عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 05-05-2009, 10:57 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفجر الجديد قصة وعبرة

حولنا فقفزت مسرعاً لأغلق زجاج الأبواب وأقفلها بإحكام فقد قفزت تلك الذئاب على السيارة وأخذت تطرق الزجاج وتعوي وعيونها تتلألأ في هذه الظلمة فما عدت أحتمل ذلك فأغلقت عيني وكان قلبي يخفق ويضرب بسرعة كبيرة كذلك كان أخي أبو فهد ...
وفجأة وجدتني أقرأ المعوذات وأبكي أقرأ وأبكي وأدعو الله وأتضرع إليه أن ينْجينا مما نحن فيه وهكذا فعل أخي أبو فهد فكنا ندعو ونبتهل إلى الله في خشوع ورهبة ما شعرنا بها من قبل فقرأت آية الكرسي وطلبت من أخي أن يرددها خلفي فلم يكن يحفظها وظللنا على هذه الحال فشعرنا بعده بطمأنينة وخشوع حمدنا الله على ذلك كثيراً وبلا شعور منا غططنا في نوم عميق .

عندما فتحت عيني .. لم أصدق ما أرى إنني حي .. إنني حي ..
-أبو فهد استيقظ .. هيا استيقظ ..
-آه أبو يوسف .. ماذا حدث ؟

-نحن أحيا يا أبا فهد .. نحن أحياء ..
- حقا يا أبا يوسف نحن أحياء .. الحمد لله .. الحمد لله ..

- كانت ليلة عصيبة يا أخي " أبا فهد " ..
- حقاً يا أبا يوسف كانت ليلة عصيبة .. صحيح يا أبا يوسف .. ماذا .. ماذا جرى لأبي سالم ..
- حقاً تعال لنبحث عنه ..
عندما فتحنا الباب رأينا آثار أقدام الذئاب .. ولما وصلنا إلى مؤخرة السيارة ..
-يا إلهي لا أكاد أصدق ما أرى .. دم .. دم أبا فهد لا أستطيع أن أرى شيئاً لنذهب بسرعة أرجوك .
بكينا كثيراً على أخينا أبي سالم فقد انتثرت دماؤه في كل مكان كانت بقع الدم عالقة بمؤخرة السيارة .. كأنه يحاول أن يتمسك بها يريد أي شيء يساعده .

أبو يوسف : أبا فهد هيا نصلي الفجر . قبل أن تطلع الشمس ، كبرت وصليت يا أخي صلاة ملؤها الخشوع والخضوع .. صلينا وكأننا لأول مرة نصلي .. إن لهذه الصلاة لحلاوة لا أستطيع وصفها وعندما انتهينا من الصلاة .. التفت إلى أخي أبي فهد ..
فقلت : أراد الله بنا خيراً بهذا الموقف الذي حدث ليلة البارحة فهذا الموقف عرفنا الله ، فهو وحده سبحانه كاشف الضر ونرجوا من الله أن يقبل توبتنا ..
ابتسم وقال : إن شاء الله .
صمت برهة ثم قال : استقلينا السيارة وحددنا أن يكون اتجاهنا إلى الشرق .. وليفعل الله ما يشاء بنا ، توكلنا على الله فبدأنا البحث وكنا في السيارة نتلو بعض السور والآيات ونتحدث عن تلك اللذة التي شعرنا بها ونحن نصلي ونناجي الله .. ونترحم على أخينا أبي سالم ..
أبو فهد : انظر لقد أوشك الوقود على الانتهاء .
أبو يوسف : لا عليك فمعنا جالونان من الوقود ، هيا لتعبئة السيارة ..

وعندما انتهينا من التعبئة بحثنا عن شيء نأكله فلم نجد سوى قنينة من الماء لا تكفي لغير يوم واحد فاكتفينا ببضع لقيمات من الخبز وقليل من الماء لنرطب بها شفاهنا وحلوقنا فلم تكن الكمية كافية لنرتوي بها فأمامنا طريق لا نعلم متى ينتهي وبذلك يجب أن نقتصد في الماء وعندما استوت الشمس في كبد السماء كان البحث قد أعيانا وبدأ الوقود ينضب نزلنا من السيارة لنصلي الظهر وندعوا الله أن يفك كربنا بعد ذلك واصلنا سيرنا وما هي إلا دقائق وتتوقف السيارة .
أبو يوسف : أبا فهد لم يبق سوى جالون وما عساه أن يفعل .
ابتسم ابتسامة الرضا وقال : الله معنا فما مصير قوم الله معهم .. لنقم بالتعبئة ونواصل سيرنا ..
عندما انتهينا قلت لأبي فهد : هذه فرصتنا الأخيرة وإلا فالموت مصيرنا إذا لم نصل إلى شيء ..
قال : لنستسلم إذن للموت ولنحمد الله الذي لم يقبضنا إليه ونحن في ضلالة .. ولنحمده أيضاً على هدايته لنا ، وندعوه أن يتوب علينا ويغفر لنا ما كان منا وبدأنا نشق طريقنا في هذه القفار كأننا في عالم آخر ..
السكون يخيم على المكان ولا نسمع غير صوت الرياح التي تحرك تلك الشجيرات الشوكية المتباعدة يخالطها صوت محرك السيارة ..
أبو يوسف : أبا فهد .. توقفت السيارة .
نظر إليَّ وقد دمعت عيناه .. وقال بصوت كئيب : لنتشهد .
سكتنا وكأننا ننتظر ملك الموت ليقبض أرواحنا .. لا طعام .. الماء أوشك على النفاذ .. وعسى أن يكفينا ليوم غد .. قاربت الشمس من المغيب .. ونحن لا زلنا في صمتنا .. لا ندري ماذا سيفعل الله بنا .
صلينا المغرب وأخذنا نذكر الله .. صعدنا بعدها إلى السيارة .. فقد خيم ظلام دامس على المنطقة ..
سمعنا عواء الذئاب .. تقترب منا رويداً رويداً .. مع ذلك لم نكترث .. فالموت مصيرنا .. سواء بين فكي هذه الذئاب .. أو من الجوع والعطش .
قلت لصاحبي أبي فهد : أتظن أن الموت جوعاً وعطشاً أهون من فكي هذه الذئاب ؟
قال : لا أظن ذلك .. فالجوع والعطش أشد لأنك لا تموت بسرعة .. فمن الممكن أن تظل بضعة أيام تكابد الموت .. وكأنك تموت ألف مرة ..
أما الذئاب فتموت بسرعة بين فكيها .. ولا يضرك بعد الموت أن تمزقك الذئاب .
قلت له : إذن فلنصل العشاء خارج السيارة ..
قال لي : وبذلك نكون قد أقدمنا على الموت بأنفسنا .. فيحل بنا غضب الله ، ولولا ذلك لنزلت الآن .
قلت له : إذن لننتظر قضاء الله وقدره ..

وبعد الصلاة نمنا ونحن نظن أننا لن نستيقظ .. فبطوننا خاوية من الطعام والشراب .. والخمول والتعب قد هدنا ..
وفي الصباح أيقظتنا أشعة الشمس اللاذعة فقمنا نصلي ونحن لا نقوى على الوقوف ..
جلسنا بعدها في السيارة لنتقي أشعة الشمس وننتظر أجلنا ..
وأظن أن أبا فهد قد أضرته الشمس كثيراً حيث إنه استلقى على ظهره لا يستطيع الحراك .. فقمت فسقيته من الماء .. فنام والتأوهات تبدد الصمت .. وظللت أنظر إليه وقلبي يتقطع حزناً على ما أصابه .. أفاق مرة أخرى وهو يردد : أريد ماء .. شربة ماء ..
أعطيته كل ما تبقى من الماء .. فهدأ وراح في سبات عميق ..
عندما رأيت حالته ألقيت بنفسي وقلت هكذا سأنتظر الموت فأنا أيضاً أشد ما أكون عليه من العطش .. والنوم أحسن وسيلة كي لا أشعر بالعطش .. ألقيت عليه نظرة .. ظننتها الأخيرة .. فلست أعتقد أنني سأستيقظ بعدها .. ثم أويت إلى النوم ....

(9)

كانت الشمس قد انتصفت .. نهضت لأصلي الظهر فلم أستطع الوقوف فصليت جالساً .. أبقظت أبا فهد فصلى على حاله .. فهو لا يقوى حتى على حمدل يده ..
ولما انتهى أخذ يستغفر الله ونزلت منه دمعة ..
قلت له : ما يبكيك ؟
قال : أدعو الله .. أن .. يغفر لي .. خرجت منه هذه الكلمات بصعوبة .
بكيت لحاله ودعوت الله أن يغفر لي وله ....
أطبق عينيه ونام .. ورجعت إلى وضعي السابق .. فليس أمامي سوى ذلك ..
وبعد ساعة قمت من نومي فزعاً على صوت أخي أبي فهد يتألم بشدة ويتصبب عرقاً ويردد : ماء .. أريد ماء ..
جلست بجانبه ووضعت رأسه على حجري وقلت له في حزن عميق : يا أخي ليس ثمة ماء .. لقد نفد كله ..
ظل يتأوه بين يدي .. فبكيت على حاله بكاء مراً ..
فما هي إلا دقائق حتى بدأ يصدر أصواتاً غريبة .
قلت في نفسي : أظنها سكرات الموت ..
فقلت له وأنا أبكي : قل : لا إله إلا الله .
رددتها عليه عدة مرات حتى قالها .. ففاضت روحه إلى بارئها بين يدي .. ضممته إلى صدري .. وظللت أبكي وأبكي ، ثم جلست أذكر الله وأحمده أن هيأ لأخي أن ينطق بالشهادة قبل أن يتوفى ..
وضعته في مكانه .. وأخذت أفكر ماذا أفعل به يا ترى .. كيف أدفنه ؟
ولا أدري كيف خطر على بالي في تلك اللحظات أبو سالم كيف أنه مات بين الذئاب وأنه مات على ضلاله ، وكيف كانت خاتمته سيئة .. ومصيره إن لم يرحمه الله .. فدعوت الله أن يغفر له ويرحمه ..
وجاء في خاطري حال أخي أبي فهد وكيف أن الله قد رحمه بأن اهتدى وتاب .. وكيف أنه نطق بالشهادة قبل وفاته .. فسألت الله أن يحسن خاتمتي ويغفر لأخوي ..
عاهدت الله بعد أن رأيت كل هذا .. عاهدته أن ألتزم بكل ما أمرني به سبحانه وأن أدعو الناس إليه وأدلهم وأرشدهم إلى كل ما ينفعهم في الدنيا والآخرة .. وأن أبدأ بنفسي أولاً ..
تذكرت أخي أبا فهد رحمه الله ،
فقلت : كيف أستطيع دفنه .. فأنا لا أعرف ذلك بالإضافة إلى أنه ليس معي ما أحفر به ..
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]