عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-05-2009, 05:42 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقدمة في منهج التعامل مع المخالف

وقال ابن مفلح في الفروع: (.. وقال شيخنا: نصوصه صريحة على عدم كفر الخوارج والقدرية والمرجئة وغيرهم وإنما كفَّر الجهمية لا أعيانهم، قال: وطائفة تحكي عنه روايتين في تكفير أهل البدع مطلقا، حتى المرجئة والشيعة المفضلة لعلي قال: ومذاهب الأئمة أحمد وغيره مبنية على التفصيل بين النوع والعين).
وقال الإمام ابن القيم عن شهادة الفساق: (.. فأما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول - كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم. فهؤلاء أقسام: أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق، ولا ترد شهادته، إذا لم يكن قادرا على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوا غفورا).

4. أن يكون الأصل في المخالف من أهل البدع بقاء حرمة المسلم:
فلا يُهجر ولا يُنفَّر من شخصه بقول أو فعل. إلا بشرطين: الأول: أن تكون مخالفته فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد، والثاني: أن يكون الهجر نافعاً في قطع فساد مخالفته أو التقليل منه، أو زجر غيره عن مثل فعله. فإن لم يكن نافعاً وجب البقاء على هذا الأصل؛ لزوال السبب المبيح للخروج عنه.
أما قول المخالف وفعله سواء كانا مبنيين على اجتهاد سائغ، أو تقليد جائز، أو على غير ذلك من المخالفة للقطعيات؛ فإن بيان دين الله وتعليم العلم والدعوة إليه من أعظم القرب وأحسن الأعمال؛ فكيف إذا كان هذا البيان دعوةً إلى أصل، أو توضيحاً لضروري؛ فإنه من أفضل الأعمال وأوجبها، وإنما قد يُراعى تأخير بيان بعض الأمور رعاية لمصلحة أعظم، أو مفسدة أشد؛ لمعنى في المخالف أو في غيره.
وهذا هو الذي تميز به أهل السنة والجماعة وهو أنهم جمعوا بين طرح منهجهم بجلاء لا يجاملون فيه أحداً من بيان مسائل الدين الكبار، ومحاربة البدع قولاً وفعلاً، وبين معاملة أشخاص المخالفين بما تقضيه الشريعة، ويحقق مقاصدها بقواعد المصالح والمفاسد والعدل والإنصاف، والرحمة الإحسان، وعلى ذلك مضى الأئمة، وكان من أبرز متأخريهم الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فلا ينقضي عجبك من تبحره وطول نفسه في إيضاح مسائل الدين ونقض شبه المخالفين، وهو مع ذلك حسن المعاملة للمخالفين تنظيراً وتطبيقاً.
قال - رحمه الله - في كلامه عن هجر المبتدع (28/210): (.. فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها لم تكن هجرة مأموراً بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: إنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية. فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة. وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي. وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم لا ندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم. فإذا تعذر إقامة الواجبات من العلم والجهاد وغير ذلك إلا بمن فيه بدعة مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب: كان تحصيل مصلحة الواجب مع مفسدة مرجوحة معه خيراً من العكس. ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل)..
(وكثير من أجوبة الإمام أحمد، وغيره من الأئمة، خرج على سؤال سائل قد عَلِم المسؤول حاله، أو خرج خطاباً لمعين قد علم حاله، فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إنما يثبت حكمها في نظيرها)..
(فإن أقواماً جعلوا ذلك عاماً، فاستعملوا من الهجر والإنكار ما لم يؤمروا به، فلا يجب ولا يستحب، وربما تركوا به واجبات أو مستحبات وفعلوا به محرمات. وآخرون أعرضوا عن ذلك بالكلية، فلم يهجروا ما أمروا بهجره من السيئات البدعية.. ). أ. هـ المقصود من كلامه - رحمه الله -.
وقال - رحمه الله - في موضع آخر في نحو ذلك (10/365): (.. وإنما قررت هذه القاعدة ليُحمل ذم السلف والعلماء للشيء على موضعه.. ).
وقال بعد ذكر بعض شطحات الصوفية (5/253): (وهذا يبين أن كل من أقر بالله فعنده من الإيمان بحسب ذلك، ثمَّ من لم تقم عليه الحجة بما جاءت به الأخبار لم يكفر بجحده، وهذا يبين أن عامة أهل الصلاة مؤمنون بالله ورسوله ـ وإن اختلفت اعتقاداتهم في معبودهم وصفاته ـ إلاَّ من كان منافقاً يظهر الإيمان بلسانه ويبطن الكفر بالرسول فهذا ليس بمؤمن، وكل من أظهر الإسلام ولم يكن منافقاً فهو مؤمن له من الإيمان بحسب ما أوتيه من ذلك، وهو ممن يخرج من النار ولو كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ويدخل في هذا جميع المتنازعين في الصفات والقدر على اختلاف عقائدهم)..
(ولو كان لا يدخل الجنة إلا من يعرف الله كما يعرفه نبيه - صلى الله عليه وسلم - لم تدخل أمته الجنة؛ فإنهم أو أكثرهم لا يستطيعون هذه المعرفة؛ بل يدخلونها، وتكون منازلهم متفاضلة بحسب إيمانهم ومعرفتهم، وإذا كان الرجل قد حصل له إيمان يعرف الله به، وأتى آخر بأكثر من ذلك عجز عنه لم يُحمَّل ما لا يطيق، وإن كان يحصل له بذلك فتنة لم يحدث بحديث يكون له فيه فتنة). أ. هـ.
وقال (28/206): (وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت لمصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك؛ بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر)..
(والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبـي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قوماً ويهجر آخرين. كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم؛ لمَّا كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم؛ فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير؛ فكان في هجرهم عز الدين، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحوال والمصالح)..
(وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل؛ ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع؛ كما كثر القدر في البصرة، والتجهم بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه).
ولهذا يرى هؤلاء أن أولى من ينطبق عليه هذا الحكم هم المنسوبون ـ بالتقليد ـ إلى بدعة الأشاعرة أو بعض البدع العملية كالموالد التي لا شرك فيها ولا غلو، ونحو ذلك مما انتشر في العالم الإسلامي ويرون في ذلك أشياء منها ما هو صحيح بل قطعي ظاهر ومنه ما هو محل اجتهاد بين أهل السنة قديما وحديثاً؛ فيرون أموراً:
1. أن ينصروا على من ظلمهم ولو من أهل الحق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن رد على الجهمية في الفتنة (5/555): (وكان ممن انتدب للرد عليهم أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كُلَّاب، وكان له فضل وعلم ودين. ومن قال: إنه ابتدع ما ابتدعه ليظهر دين النصارى في المسلمين ـ كما يذكره طائفة في مثالبه، ويذكرون أنه أوصى أخته بذلك ـ فهذا كذب عليه. وإنما افترى هذا عليه المعتزلة والجهمية الذين ردَّ عليهم؛ فإنهم يزعمون أن من أثبت الصفات فقد قال بقول النصارى. وقد ذكر مثل ذلك عنهم الإمام أحمد في الردَّ على الجهمية؛ وصار ينقل هذا من ليس من المعتزلة من السالمية، ويذكره أهل الحديث والفقهاء الَّذين ينفرون عنه لبدعته في القرآن؛ ويستعينون بمثل هذا الكلام الذي هو من افتراء الجهمية والمعتزلة عليه. ولا يعلم هؤلاء أن الذين ذموه بمثل هذا هم شرَّ منه، وهو خير وأقرب إلى السنة منهم).
2. أن يُستر ما لم يظهروه من المخالفات، ولا يُمتحنوا فيها:
جاء سير أعلام النبلاء 10/311 أن في قَامَ رَجُلٌ إلى البخاري، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي اللَّفْظِ بِالْقُرْآنِ، مَخْلُوقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.
3. أن لا يُهجروا ولا يقاطعوا:
لاسيما في مواقع نفوذ هذه الفرق؛ كالذي ذكره الإمام ابن تيمية عن مواقع نفوذ البدع المنتشرة في زمنه، وكذلك في غيرها إذا كان ذلك يؤدي إلى مفسدة أعظم؛ كحمله على التعصب لطريقة قومه، أو بحثه عمن يعينه ويتواصل معه، أو تؤدي إلى قطيعة ومنافرة دون تحقيق مصلحة الهجر في حقه، وأن رعاية مصلحة التأليف مع هذا أظهر من مصلحة هجره.
وفد مضى نقل كلام العلماء في ذلك.
4. أن يُعاونوا في وجوه الخير؛ إذا لم يوجد أمثل منهم.
كدعمهم في مراكز ومدارس أسلامية لا يعلِّمون فيها البدعة، لاسيما في بلاد الكفر، وقد لا يعتنون بمذهب السلف، ولكنهم يحمون في هذا البلد هوية المسلم من الذوبان في الكفار، أو يُعنون بدعوة الكفار، ويرى آخرون أن يُكتفى بعدم عرقلة مشروعاتهم أو صد الناس عنهم، أو تنفيرهم منهم مع عدم وجود البديل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (13/ 96): (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين، وهو خير من أن يكونوا كفارًا. وكذلك بعض الملوك قد يغزوا غزوًا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثمًا بذلك، ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارًا فصاروا مسلمين، وذلك كان شرًَا بالنسبة للقائم بالواجب، وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير.. ودخوله في حكم المسلمين خير من أن يبقى كافرًا؛ فانتقل إلى خير مما كان عليه.. ) أ. هـ.
ويرون أن لا يُمنع ولا ينفر آحاد المسلمين من الالتحاق بمثل هذه المدارس أو الجماعات حتى وإن كان فيها بعض البدع والمخالفات إذا لم يوجد غيرها قال الإمام ابن تيمية بعد ذكره للطرق الصوفية ومجموعاتهم:
(10/364): (.. قد يقترن بالحسنات سيئات إما مغفورة، أو غير مغفورة، وقد يتعذر أو يتعسر على السالك سلوك الطريق المشروعة المحضة إلا بنوع من المحدث لعدم القائم بالطريق المشروعة علماً وعملاً؛ فإذا لم يحصل النور الصافي بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف؛ وإلا بقي الإنسان في الظلمة؛ فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهي عن نور فيه ظلمة؛ إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية؛ إذا خرج غيره عن ذلك؛ لما رآه في طرق الناس من الظلمة).
(وإنما قررت هذه القاعدة ليحمل ذم السلف والعلماء للشيء على موضعه، ويعرف أن العدول عن كمال خلافة النبوة المأمور به شرعا: تارة يكون لتقصير بترك الحسنات علما وعملاً، وتارة بعدوان بفعل السيئات علما وعملاً وكل من الأمرين قد يكون عن غلبة، وقد يكون مع قدرة. فالأول: قد يكون لعجز وقصور، وقد يكون مع قدرة وإمكان. والثاني: قد يكون مع حاجة وضرورة، وقد يكون مع غنى وسعة، وكل واحد من العاجز عن كمال الحسنات. والمضطر إلى بعض السيئات معذور.. ).
إلى أن قال: (.. فهذا طريق الموازنة والمعادلة، ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان).
5. أن لا يُنفر من كتبهم التي ألفوها في غير المخالفة:
ويقولون بأنه كان ولا يزال أهل السنة والجماعة يتتلمذون على العلماء الذين عرفوا ببدع ومخالفات في توحيد الإلهية والأسماء والصفات والبدع العملية، ويعتنون بكتبهم ويتهادونها؛ وربما شرحها بعضهم؛ كالذي فعله الإمام ابن القيم في شرحه منازل السائرين للهروي والذي بين فيه أخطاءه بتلطف، واعتذر له عن بعضها مما يُعد مخالفة كبيرة.
6. أن يُحسن بهم الظن ويُلتمس لهم العذر في المخالفة؛ ما أمكن ذلك.
لاجتهاد أو تقليد:
وقال - رحمه الله - في فيما نُسب إلى بعض الميتدعة من الشطحات ومستنكر الأقوال والأفعال، ومواقف الناس منهم كما في "الفتاوى" (10/378) قال: (.. وقد يغلو كل واحد من هذين حتى يخرج بالأول إنكاره إلى التكفير والتفسيق في مواطن الاجتهاد، متبعاً لظاهر من أدلة الشريعة، ويخرج بالثاني إلى الإقرار بما يخالف دين الإسلام مما يعلم بالاضطرار أن الرسول جاء بخلافه، إتباعاً في زعم لما يشبه قصة موسى والخضر، والأول يكثر في الموسوية ومن انحرف منهم إلى يهودية و الثاني يكثر في العيسوية ومن انحرف منهم إلى نصرانية.
والأول: كثيراً ما يقع في ذوي العلم لكن مقروناً بقسوة وهوى. والثاني: كثيراً ما يقع في ذوي الرحمة لكن مقروناً بضلال وجهل. فأما الأمة الوسط: فلهم العلم والرحمة.. ) أهـ.
وقال (27/95): (وكان ابن فورك في مخاطبة السلطان قصد إظهار مخالفة الكرامية، كما قصد بنيسابور القيام على المعتزلة في استتابتهم، وكما كفرهم عند السلطان. ومن لم يعدل في خصومه ومنازعيه، ويعذرهم بالخطأ في الاجتهاد؛ بل ابتدع بدعة وعادى من خالفه فيها أو كفره: فإنه هو ظلم نفسه)..
(وأهل السنة والعلم والإيمان يعلمون الحق ويرحمون الخلق، يتبعون الرسول فلا يبتدعون. ومن اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول عذروه. وأهل البدع مثل الخوارج يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم ويستحلون دمه. وهؤلاء كل منهم يرد بدعة الآخرين، ولكن هو أيضاً مبتدع؛ فيرد بدعة ببدعة، وباطلاً بباطل).
وقال عن عقيدة وحدة الوجود (2/367): (.. وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفهمونه، ويعتقدون أنه من جنس كلام المشايخ العارفين، الذين يتكلمون بكلام صحيح لا يفهمه كثير من الناس؛ فهؤلاء تجد فيهم إسلامًا وإيمانًا ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي.. ) أ. هـ.
*(23/346) بعد كلامه عن تكفير المعين قال: (.. وهكذا الأقوال التي يُكفَّر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها؛ فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحقّ، وأخطأ فإن الله يغفر له خطأَه كائناً ما كان سواء كان في المسائل النظرية، أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماهير أئمة الإسلام، وما قَسَموا المسائل إلى أصولٍ يَكْفُر بإنكارها، ومسائل فروع لا يَكْفُر بإنكارها؛ فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع.. ).
قال (10/371و372): (وإنما المقصود هنا: أن ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة أو المخالف للكتاب والسنة إذا صدر عن شخص من الأشخاص فقد يكون على وجه يعذر فيه؛ إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته) أ. هـ.
ثم قال (2/379): (ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق، وهذا السر أشد كفرًا وإلحاحًا من ظاهره، فإن مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس.
ولهذا تجد كثيرًا من عوام أهل الدين والخير والعبادة ينشد قصيدة ابن الفارض ويتواجد عليها ويعظمها، ظانًا أنها من كلام أهل التوحيد والمعرفة وهو لا يعلم مراد قائلها، وكذلك كلام هؤلاء يسمعه طوائف من المشهورين بالعلم والدين، فلا يفهمون حقيقته" أ. هـ.
وقال - رحمه الله - عن بعض العلماء المناظرين في البدع الاعتقادية (5/563): (.. لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول، وحصل اضطراب في المعقول به؛ فحصل نقص في معرفة السمع والعقل، وإن كان هذا النقص هو منتهى قدرة صاحبه لا يقدر على إزالته؛ فالعجز يكون عذرًا للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام، هذا على قول السلف والأئمة في أن من اتقى الله ما استطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به)..
(وأما من قال من الجهمية ونحوهم: إنه قد يعذب العاجزين، ومن قال من المعتزلة ونحوهم من القدرية: إن كل مجتهد فإنه لا بد أن يعرف الحق، وإن من لم يعرفه فلتفريطه، لا لعجزه، فهما قولان ضعيفان، وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً) أ. هـ.
لغلبة أمر:
قال عن الذكر بتكرار لفظ الجلالة "الله" (10/567): (وما نقل عن أبي يزيد والنوري والشبلي وغيرهم من ذكر الاسم المجرد فمحمول على أنهم مغلوبون؛ فإن أحوالهم تشهد بذلك، مع أن المشايخ الذين هم أصح من هؤلاء وأكمل لم يذكروا إلا الكلمة التامة، وعند التنازع يجب الرد إلى الله والرسول؛ فليس فعل غير الرسول حجة على الإطلاق) أهـ.
وقال (5/484): (وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ما وقع من شبه أهل البدع، ولهذا يوجد في كثير من المصنفات في أصول الفقه وأصول الدين والفقه والزهد والتفسير والحديث من يذكر في الأصل العظيم عدة أقوال ويحكي من مقالات الناس ألوانًا، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره لعدم علمه به لا لكراهته لما عليه الرسول) أ. هـ.

مراعاة لقواعد المصالح والمفاسد:
وقال 19/218: (.. وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً بل وإماماً وفي نفسه أمور من العدل ‏يريد أن يعمل بها فلا يمكن ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله‎ ‎نفساً إلا وسعها) .
الجهل:
وقال (3/355) بعد ذكره وجهين لتغليط مقالات أهل البدع: (الثالث: أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها؛ لكن مع هذا قد يخفي كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم؛ لما يوردونه من الشبهات، ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطنًا وظاهرًا؛ وإنما التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة؛ فهؤلاء ليسوا كفارًا قطعًا؛ بل يكون منهم الفاسق والعاصي؛ وقد يكون منهم المخطئ المغفور له؛ وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه) أ. هـ.
لظهور البدعة وشيوع المخالفة:
وقال - رحمه الله - (3/239): (ومع هذا فقد يكثر أهل الأهواء في بعض الأمكنة والأزمنة؛ حتى يصير بسبب كثرة كلامهم مكافئًا ـ عند الجهال ـ لكلام أهل العلم والسنة؛ حتى يشتبه الأمر على من يتولى أمر هؤلاء؛ فيحتاج حينئذ إلى من يقوم بإظهار حجة الله وتبيينها حتى يكون العقوبة بعد الحجة..وإلا فالعقوبة قبل الحجة ليست مشروعة) أ.هـ.
المصدر: المختار الإسلامي
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]