عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-04-2009, 07:02 PM
العربي الساهر العربي الساهر غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
مكان الإقامة: عـــــ الحبيبة وعروسة البحار ــــــدن
الجنس :
المشاركات: 297
افتراضي

أحــلام أسير أضناه الشوق

الجزء الرابع

أحــلام أسير أضناه الشوق..!
إسراء صبّـاح


لربما كانت بيضـاء، تنساب شعيراتها الصغيرة بنعومة فوق جبينها كي لا تخدش الطفولة المتفجرة فيه.. بعينين بلون الربيـع كعيني والدتها، متسعة عميقة وغامضـة كما البحر.. كانتا أول ما رأى منها وعشق.. وآخر ما تبقى في ذاكرته الضئيلة قبل الفراق..


ولمَ لا تكون سمراء فيها مسحة منه، وبسماته التي لم تفارق محيــاه إلا منذ تلك اللحظة التي أذابت كل ما كـان.. وأبقت بصمة قوية مؤلمـة في خاصرته ووجهه وكل ما يمكن أن يدله هو نفسه على معالمـه وذاته..!


يرقب الزاوية الوحيدة التي أتيحت له ليعطي لعينيه مدى من فراغ وضيـق! يرخي رأسه إلى الحائط القذر خلفـه، يتأمل عالمـا كان بين يديه وضـاع.. مخلفــا ،وراءه ، دمعته الأولـى والتي، حتى الآن، لم تجـف..! كانت قد حفرت في وجهه حفرا من دم قاني لا تمحـي..


" لا.. لا! ستكون ولا شك نسخة عن أمهـا، فأنا ما عاد لي ملامـح! ولا طبـاع.. أكاد أنسـى كينونتي!"


يغمض عينيه كمحاولة لنفض سواد الأفكار عن مخيلته، يمد يده قدر استطاعته، أو قدر ضيق المكـان! يحاول تحسس وجه الصغيرة التي تتطلع حولهـا باحثة عن ظل له، أو حتى طيـف..! لكنها لا تجده.. وهو لا يمسهـا..!


آه ما أصعبها تلك الأحـلام التي تمزق في الإنسـان ذاته المتهشمـة بعد مجرد أشهر بُعد في زوايا الظلمـة الأبديـة، لم يعد يذكر متى كانت آخر مرة مست أشعة الشمس جسده، ولا متى حتى تم اعتقـاله..


يفتح عينيه فلا يكاد يلتقط من حلكة الظلمة سوى تلك الزاوية التي غدت، مذ أصبح في تلك الزنزانة، رفيقته ومؤنسة وحشته..! لتفتح له، رغم ضيقهـا، أبوابا لا تغلق من الذكريـات والآمـال التي، ما زال، لا يحيى إلا باستشاقه عبقها ولو كان علقمـا!
تدور أشرطة الماضي وتتوقف عند تلك الفرحة التي انتظرهـا، حين أخبرته زوجته أنها ،أخيرا ، بعد طول انتظـار، ستنير له حياته بطفل..


كان شتاء قاسيا حين هجمت عواصف الاحتلال على البيت بيته، كانت يده فوق بطنها تتحس الجنين الذي يكبر، لا يمكن أن ينسى كيف قذفوا الباب بأقدامهم القذرة دون مراعاة لحرمات المنازل، اجتثوه من بيته، من عيني زوجته، ومن كلمة اشتاق سماعهـا.." بابا"..!


" ماذا تراها سمتها؟ كانت تريد أن تسميها بيسان، وكنت أريد أن أسميها ليلـى..!"


تتكوم أسئلة ضبابية في دماغه وتتبعثر تاركة حالة من الفوضى في أفكاره وتخيلاته، يضم ما تبقى من ساقيه إليه بساعديه، ويهبط برأسه الهائم الذي أحس أنه بحجم الدنيـا، وتبدأ عيناه ببث عبرات، هي ذاتها عبرات زوجته التي انهمرت خوفا من مستقبل مجهول المعالم، وطمأنها هو، وقتها، بأن الفرج أقرب من موعد ولادتها..! والآن يتمنى لو كانت بجواره تضع يدها على جبينه، وتقرأ بحنـان آيات من القرآن، تثلج صدره المشتاق وتزيح عنه ثقل هواء الزنزانة..


" هل كانت ستعرفني لو رأتني مرة..؟! بل هل سأعرف نفسي لو رأيتها بمرآة..؟ "


يهز رأسه يمنة ويسرة بإرهـاق، يرفعه بتضرع طالبا من ربه عونا ولطفـا، يغمض عينيه بحسرة وألـم، يضع يده على صدره بسكون، يتحسس نبض قلبه، كما كانت تفعل أمه حين كان يشاكسها صغيرا، ويقول.." لا زلت على قيد الأمـل "!
__________________
أطيــ المجد ـاف
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.55 كيلو بايت... تم توفير 0.64 كيلو بايت...بمعدل (3.94%)]