عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 20-06-2009, 12:51 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حـديـث القــرآن عـن القــرآن
32

د / محمـد الـراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة الأنعام ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴿104﴾ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿105﴾ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ[الأنعام:104ـ106]
﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ والبصائر جمع بصيرة وهو النور الذي تُبصر به النفس . كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين . والمراد بالبصائر الأدلة والحجج . ويراد بها هنا آيات القرآن الكريم .
وفي قوله ﴿ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ حث وتحذير . حثٌّ على صدق التمسك وحسن الاتباع . وتحذير من المخالفة والإعراض . فإن هذه البصائر من ربكم الذي خلقكم وربَّاكم بنعمه ، وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض بفضله ورحمته .
وفي وصف البصائر بالمجيء تَفْخِيمٌ لشأنها وجعلها بمنزلة الغائب المتوقع مجيئه . ﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ﴾. أي من تعقَّل البصائر وعَرَفها وأذعن لها فنفع ذل لنفسه لأنه ينجو بهذا الإبصار من النار ﴿ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ﴾ أي عمي عن البصائر ولم يتعقلها ولم يذعن لها فضرر ذلك عائد عليه ؛ لأنه يتعرض لغضب الله في الدنيا والآخرة . وللإبصار نتائجه وللعمى عن البصائر عواقبه .
ولما كان هذا وارداً على لسان الرسول وقد أمر بتلاوته وتبليغه قال : ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ
﴾ أي قل لهم هذا وذاك ، قل لهم مبِّلغا عن ربك ما أنزل إليك : ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ﴾ أي برقيب أحصي عليكم أعمالكم وإنما أنا رسولٌ أبلغكم رسالة ربَّي وهو الحفيظ عليكم .
﴿ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ﴾ أي مثل ذلك التصريف البديع نصرفها في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه لتقوم الحجّة وتنقطع المعذرة .
ومع تصريف الآيات وبيانها ترى من الناس من يجادل في آيات الله بغير علم ويحاول أن يجد تعليلا لهواه بنسبة هذه البصائر لغير الحق .
﴿ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ﴾ هذا يا محمد مع أهل الكتاب وتعلمتَه منهم وهم يوقنون أنه ما تلا من قبل من كتاب ولا خطه بيمينه
[صلى الله عليه وسلم] .
وما كان أحدٌ من قبل من أهل الكتاب ولا من غيرهم يعلم شيئا على هذا المستوى من التنزيل المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولكنه العمى والجهل يقود صاحبه إلى التخبط والجحود .
﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿48﴾ بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ
[العنكبوت:48ـ49]
إن هذا القرآن يقوم في حياة الناس مقام الشمس في عالم الكون لا يخفى نوره ولا ينقطع مدُّه ولا يذهب أثره ﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ﴾ والبصائر قائمة لا تغيب . ومن عمى عن البصائر فَلِعِلَّةٍ فيه لا في النور والهدى ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ
[الرعد:19]
ومع الضياء والنور ترى ناسا يأبون إلا أن يكونوا في القبور .
ومن أصحاب القبور أولئك الذين يقولون للرسول الكريم
[صلى الله عليه وسلم] ـ وهم يعلمون نشأته ـ درست أي أعانك عليه قوم آخرون وليس من عند ربك , ويقول أمثالهم على مر السنين ما يقولون. وشمس القرآن فوق رءوسهم لا تغيب ، إن بارحت رءوسهم أنارت عند آخرين ، والناس قديما وحديثا أمام حجج الحق وبيانه فريقان: فريق مبصرٌ يعلم أنه الحق ، وفريق أعمى يجادل في الحق بغير علم .
وعلى دعاة الحق حيث كانوا أن يقتدوا بنبيهم فيما أُمِرَ به ، وان يستمسكوا بالحق دون أن يعبأوا بالذين لا يوقنون .
﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ
[الأنعام:106]اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ فإنه الحق الذي يريد أهل الباطل أن يصرفوا الداعين عنه وأن يردوا المتمسِّكين به ، وأن يشغلوهم عنه بلغوٍ من القول وأن يبعدوهم بشتى الوسائل والأساليب , والسبيل لردِّ الكيد والصدّ هو صدق الاتباع والتمسك بما أنزل الله على رسوله ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ذاك هو السبيل ﴿ [آل عمران:120] ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم:60]
وبذا يكون تحقيق النصر ودفعُ الكيد , إذ لا سبيل لنصر الحق إلا التمسك به والعمل بمقتضاه والصبر والتقوى كما أمر الله .
ومن تدبر النتائج وعرف العواقب أيقن يقينا لا شك فيه أن الحقَّ لا يهزم أبدا ؛ لأن العاقبة له لا لغيره .
وسيعلم الناس جميعا ذلك ويوقنون به ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
[الشعراء:227]
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.54%)]