا صلبا لا يغيره شيء ولا يشركه الشيطان ومن اليقين يقين تجد فيه ضعفا قال أبو عبدالله وقد جامعتنا في هذا المرجئة كلها على أن الإقرار باللسان من الإيمان إلا فرقة من الجهمية كفرت عندنا وعند المرجئة بزعمهم أن الإيمان هو المعرفة فقط بعد شهادة الله على قلوب من سماهم كافرين بأنهم عارفون فضادوا خبر الله وسموا الجاحد بلسانه العارف بقلبه مؤمنا وأقرت المرجئة إلا هذه الفرقة أن الإقرار من الإيمان وليس هو منه عمل القلب وقد تتابعت الأخبار عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سمى الإقرار باللسان إسلاما كما قال الله عز وجل شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام فجعل شهادتهم دين الإسلام وقال لإبراهيم أسلم قال أسلمت لرب العالمين وقال يعقوب لبنيه إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون يعني مخلصين لله بالقلب واللسان خضوعا له بالعبودية وقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ما الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله ولا يمتنع جميع الأمة أن يقولوا للكافر إذا أقر بلسانه فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قد أسلم قبل أن يصلي وقبل أن يصوم فكذلك كل من أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان بدو إسلامه الشهادتين ولا تدافع بين أهل اللغة في أن يسموا كل من شهد بذلك مسلما في وقته ذلك من قبل أن يأتي وقت صلاة ولا صوم فما أقرت المرجئة بأن الإقرار باللسان هو إيمان يكمل به تصديق القلب ولا يتم إلا به ثم بين الله تعالى لنا والرسول صلى الله عليه وسلم أنه أول الإسلام ثبت أن جميع الإسلام من الإيمان فإن يكن شيء من الإسلام ليس من الإيمان فالإقرار الذي هو أول الإسلام ليس من الإيمان فبإيجابهم أن أول الإسلام بجارحة اللسان هو من الإيمان بالله يلزمهم أن يجعلوا كلما بقى من الإسلام من الإيمان بعد ما سمى الله عز وجل والرسول الإقرار باللسان إيمانا ثم شهدت المرجئة أن الإقرار الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما هو إيمان فما بال سائر الإسلام
لا يكون من الإيمان فهو في الأخبار من الإيمان وفي اللغة والمعقول كذلك إذ هو خضوع بالإخلاص إلا أن له أصلا وفرعا فأصله الإقرار بالقلب عن المعرفةوهو الخضوع لله بالعبودية والخضوع له بالربوبية وكذلك خضوع اللسان بالإقرار بالإلهية بالإخلاص له من القلب واللسان أنه واحد لا شريك له ثم فروع هذين الخضوع له بأداء الفرائض كلها ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وما عدا من الفرائض فلم جعلت المرجئة الشهادة إيمانا ولم تجعل جميع ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما إيمانا ولم تجعل جميعه إيمانا وتبدأ بأصله وتتبعه بفروعه وتجعله كله إيمانا قال أبو عبدالله زعم بعض المرجئة أنا إذا قلنا إن الإيمان اسم لجميع الطاعات لزمنا أن نكفر العاصي عند أول معصية يفعلها لأنه إذا كان إنما يسمى إيمانا لاجتماع معاني فمتى ما نقص من تلك المعاني مثقال خردلة زال عنه الاسم وضربوا لذلك مثلا فقالوا ومثل ذلك مثل قول القائل عشرة دراهم فإذا نقص
دانق لم تسم عشرة إلا على النقصان فإن نقص درهم لم تسم عشرة أبدا فقيل لهم إنكم ضربتم المثل على غير أصل وقد غلطتم علينا ولم تفهموا معنانا وذلك أنا نقول إن الإيمان أصل من نقص منه مثقال ذرة زال عنه اسم الإيمان ومن لم ينقص منه لم يزل عنه اسم الإيمان ولكنه يزداد بعده إيمانا إلى إيمانه فإن نقصت الزيادة التي بعد الأصل لم ينقص الأصل الذي هو إقرار بأن الله حق وما قاله صدق لأن النقص من ذلك شك في الله أحق هو أم لا وفي قوله أصدق هو أم كذب ونقص من فروعه وذلك كنخلة قائمة ذات أغصان وورق فكلما قطع منها غصن لم يزل عنها اسم الشجرة وكانت دون ما كانت عليه من الكمال من غير أن ينقلب اسمها إلا أنها شجرة ناقصة من أغصانها وغيرها من النخل من أشكالها أكمل منها لتمامها بسعفها وقد قال الله عز وجل مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء فجعلها مثلا لكلمة الإيمان وجعل لها أصلا وفرعا وثمرا تؤتيه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن معنى هذا المثل من الله عز وجل فوقعوا في شجر البوادي قال ابن عمر
فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة
769 - - حدثنا يحيى أنا إسماعيل بن جعفر عن عبدالله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها فإنها مثل للمسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبدالله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة
770 - - حدثنا أبو قدامة عبيدالله بن سعيد ثنا يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله أخبرني نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروني عن شجرة هي مثل المسلم تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها لا يتحات ورقها قال فرقع في نفسي أنها النخلة فكرهت أن أتكلم وثم أبو بكر وعمر فلما لم يتكلموا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة فلما رجعت مع أبي
قلت يا أبتاه وقعت في نفسي أنها النخلة قال ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إلى من كذا وكذا قلت منعني أن أتكلم إني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت أن أتكلم ولم تكلما
- 771 - حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ثنا حماد بن شعيب عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجمار فقال إن من الشجرة ما بركته كبركة المسلم قال فأردت أن أقول هي النخلة فنظرت فإذا أنا عاشر عشرة وكرهت أن أقول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة
حدثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ثنا أبو عوانة عن
أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمار نخل فقال إن من الشجر شجرة كالرجل المؤمن وأردت أن أقول هي النخلة فنظرت في وجوه القوم فإذا أنا أحدثهم فقال صلى الله عليه وسلم هي النخلة
- 773 - حدثنا محمد بن عبيد حساب ثنا حماد بن زيد ثنا أيوب عن أبي الخليل عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن فجعل القوم يذكرون شجرا من شجر البوادي قال ابن عمر وألقى في نفسي أو روعى أنها النخلة فجعلت أريد أن أقولها فأرى أسنان القوم فأهاب أن أتكلم فلما سكتوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة قال أبو عبدالله ثم فسر النبي صلى الله عليه وسلم بسنته الإيمان إذ فهم عن الله عز وجل مثله فأخبر أن الإيمان ذو شعب أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله فجعل أصله الإقرار
بالقلب واللسان وجعل شعبه الإيمان ثم جعل في غير حديث الأعمال شعبا من الإيمان فاستعجم على المرجيء الفهم فضرب المثل بخلاف ما ضربه الله والرسول وقال مثل عشرة دراهم ليبطل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويجعل قوله هو الحق بخلاف الآثار لأن الذي سمى الإيمان التصديق هو الذي أخبر أن الإيمان ذو شعب فمن لم يسم الأعمال شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم وكما ضرب الله المثل به فقد خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وليس له أن يفرق بين صفات النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان فيؤمن ببعضها ويكفر ببعضها لأنه صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل ما الإيمان قال أن تؤمن بالله إلى آخر القول ثم قال في حديث ابن عباس لوفد عبدالقيس آمركم بالإيمان ثم قال أتدرون ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله فبدأ بأصله والشاهد بلا إله إلا الله هو المصدق المقر بقلبه يشهد بها لله بقلبه ولسانه يبتديء بشهادة قلبه والإقرار به ثم يثني بالشهادة بلسانه والإقرار به كما قال من قال لا إله إلا الله يرجع بها إلى القلب مخلصا يعني مخلصا بالشهادة قلبه ليس كما شهدت المنافقون إذ قالوا نشهد إنك لرسول الله قال الله والله يشهد إنهم لكاذبون فلم يكذب قلوبهم أنه حق في عينه ولكن كذبهم من قولهم فقال والله يعلم إنك لرسوله أي كما قالوا ثم قال والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فكذبهم من قولهم لا أنهم قالوا بألسنتهم باطلا ولا كذبا وكذلك حين أجاب النبي صلى الله عليه وسلم جبريل بقوله الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله لم يرد شهادة باللسان كشهادة المنافقين ولكن أراد شهادة بدؤها من القلب بالتصديق بالله بأنه واحد وليس هذا مما ينقص قوله تؤمن بالله لآنه بدأه بأول الإيمان فقال أن تؤمن بالله ثم تقر بقلبك ولسانك فتشهد له بذلك فابتدأ الإسلام بالشهادة والإيمان بالتصديق وهم مجامعونا أنهما جميعا إيمان لا يفرقون بين الشهادة التي جعل النبي صلى الله عليه وسلم أول الإسلام وبين التصديق الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما فهم يجعلونهما جميعا إيمانا فما بال ما بقي لما سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما لا يكون إيمانا كيف نقصوه فأضافوا بعض الإسلام إلى الإيمان ونفوا باقيه عن الإيمان وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم إسلاما كله ثم أكد ذلك في قوله لوفد عبدالقيس أتدرون ما الإيمان بالله وحده ينبئهم
للفهم عنه ثم قال شهادة أن لا إله إلا الله وما ذكر معها من الإيمان ثم فسر ذلك في حديث أبي هريرة فقال الإيمان بضع وسبعون شعبة فالعجب لمن طلب الحديث منهم أو سمع الآثار وإن لم يطلبها كيف يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الإيمان بصفات ثم يفرق بينها فيؤمن ببعض صفاته ويجحد بعضا وليست التفرقة بالذي يزيل الاسم لأنا قد وجدنا الله والرسول يفرقان الصفة في أشياء ويوجبان على المؤمنين أن يجمعوها لمن سمى بها باسم واحد من ذلك قول الله عز وجل والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ولم يذكر عملا وقال وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ولم يذكر عملا وقال إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم إلى قوله لهم درجات فذكر الوجل وإقام الصلاة والإيمان لله والإنفاق لله والتوكل عليه وأوجب لهم الجنة بذلك
وقال قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى قوله أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون فأوجب لهم الجنة بالأعمال التي ذكرها ولم يذكر في هذه الآية الوجل والتوكل ولم يذكر في الآية التي في الأنفال كل ما ذكر في هذه من الأعمال وقال وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وقال في موضع آخر ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات فعم الأعمال في هذه الآية وقال الله عز وجل والذين كفروا لهم نار جهنم وقال في موضع آخر الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وقال وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وقال الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون فقد علمنا أن الكافرين في النار وإن لم يصدوا عن سبيل الله وقال ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين فالكافر في النار ويزداد عذابا بهذه الأفعال فهذه صفات أهل النار وأعمالهم وتلك صفات أهل الجنة وإن اختلفت فكذلك وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بصفات فكلها صفات الإيمان وإن اختلفت فلو قال قائل لا يدخل الجنة أحد إلا من جمع هذه الأعمال كلها أو قال ليست هذه بأعمال يستحق بها الجنة لأنه قد فرقها فيرجع إلى الأصل يشهد أن من صدق بالله وبصفتها كلها فهو في الجنة فيشهد بالأصل ويدع الفروع لكان رادا على الله قائلا بغير الحق إذا اقتصر على الأصل وألقى الفروع فكذلك من شهد بأن الإيمان هو الأصل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم وألقى سائره فلم يشهد أنه إيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمى الإيمان بالأصل وبالفروع وهو الإقرار والأعمال فسماه في حديث جبريل بالتصديق وسمى الشهادة والقيام بما أسمى من الفرائض إسلاما وسمى فيما قال لوفد عبدالقيس الشهادة وما سمى معها من الفرائض إيمانا ثم فسر ذلك في حديث أبي هريرة فجعل أصل الإيمان الشهادة وسائر الأعمال شعبا ثم اخبر ان الايمان يكمل بعد أصله بالأعمال الصالحة فقال في حديث عائشة وأبي هريرة أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا في الإيمان كأحسنهم خلقا فإنه مساوية في الكمال فقد عاند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب ما شهد به بأحسن المؤمنين خلقا فجعله لأسوأهم خلقا لو كان كما قال لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا لا معنى له وهو أعلم بالله من ذلك ثم حد الإيمان في قلوب أهل النار من المؤمنين فأخبر عن الله عز وجل أنه يقول أخرجوا من في قلبه مثال دينار من إيمان مثقال نصف دينار مثقال شعيرة مثقال ذرة مثقال خردلة فمن زعم أن ما كان في قلوبهم من الإيمان مستويا في الوزن فقد عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بالرد ومن قال الذي في قلبه مثقال ذرة ليس بمؤمن ولا مسلم فقد رد على الله وعلى رسوله إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة فقد حرم الله الجنة على الكافرين وقد جزأ النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من الإيمان بالقلة والكثرة ثم أخبر أن أقلهم إيمانا قد أدخل الجنة
فثبت له بذلك اسم الإيمان فإذا كان أقلهم إيمانا يستحق الاسم والآخرون أكثر منه إيمانا دل ذلك أن له أصلا وفرعا يستحق اسمه من يأتي بأصله ويتأولون في الزيادة بعد أصله فتركوا أن يضربوا النخلة مثلا للإيمان مثلا كما ضربه الله عز وجل ويجعل الإيمان له شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيشهدوا بالأصل وبالفروع ويشهدوا بالزيادة إذا أتى بالأعمال كما أن النخلة فروعها وشعبها أكمل لها وهي مزدادة بعد ما ثبت الأصل شعبا وفرعا فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن بهذه المنزلة فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بالإقرار بالقلب واللسان ويشهدوا له بالزيادة كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعبا للإيمان وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره ممن قام بها فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل وليست العشرة مثل الإيمان لأنه ليس لها أصل إلا كالفرع العاشر درهم والأول درهم فإنما مثل أصلها مثل الفضة والفضة كمثل التصديق فلو كانت نقرة فيها عشرة ثم نقصت حبة لسميت فضة لأن الفضة جامع لاسمها قلت أم كثرت لأنها أصل قائم أبدا ما دام منها شيء وليست
العشرة كذلك ليس أولها بأولى من أن يكون أصلا لها من آخرها لأنها أجزاء متفرقة فكما بدىء بالدرهم الأول بالعدد فيجعل الأول هو العاشر فليس بعضها بأحق بأن يكون أصلا لبعض من الآخر إنما أصلها الفضة
قال أبو عبدالله والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على أن الإيمان والإسلام يفترقان لأنه دل على الإيمان بما دل على الإسلام قال في حديث عمر لجبريل حين سأله عن الإسلام الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وما ذكر مع الشهادتين من الفرائض وقال ابن عمر وجرير بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس ثم قال في حديث ابن عباس لوفد عبدالقيس أتدرون ما الإيمان فذكر الحديث وقال في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون فسمى الإسلام بما سمى به الإيمان وسمى الإيمان بما سمى به الإسلام ومما يزيد ذلك بيانا قوله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه وقال في حديث آخر المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والبوائق لا تكون إلا باللسان واليد فسمى الإيمان بما سمى به الإسلام لأن من أمن جاره بوائقه فقد سلم من لسانه ويده ومن لا يسلم جاره من لسانه ويده لا يأمن بوائقه وقال المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم فمن سلم الناس من لسانه ويده أمنوه على أموالهم وأنفسهم فدل النبي صلى الله عليه وسلم بسنته على أن الإيمان والإسلام لا يفترقان وأن المسلم هو المؤمن فليس لأحد أن يفرق بين اسمين دل النبي صلى الله عليه وسلم عليهما بمعنى واحد يجعلهما معنيين مختلفين ومن فرق بينهما فقد عارض سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالرد إلا أن أحدهما أصل للآخر لا ينفك أحدهما عن الآخر لأن أصل الإيمان هو التصديق وعنه يكون الخضوع فلا يكون مصدقا إلا خاضعا ولا خاضعا إلا مصدقا وعنهما تكون الأعمال التي وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام وتسمى من قام بها بالإيمان والإسلام
- 774 -حدثنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن الصلت عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله كان أمة قانتا قال كان على الإسلام وهو الإيمان بالله ولم يكن في زمانه في قومه أحد على الإسلام غيره فلذلك قال الله عز وجل كان أمة قانتا قال كان مطيعا قال أبو عبدالله ومن أعظم حجج المرجئة التي يقولون بها عند أنفسهم اللغة وذلك أنهم زعموا أن الإيمان لا يعرف في اللغة إلا بالتصديق وزعم بعضهم أن التصديق لا يكون إلا بالقلب وقال بعضهم لا يكون إلا بالقلب واللسان وقد وجدنا العرب في لغتها تسمى كل عمل حققت به عمل القلب واللسان تصديقا فيقول القائل
فلان يصدق فعله قوله يعنون يحقق قوله بفعله ويصدق سريرته علانيته وفلان يكذب فعله قوله وقال الشاعر ... صدق القول بالفعال فإني ... لست أرضى بوصف قال وقيل ...
وقال كثير وهو يمدح عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ... وليت فلم تشتم عليا ولم تخف ... بريئا فأمسى ساخطا كل مجرم ... وقلت فصدقت الذي قلت بالذي ... فعلت فأمسى راضيا كل مسلم ...