المنسيون في سجون الاحتلال
أحمد البديري - القدس المحتلة

دخل إلى مركز التحقيق، فنزعوا ملابسه بالقوة، وضربوه في كافة أنحاء جسده، وكان يصرخ من شدة الضرب؛ حتى فقد السمع في أذنه اليمنى، وانتفخت رجلاه، واستمروا في ضربه على ظهره؛ مما سبّبَ له كسراً في العمود الفقري.
هذا ما حدث مع المعتقل "ثابت عاصي" من بيت "لقيا" الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي من بيته خلال انتفاضة الأقصى.
وعند إحدى النقط العسكرية، عرّوا نصفه العلوي، ووضعوا كيسا على رأسه، وقيّدوا يديه إلى الخلف، ومن ثمّ نقلوه إلى سجن "المسكوبية" في القدس؛ حيث استمر الجنود باستخدام أشد أساليب التعذيب قسوة.
ينضم العاصي إلى 1500 معتقل، بقي منهم رهن الاعتقال900 معتقل، بينما بلغت حالات الاعتقال داخل الخط الأخضر1000، بقي منهم 30 معتقلاً؛ وذلك حسب تقرير لنادي الأسير الفلسطيني، وهناك أعداد كبيرة من المطلوبين للاعتقال، إلا أن تواجدهم في مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية يحول دون اعتقالهم. ويستخدم الجيش الإسرائيلي أسلوب المصيدة أو الكمين على المعابر والشوارع الخارجية؛ لإلقاء القبض على المطاردين الفلسطينيين.
سجنوا الطفولة

وعلى صعيد آخر، اعتقلت قوات الاحتلال العديد من الأطفال القاصرين من الجنسين، ويبلغ عددهم حتى الآن 200 طفل، ويعيش أولئك الأطفال حالة من الرعب والخوف بسبب الاعتداءات المستمرة عليهم من قبل السجناء الجنائيين؛ حيث زُج بأولئك الأطفال مع عصابات المخدرات والقتلة والمغتصبين والمدمنين.
وهذا يشكل تهديداً لحياتهم، خاصة بعد أن قام السجناء الجنائيون بالاعتداء على الأطفال بالشفرات الحادة وتهديد بعضهم بالاغتصاب والتحرش الجنسي. ولكن يستمر الرعب، ليس فقط من قبل
السجناء، بل من السجانين الذين يقومون بتعذيب القاصرين؛ حيث أجبر المحققون الأطفال على الاعتراف بالمشاركة بفعاليات الانتفاضة تحت ضغط التعذيب.
ويوجد العديد من الحالات منها "بلال عويضة" (15عامًا)، وشقيقه "موسى" (14 عامًا) من سكان القدس اللذان تعرضا لتعذيب وحشي في سجن المسكوبية؛ أدى إلى نقل بلال إلى المستشفى.. وكذلك "ناصر زيد" من سكان مخيم "الجلزون" الذي سُجن في زنزانة انفرادية مقيد اليدين والقدمين. وكذلك الطفل "محمد زغلول" من "حوسان"؛ حيث تعرّض لتعذيب شديد في معتقل "عتصيون"، عندما وُضع في برميل من الماء البارد، فأصيب بتشنجات وفقدان الوعي، ونُقل إلى المستشفى إثر ذلك.
وقد وجّه الأطفال في سجن "تلموند" رسالة إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، منها ما يلي: "نحن أطفال فلسطين الأسرى؛ حيث رفعت حكومة إسرائيل عنا الحماية التي تكفلها لنا اتفاقية حماية حقوق الطفل، وكافة الحقوق المنصوص عليها في الشرائع والاتفاقيات الدولية، والتي أجمع عليها المجتمع الدولي ومبادئ حقوق الإنسان؛ حيث وصلت الهجمة الوحشية التي تشنها حكومة إسرائيل على شعبنا منذ ستة أشهر إلى شن حرب إبادية وقمعية بحق الأطفال؛ لتعتقل ما يزيد على مائتي طفل معظمهم من التلاميذ، وهذا غير الفئات من الأطفال الذين قُتلوا بالرصاص والصواريخ الإسرائيلية...
إن هذه المرحلة الصعبة المليئة بالوجع والجروح الجسدية والنفسية تنتهي بزجنا في أقسام وسجون مختلطة مع سجناء جنائيين يعتدون علينا بالضرب وبالشفرات، ويستولون على حاجياتنا وملابسنا وطعامنا، ويحولون حياتنا إلى رعب وخوف دائمين؛ لتزداد معاناتنا، في محاولة لكسر طفولتنا، وتشويه نفوسنا، وتحطيم شخصيتنا؛ مما لا يقبله العدل الإنساني وقوانينكم التي تُحرّم استخدام هذه الوسائل المعبرة عن إرهاب دولة".
وعن تعذيب القاصرين يقول "عيسى قراقع" مدير نادي الأسير: "إن حملات الاعتقال ضد الأطفال لا تزال متواصلة ويومية؛ حيث اعتقل من حوسان وحدها ما يقارب 40 طفلاً خلال المدة الأخيرة، لقد توجهنا برسائل عديدة إلى مختلف المؤسسات والجمعيات الحقوقية، من أجل التدخل لإنقاذ الأطفال. وإني أشعر بقلق بالغ لما يجري بحق الصغار من ممارسات تعسفية وخطيرة".
التعذيب لا ينتهي

يتعرض المعتقلون الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية لشتى أشكال التعذيب والتنكيل المحرمة دولياً منها: "السحل"، والحرمان من النوم، والاعتداء بالضرب، والتهديد بالاغتصاب، والعزل، والتعذيب النفسي، وغير ذلك.
وعلى سبيل المثال تعرض "أيمن العجولي" و"يونس الأطرش" من سكان الخليل إلى "سحل" متواصل، وسكب الماء المثلج على رؤوسهما، ووضع كيس ذي رائحة عفنة على الرأس، وإجبارهما على الجلوس على كرسي صغير مقيدي الأرجل والأيدي، وهذا ما تعرض له "محمد أبو آيا" من
حوسان و"محمد الخياط" من سلوان، وأيضا "خليل أسعد" (65 عاماً) تعرض للتعذيب؛ حيث "سُحل" على كرسي مثبت على الأرض وموثوق اليدين والرجلين، وتم إدخاله إلى غرفة العملاء.
وفي الوقت الذي اتخذت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قرار حظر التعذيب بحق الفلسطينيين؛ فإن جهاز الشاباك العام – وبدعم من الحكومة الإسرائيلية – رفضوا هذا القرار بحجة "مكافحة الإرهاب"، وتحت شعار: "المعتقل الفلسطيني قنبلة موقوتة"، وبالتالي تم السماح للشاباك بالتعذيب تحت ادعاء "تمديد حالة الطوارئ".
هذا ويعاني السجناء من حالة صحية صعبة، خاصة بعد تفشي أمراض عديدة نتيجة نقص الأدوية ومواد التنظيف؛ ففي سجن "مجدو" يعاني السجناء من تفشي مرض "إسكابيوس" الجلدي، وتزداد معاناة السجناء الموجودين في الخيام.
الجهاز القضائي أداة قمعية
عمل الجهاز القضائي الإسرائيلي خلال الانتفاضة كأداة لردع والعقاب الصارم ضد المعتقلين الفلسطينيين؛ حيث خلت المحاكم العسكرية الإسرائيلية من تطبيق الإجراءات القانونية العادلة؛ حيث كانت الأحكام قاسية والغرامات مكلفة، خاصة فيما يتعلق بالأطفال راشقي الحجارة. ومختلف القوانين في العالم تستثني الأطفال من العقوبات القاسية؛ وذلك لعدم نموهم النفسي والوجداني والعقلي عند ارتكابهم للمخالفات، ولكن إسرائيل تستثني الطفل الفلسطيني من ذلك الحق.
وعلى العكس من ذلك؛ فإن القضاء الإسرائيلي يعطي أحكاما مخففة على القتلة الإسرائيليين، مثل: "ناحوم كورمان" قاتل الطفل "حلمي شوشة".
الشاباك.. عصابات الأمن
وعلى صعيد آخر، قامت إسرائيل بتصفية عدد من المواطنين الفلسطينيين بعد إلقاء القبض عليهم، كما حدث مع حالة الشهيد "محمود المغربي" و"أسعد قواسمة"، وإصابة بعضهم بعد اعتقالهم، كما حدث مع "إسماعيل يوسف"؛ حيث أصيب بعيار ناري في ركبته اليمنى، ووضع في مركز "عتصيون" دون تقديم علاج له.
وارتفع عدد المعتقلين إداريا دون تقديمهم للمحاكمة ليبلغ 16 أسيرا إداريا، ويقوم الجيش أثناء عمليات الاعتقال بمداهمة المنازل بوحشية وتفتيش البيوت دون مراعاة لحرمتها، واستخدام الكلاب البوليسية، والاعتداء على ذوي المعتقل، وتقوم قوات الاحتلال بنصب كمائن عسكرية على الطرقات كوسيلة من وسائل اعتقال المطلوبين. ويقوم الشاباك مؤخراً باختطاف المواطنين من خلال وحدات خاصة من منازلهم، وأثناء سفرهم، أو على الحواجز دون معرفة ذويهم؛ مما يشكل خطراً على حياتهم؛ حيث يمكن تصفية المعتقل دون معرفة أحد بذلك.
وقد تم اعتقال مرضى وجرحى، منهم "جهاد قصقص"، وهو مريض عقلياً، وكذلك "محمد قطوش" الذي اعتقل من داخل مستشفى "جمعية تأهيل المعاقين" في بيت جالا؛ حيث يُعالج من جروح أصيب بها، وكذلك يتم اعتقال العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل؛ حيث بلغ عدد المعتقلين منهم حوالي 250 عاملاً، بحجة عدم توافر التصاريح اللازمة.
وفي الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل حصارا على الشعب الفلسطيني - مما يحول دون زيارة الأهالي للسجناء، ويؤثر سلبياً على الفئتين، ويزيد الأمر سوءاً - يُمنع المحامون والمؤسسات المعنية أحيانا من زيارة الأسرى؛ مما يزيد من قلق أهالي الأسرى.
إهدار حقوق الإنسان

وقد عبرت العديد من هيئات وجمعيات حقوق الإنسان عن قلقها من أساليب التعذيب التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية بحق السجناء الفلسطينيين.
وقامت محاميتان لمؤسسة "منديلا"، وهما "بثينة دقماق" و"ليلى توتنجي" بزيارة عشرة من المعتقلين الذين يعانون من أوضاع صعبة داخل السجون، خاصة من الناحية الصحية؛ حيث يتم الفحص الطبي من خلال حاجز زجاجي يفصل بين الطبيب والمعتقلين.
وورد في تقرير لـ "منديلا"، بعد زيارة المحاميتين، اسم السجين "حاتم البصة" من سكان "العيزرية" الذي يعاني من تصلب الشرايين، ولا تقوم إدارة السجون برعايته صحياً؛ وهو ما يؤثر على حياته، وذكر التقرير أيضاً اسم السجين "محمد بشارات" الذي مكث ثلاثة أشهر في مستشفى الرملة دون إجراء الفحوص الطبية اللازمة، والذي فَقَد ثلاثين كيلو جراما من وزنه، وذلك لتقيئه المستمر.
الأسرى المنسيون
منذ بداية انتفاضة الأقصى والسجناء في تزايد، ولو أضفنا لهم السجناء من فترة الانتفاضة الأولى وما قبلها وما بعدها سنصل إلى حصيلة 2170 يتوزعون على 18 معتقلا ومركز توقيف. ولا بد من الإشارة إلى أن الوضع النفسي لهؤلاء الأسرى سيئ للغاية بسبب عدم ذكر قضيتهم خلال "مفاوضات شرم الشيخ" وغيرها من الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، وذلك يظهر جليا من خلال بعض الرسائل التي تصل إلى أهالي السجناء؛ وهو الذي يدل على حالة الإحباط التي يعيشها أولئك الأبطال في أبشع سجون العالم.