عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 05-05-2009, 10:36 PM
الصورة الرمزية عنان السماء
عنان السماء عنان السماء غير متصل
مراقبة قسم القصص والغرائب والصور
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
مكان الإقامة: ،، فى قلب الدنيا ،،
الجنس :
المشاركات: 3,842
افتراضي رد: الطريق إلى حسن التبعل وسعادة الزوجين ...

(3 / 1)

سحر العيون:
للشُّعراء في آثار العُيون آثار، لو قصَد أحدٌ لِجمعها في سِفر واحد، لاتَّصل في ذلك عنده اللَّيل والنَّهار.

يروي المحبي في "نفحة الريحانة" قول محمد جمال الدين بن عبدالله الطبرى:

أَسِيرُ العُيُونِ الدُّعْجِ لَيْسَ لَهُ فَكُّ لأَنَّ سُيُوفَ اللَّحْظِ مِنْ شَأْنِهَا السَّفْكُ


ويقول جرير:
إِنَّ العُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حَوَرٌ قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لا حِرَاكَ بِهِ وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانَا


ومعنى كلِمة "حَوَر" كما في "القاموس المحيط": "أن يَشتَدَّ بياضُ بياضِ العَيْنِ وسَوادُ سَوادِها، وتَسْتَديرَ حَدَقَتُها، وتَرِقَّ جُفونُها، ويَبْيَضَّ ما حَوالَيْها، أو شدَّةُ بياضِها وسوادِها، في بَياضِ الجَسَدِ، أو اسْوِدادُ العَيْنِ كُلِّها مِثْلَ الظِّباءِ، ولا يكونُ في بني آدمَ، بل يُسْتَعَارُ لها". انتهى.

وإذا كان اللقاء بين الزَّوجين قد حصل وتمَّ الزَّواج بعد الاطمِئْنان، فإنَّ ذلك يعني أنَّ كليْهِما قد أُعْجِب بالآخر إعجابًا يكفي لاتخاذ قرار الصُّحبة المؤبَّدة، فما الذي يَجري بعد ذلك؟! ولماذا يتوارى سحر العيون وخفَّة الظل خلف سحب كثيفة من هموم الحياة ومتاعبها؟!

لقد وصَّت الأم ابنتَها فقالت: "يا بنية، احْملي عني عشر خصال، تكن لك ذخرًا وذكرًا: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السَّمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عينه، والتفقُّد لموضع أنفِه، فلا تقع عينُه منك على قبيح، ولا يشَم منك إلا أطيب ريح؛ والكحل أحسن الحُسن، والماء أطْيب الطيب المفقود".

والحق أنَّ هذه الوصية قد ذاع صِيتُها، ولكنَّها تُنْقل - غالبًا - مبتورةً عمَّا جاء به سياقُها، وهأنذا أنقل قصَّتها كما وردت في "العِقْد الفريد" لابن عبد ربه (2/432) مع بعض الاختزال في بعض الأوْصاف.

يقول:
"كان عمرو بن حجْر ملك كندة، وهو جد امرئ القيس، أراد أن يتزوَّج ابنة عوف من محلم الشيباني الذي يقال فيه: لا حرَّ بوادي عوف؛ لإفراط عزِّه، وهي أم إياس، وكانت ذات جمال وكمال، فوجَّه إليْها امرأة يقال لها: عصام، ذات عقل وبيان وأدب، لتنظر إليها، وتمتحن ما بلغه عنْها، فدخلت على أمِّها أمامة بنت الحارث، فأعلمَتْها ما قدمت له، فأرسلت إلى ابنتها: أي بنيَّة، هذه خالتُك، أتت إليْك لتنظُر إلى بعض شأنك، فلا تستُري عنها شيئًا أرادت النظر إليه من وجه وخلق، وناطقيها فيما استنطقتْكِ فيه، فدخلت عصام عليْها، فنظرت إلى ما لم تر عينُها مثله قط، بهجةً وحسنًا وجمالاً، فإذا هي أكْمل النَّاس عقلاً، وأفْصحهم لسانًا، فخرجت من عندها وهي تقول: "ترك الخداع مَن كشف القِناع"، فذهبت مثلاً.


ثمَّ أقبلت إلى الحارث، فقال لها: "ما وراءك يا عصام؟" فأرسلها مثلاً، قالت: "صرَّح المخض عن الزبدة"، فذهبت مثلاً، قال: أخْبريني، قالت: أخبرك صدقًا وحقًّا، رأيت جبهةً كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالِك كأذناب الخيل المضفورة، إنْ أرسلته خِلْتَه السلاسل، وإن مشطته قلت: عناقيد كَرْمٍ جلاَّه الوابل، ومع ذلك حاجبان كأنَّهما خُطَّا بقلم، أو سُوِّدا بحمم، قد تقوَّسا على مثل عين العبهرة (العَبْهَرَةُ: الرقيقةُ البشرة الناصعةُ البياض، وقيل: هي التي جمعت الحُسْنَ والجسم والخُلُق) التي لم يَرُعْها قانص ولم يَذْعَرْها قسورة (أسد)، بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يخنس به قِصَر، ولم يُمعن به طول، حفَّت به وجنتان كالأرجوان (الشديد الحُمْرَة)، في بياض محض كالجمان (اللؤلؤ)، شقَّ فيه فمٌ كالخاتم، لذيذ المبتسَم، فيه ثنايا غُرّ، ذوات أشر (الأُشُرُ: حِدَّةٌ ورِقَّةٌ في أطرافِ الأسنانِ، ومنه قيل: ثَغْرٌ مُؤَشَّرٌ. وإنما يكون ذلك في أسنانِ الأحداثِ؛ "تاج العروس"، أشر)، وأسنان تعدُّ كالدر ... وقد تربَّع في صدرها حقَّان كأنَّهما رمَّانتان، من تحت ذلك بطن طوي كطي القباطي المدمجة (القُباطي: ثِيَابٌ رِقَاقٌ غيرُ صَفِيقَةِ النَّسْجِ ) ، فأمَّا سوى ذلك فتركتُ أن أصِفَه، غير أنَّه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر".

ويقول الميداني في "مجمع الأمثال" (1/312):
"فأرْسل الملك إلى أَبيها فخَطَبها، فزوَّجها إيَّاه وبعث بصداقها، فجُهِّزت، فلمَّا أراد أن يحملوها إلى زوْجِها، قالت لها أمُّها:
أي بنيَّة! إنَّ الوصيَّة لو تُرِكَتْ لفضل أدبٍ تُرِكَت لذلك منك؛ ولكنَّها تذْكِرة للغافِل، ومعونة للعاقل، ولو أنَّ امرأةً استَغْنت عن الزَّوج لغنى أبوَيْها وشدَّة حاجتِهِما إليْها، كنْتِ أغْنى النَّاس عنْه، ولكنَّ النِّساء للرِّجال خُلِقْن، ولهنَّ خلق الرِّجال، أي بنيَّة، إنَّك فارقت الجوَّ الَّذي منه خرجْتِ وخلَّفت العشَّ الَّذي فيه درجْتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لَم تأْلفيه، فأصبح بِملكه عليك رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكُنْ لك عبدًا وشيكًا، يا بنيَّة، احملي عنِّي عشْر خِصال، تكن لك ذخرًا وذكرًا: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بِحسن السمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عيْنِه، والتفقُّد لموضع أنفِه، فلا تقع عيْنُه منك على قبيح، ولا يشَمَّ منك إلا أطْيَب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطْيب الطيب المفقود، والتعهُّد لوقْتِ طعامِه، والهدوء عنه عند منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، والاحتِفاظ ببيتِه وماله، والإرْعاء على نفْسِه وحشمه وعياله؛ فإنَّ الاحتفاظ بالمال حسن التَّقرير، والإرْعاء على العيال والحشَم جميل حسن التدبير، ولا تفشي له سرًّا، ولا تَعْصي له أمرًا؛ فإنَّك إنْ أَفْشيتِ سرَّه لم تأْمني غدْره، وإن عصيتِ أَمْرَه، أوْغَرت صدْره، ثُمَّ اتَّقي مع ذلك الفرحَ إن كان ترحًا، والاكتِئاب عنده إن كان فرحًا؛ فإن الخصلة الأولى من التَّقصير، والثانية من التَّكدير، وكوني أشدَّ ما تكونين له إعْظامًا، يكن أشدَّ ما يكون لك إكْرامًا، وأشدَّ ما تكونين له موافقة، يكُن أطولَ ما تكونين له مرافقة، واعلمي أنَّك لا تصلين إلى ما تُحبِّين حتَّى تُؤْثِري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببتِ وكرهت، والله يخير لك.

فحُمِلتْ فسُلِّمتْ إليْه فعظمَ موقعها منه، وولدتْ له الملوك السبعة الذين ملكوا بعده اليمن". انتهى.

فسبحان ربِّي العظيم الَّذي رزق هذه المرأة هذا البيان العجيب!

ويروي الأصبهاني في "الأغاني" (5/317): أنَّ أبا الأسود الدؤلي تحدَّث لابنتِه ليلة بناء زوْجِها بها، فقال:
"أي بنيَّة، النِّساءُ كنَّ بوصيَّتك وتأديبك أحقَّ مني، ولكن لا بدَّ مما لا بدَّ منه، يا بنيَّة، إنَّ أطيب الطيب الماء، وأحسن الحُسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكُحْل، يا بنيَّة، لا تُكْثِري مباشرةَ زوْجِك فيملَّك، ولا تَباعدي عنه فيجفوك ويعتلَّ عليك، وكوني كما قلت لأمِّك:

خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي وَلا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ

انتهى.

والعفو هنا معناه: ما تَجود به النَّفس واليد عن طِيب خاطر، ولعلَّ هذا المعنى مأْخوذٌ من القرآن العظيم، في قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219]، ومعنى سَوْرتي: شدَّة غضبي.

وأكاد أقولُ هنا: لو فقِه جُلُّ النِّساء وصيَّة أبي الأسْود هذه التي صاغها شعرًا، لأرحْنَ واسترَحْن، وسعِدْنَ وأسعَدْن؛ فإنَّ جحود هذه الوصيَّة لا يغني عن تاركيها من الحقِّ شيئا!

وفي "العقد الفريد" (2/436): عن الزُّهري قال: قال أبو الدَّرداء لامرأته: "إذا رأيتِني غضبتُ تَرَضَّيْني، وإن رأيتُك غضبتِ تَرَضَّيْتُك، وإلاَّ لم نصطَحِب"، قال الزُّهري: وهكذا يكون الإخوان. (انتهى).


.. يتبع ..
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.42 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]