عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-06-2009, 05:16 AM
...{زاحف نت}... ...{زاحف نت}... غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
مكان الإقامة: السعوديه
الجنس :
المشاركات: 23
افتراضي المخرج من فتنتي التغريب والتخريب

المخرج من فتنتي التغريب والتخريب
--------------------------------------------------------------------------------
المخرج من فِتنتَي التغريب والتخريب
عبد الرحمن السديس إمام الحرم
ملخص الخطبة
غيابُ الرؤيةِ الشرعيّة وفِقه السنَن الكونية.
أهمية المرجعية الموحّدة.
متغيّرات العصر المتسارعة.
الحرب المقبلة.
ضرورة استبانة سبيل المفسدين.
المخرج من الفتن.
حاجة الأمة إلى فقه السياسة الشرعية.
نداء للتغريبيين والتكفيريين.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، فهي سبيل أهلِ الرشاد، وخير زادٍ يبلِّغ لرضا ربِّ العِباد، فتزوّدوا منها ليومِ المعاد، واغتنِموا أيامَ العُمر قبل النفاد، وشمِّروا في تحقيقها عن ساعِد الجدِّ والاجتهاد، واحذَروا مسالكَ أهل الغيِّ والفسادِ وطرُقَ أهل الباطل والضلال والعِناد، تدخلوا جنَّةً لا يخفى نعيمُها على كلِّ رائحٍ وغاد.
أيّها المسلمون، في زَحمةِ الأحداثِ وتسارُع المتغيِّرات وفي خِضمّ تداعياتِ النوازلِ والمستجِدّات وكثرة الأطروحات والتحليلات يَلحظُ المتأمِّلُ الغيورُ غيابًا أو تغييبًا للرؤية الشرعيّة والنظر في فقه السّنَنِ الكونية والاستقراء التّام للأحوال التاريخية والحضارية، حتّى حصل من جرَّاءِ ذلك زللُ أقدام وخَطَلُ أقلام وضلالُ أفهام وتشويشٌ وحيرة عند كثيرٍ من أهل الإسلام وخلطٌ في الأوراق لدى كثير من أرباب الفِكر والثقافة ووسائل الإعلام، ممّا يؤكِّد أهمّيّة المرجعيّة الموحَّدة للأمّة الواحدة، ترتكز في تحقيق أهدافها على الخيّرة صحَّة المعتقد وسلامةِ المنهَج والعناية بمصالح الأمة الكبرى ومقاصِد الشريعة العُظمى، باعتدالٍ في الرؤى وتوازُنٍ في النظر وأسلوبٍ عالٍ في الطرح والحوار، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء:83].
معاشرَ المسلمين، الكلُّ يدركُ ما تواجهُه أمّتُنا الإسلامية اليومَ من متغيِّراتٍ متسارعة، تضاعفت من خلالِها نُذُر الأخطارِ المتصاعدة، متغيّراتٍ وجدت فيها الأمةُ نفسَها أمامَ نظامٍ عالميّ جديد دون أن تعلمَ موقعَها فيه ومكانَها في خارطته، متغيِّراتٍ أصبحَت فيه نداءاتُ مقدَّسات المسلمين وصَرخات الأرض المباركة وأنّاتُ فلسطين واستغاثاتُ الأقصى مهدّدةً بالضياع في دهاليز التيهِ وأنفاق الظُّلمَ، وغدت حسراتُ أرض الفرات تتحشرجُ في الحلوقِ بين انعدامِ الأمن وضياع الحقوق وتطاوُلِ إرهاب الصّهاينة المعتدين لتنفيذ مؤامراتهم ضِدَّ أولَى القبلتين ومسرَى سَيّدِ الثقلين، في قفزاتٍ متسارعةٍ لتحقيق أحلامهم في إقامةِ دولتهم الكبرى بزعمهم وإقامةِ جدار الفصل العُنصُري، في إذكاءٍ لثقافةِ الصراع والعنصريّة ولغةِ الحِقد والكراهية بين الشعوب، وبدت ملامحُ التحرُّش الشَّرِس على مقدَّرات الأمّةِ وقِيَمها.
حتى بلاد الجزيرة لم تسلَم من أعمال الاستفزاز والاستهداف، فغُرِّرَ ببعض أبنائها، وأصبحوا أدواتٍ تُنفَّذ من خلالِها أعمالُ العُنف والإرهاب والتخريب والإرعاب وسلوك مسالكِ الغلوّ والتكفير والتفجير والتدمير، وآخرين يعيشون حياةَ التفريط والجفاءِ بين مطرقةِ التغريب وسِندان العولمة، في وضعٍ يمثِّل صورةً صارخةً لمقدار التبعيَّة الفكرية والانهزامية الثقافية لدَيهم، مع جرأةٍ عجيبة في المزايدةِ على الشريعة وتزييف الفِكر والوعي الذي يستمدُّ جذورَه من التنكُّر لعقيدة الأمّة ورسالتها التاريخية والسقوط في مباءات التقليدِ ومتاهات التبعيّة واجترار فكرِ الغير بانهزاميةٍ مُفرِطة، يتبعها سعيٌ حثيث لمسخ هويّة المجتمع وتغيير بنيتِه الفكرية ومنظومته الاجتماعية والطّعن في مناهجه الشرعية وأعماله الخيريّة والإغاثيّة والاحتسابيّة والتلاعُب بقضايا المرأة والحجاب، فكأنّ لهم الوصايةَ عليها والمحاماةَ عنها وهم داؤها لا دواؤها، وجعلِها شمّاعةً يعلِّقون من خلالها ما يرومون من انسلاخٍ عقديّ وفكريٍّ للأمّة وحلٍّ للنسيج الاجتماعيّ المتميِّز فيها، في مشروعَاتِ التغيير وأُطروحات التنوير والتطوير التي يُقصَد بها النيلُ من ثوابتِ الأمة وتغييبُ ثقافتها الشرعية، وهذا الأمرُ ليس بدعًا من الظواهر المعاصرة، فلم يزل أحفادُ عبد الله بن أُبيّ عليهم من الله ما يستحقّون يظهرون ويَتَجدّدون في كلّ زمان، ويلبسون لكلِّ عصر لبوسَه، تختلفُ قوالبُهم، وتتَّحِد قلوبُهم في شرخِ عقيدة الأمّة وإغراق سفينتها، وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد:30].
أمّةَ الإسلام، وإنّ أخشى ما يُخشى أن تشهدَ المرحلة القادمةُ حَربًا ضروسًا على القِيَم الدينيّة والثوابت الشرعية، وسيسقُط القناع ويُماط اللِّثام عن حقيقة ثقافةِ هؤلاء وجذور أولئك، كما يُخشَى أن يكون كلٌّ من تيّار الغلوّ والغلو المضادّ أداةً طيِّعة للأعداءِ المتربِّصين في اختراق سفينة الأمّة وتسويق مشروعاتهم الفكرية والاجتماعية وبسطِ نفوذهم على مراكز الرأي والتأثير في الأمّة تحت مسمِّياتٍ برّاقة وشِعاراتٍ خلاَّبة تجعل التدمير والتفجير شهادةً وجهادًا، كما تجعل الفسادَ إصلاحًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:11، 12].
ولهذا فإنّ استبانةَ سبيل هؤلاء وأولئك ورصدَ توجُّهاتهم عن طريقِ دراساتٍ واستراتيجيّات تزيل الشُّبَه عن الأجيال اللاحقة يُعَدُّ حفاظًا على الفكر الوسطيّ المعتدِل أمام معاوِل الهدم والتخريب التي تحاول إسقاطَه؛ إما بالتفريط والجفاء أو الإفراط والغلوّ، ممّا يؤكِّد ضرورةَ حماية الأمنِ الفكريّ في الأمّة بتحقيق التعاون بين الجهات العِلميّة والبحثيّة والشرعيّة والأمنيّة والإعلاميّة والتربويّة لصدِّ العدوان الشَّرِس الذي يستهدف بلادَنا في عقيدتها وأمنها وفكرها واقتصادها، لا بدّ من تجفيف منابعِ الإرهاب بنوعَيه والغلوّ والتطرّف بشِقَّيه، وذلك ليس مجرَّدَ ترَفٍ علميٍّ وإعلاميّ، بل هو من الضرورات المهمّة والأولويات الأكيدة التي تحافظ على سفينة الأمّة لتمخر عُبابَها أمام أمواجِ المِحَن وتلاطُم الفِتن؛ لتصلَ إلى برّ الأمان وشاطئ السلامة والاطمئنان، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام:55].
إخوةَ الإيمان، والسؤالُ المطروح بإلحاح إزاءَ هذه الأوضاع المزرِية هو: كيف نتجاوز سلبياتِ هذه المرحلة ونُعاودُ البناءَ والإعمار؟ أوَلسنا خيرَ أمّةٍ أُخرِجت للناس؟! أوَلسنا أمّةَ الشهادةِ على العالمين؟! أوَلسنا الموعودين بالنصر والتمكين؟! ألم يئن الأوان لتحويل هذه السُّنن الشرعيّة إلى واقعٍ حضاريٍّ فعّال؟! فنحن أمّةٌ لا تعرف التلاشيَ والسُّقوط، ولا يتطرّق إليها اليأسُ والقنوط، فسرعانَ ما تكبو تنهض وتعلو.
إنّه مِن خِلال الوعي بهذه الحقيقةِ بتجديد الثقةِ بالله وقرب نصرِه، ثم إعادة الثقةِ بالنفس وبثِّ أخلاقيات الأمل والتفاؤل والتحصُّن بالرّشد والاعتدال المطلوب للخروج من مرحلة الضّياع التي تكاد تعصِف بالأمَّة خارجَ دائرة العالم الحضاريّة، وبذلك يجتمع الشّتات ويُلَمّ الشّعث وتُسوَّى الصفوف لتصوغَ الأمةَ في كيان واحدٍ كبير وإن تعدَّدت منه الأطياف، لتُكرَّس للتعاوُن والتكاتُف والتكامل، لا للخصام والجفاء والتقاتُل، في توظيفٍ للطاقات وتنميةٍ للقدرات في عصرِ القوى الكبرى والتكتُّلات العُظمى، لتستوعب طاقاتِ الأمّة عامّة والشباب خاصّة وتصفّ نظامَها وتضبطَ عطاءها وتستثمرَ جهودَها على أحسن وجوهِ الانتفاع للبلاد والعباد.
وإنّ أحدًا لا يرضى أن تبقى الأمةُ مفرّقةً لا جامعَ له، تتخبّط في مواطنِ الفتن وتخوض في مواضع المِحَن وتسبح في بحرٍ متلاطِم بلا رُبّانٍ مَهَرة، بل أحيانًا بلا سفينةٍ صالحة، فكيف يكون هذا حالَ أمّةٍ أمرها الله بالتوحيد والوحدة؟! وما الذي يمنع الصفوفَ من التراسّ والمواقف من الاجتماع ونحن أمّةُ الأخوّة والوئام والتكاتُف والتعاون والالتئام والتلاحُم والاعتصام؟! إنّنا نريد أن نتجاوزَ مرحلةَ التأطير والتنظير إلى محطّةٍ من التحرُّك والإيجابية والتفعيل، انطلاقًا من رؤًى شرعية لا تروم المستحيلَ ولا تجافي الواقع، ولكنها تهدف إلى معالجة الأمور على ضوء المقاصدِ الشرعية والضوابط المرعيّة.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.50 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]